عياد أبلال
إذا كانت الكتابة تطهيرا بالمفهوم الأرسطي للكلمة، فإن الكتابة على الجرح وبالجرح جرحا مضاعفا، ولهذا تعتبر هذه الكتابة بالدم والدمع، كتابة تدميرية. هكذا بتنا نجد أنفسنا خائفين متوجسين من الكتابة بعدما صارت الحقيقة الاجتماعية المرة للبلد تجري في ركبانها جحافل الحمقى والمعتهوين، ولعل الامر هو ان تقود هذه الجحافل من الجماهير مجموعة من التافهين.
إن الوضع المزري الذي يمر منه بلدنا على أعقاب منكوبي زلزال الحوز الذين مايزالون يعيشون في الخيام ويتلحفون الأرض بردا وجوعا وقهرا، وعلى أعقاب منكوبي فيضانات الجنوب الشرقي التي أتت على ما تبقى من بنية تحتية بدائية مخلفة ضحايا وجرحى بالعشرات. وعلى أعقاب تصاعد حدة اليأس بين الشباب في مختلف ربوع البلاد من الذين يمموا وجههم شطر مدينة الفنيدق قاطعين العزم على الهجرة نحو سبتة ومنها الى اسبانيا.
وعلى أعقاب ارتفاع مهول للأسعار وتدني القدرة الشرائية للمغاربة، تحتفل شبيبة الحزب الحاكم في تجمع خطابي سياسي على أنغام ورقصات اغنية شعبية: مهبول انا غادي في لوطوروت”. وهو احتفال تقاسمه السيد رئيس الحكومة على أعقاب استقباله من طرف مريديه الحزبيين بالمدينة نفسها على اعقاب ايقاع غنائي اخر في اطار رعاية التعدد والتنوع الايقاعي الليبرالي، يقودنا إلى استخلاص الوضع السيكولوجي لنخبة تحكم باسم الديمقراطية الانتخابية بعدما صارت الديمقراطية مجرد اعداد وأرقام وتحالفات بيروقراطية مفصولة عن الثقافة المدنية والسياسية المرتبطة بسؤال المسؤولية الاخلاقية قبل السياسية والجنائية، حيث تفككت العلاقة بين المسؤولية والمحاسبة في زمن العجز الديموقراطي والاحتباس السياسي.
الخطير في الأمر ليس ما قام به الحزب الحاكم- وائتلافه الحكومي- من انفصال عن الارادة الشعبية والقيادة الاخلاقية، بل الخطر الداهم هو ما تعكسه هذه السلوكات اللا مدنية واللا أخلاقية من انفصال بين الحكومة والمجتمع المدني من جهة، وتضرر الصحة النفسية للمغاربة، وما بتنا نعيشه في تيك توك وفي باقي شبكات التواصل الاجتماعي من انحلال خلقي وتفسخ في القيم، وهو تجل خطير لوضع الشباب المغاربة السيكولوجي، تعكسه الممارسة السياسية والاجتماعية في الواقع، وكأن قدر المغاربة هو أن تعمل الحكومة على ترميز التافهين وتثمين الضباع، وتكريس الخلل النفسي.
ضمن هذا السياق استحضر الراحل محمد جسوس حين صدع بصوت عال ذات يوم من ثمانينيات القرن الماضي: انكم تصنعون أجيالا من الضباع” كي اعيد العطف على ما قاله بانهم اليوم يرمزون هذه الاجيال بعد أن احتلت مكانة في شتى مجالات الحياة والمؤسسات.
بيد أن هذا العطف هنا يجد مرجعيته السياسية في ما قاله المفكر محمد اقبال، معتبرا أن تضخم السلطوية والحرمان يؤدي بالشباب اما إلى الجنون أو إلى المجون، لكني أجد المسلكين معا يميزان ما يحدث عندنا، فالمجون والجنون تحالفا معا لنحت مآل مغرب اليوم والغد بعدما تحولنا من مجتمع الكبير والقدوة والقيادة الاخلاقية في العائلة والأسرة والمدرسة والحزب والنقابة…الخ إلى مجتمع الصغار، حيث بات الصغير كبيرا والكبير صغيرا وصار المجتمع مجتمعا فضائحيا بامتياز.
فأن نرقص ونغني على أنغام مهبول انا غادي في لوطوروت هو خير ترجمة لما نعيشه اليوم من بؤس سياسي.
بيد أن الخطر الداهم والقادم لا محالة ليس كل هذا وذاك، بل في غياب البديل في الحزب والنقابة والجامعة…الخ، وفي غياب رجالات الدولة، الذين حتما نحن في حاجة ماسة إليهم اليوم في القادم من الشهور والسنوات، لأن المؤشرات تؤكد أن أجيال “مهبول انا غادي في لوطوروت”، هي من سوف تقود المرحلة القادمة.