عبد الرزاق الزرايدي بن بليوط
إنعقد إجتماع أمس بالعاصمة الرباط، بين وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، والوزير المنتدب لدى وزير الداخلية، نور الدين بوطيب، والأمناء العامين ورؤساء الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان، وذلك في إطار اللقاءات التحضيرية والتواصلية المزمع عقدها على مستوى وزارة الداخلية مع قادة الأحزاب السياسية لتبادل الرؤى حول القضايا الأساسية المرتبطة بالتحضير للاستحقاقات الانتخابية المقبلة.
هذه اللقاءات الرسمية تكشف أن 2021 ستكون سنة انتخابية بامتياز، حيث سيتم خلالها تجديد كافة المؤسسات المنتخبة الوطنية والمحلية والمهنية، من مجالس جماعية ومجالس إقليمية ومجالس جهوية وغرف مهنية، علاوة على انتخابات ممثلي المأجورين، ثم مجلسي البرلمان.
هذه الدينامية التحضيرية للاستحقاقات القادمة، تقذف بالأحزاب السياسية في قلب المعادلة التنموية والاقتصادية من جديد، وتفرض عليها كمكونات حزبية تؤثت المشهد السياسي المغربى، إيقاعا جديدا، بدت أهميته القصوى بالنظر للظروف الراهنة التي يمر منها المغرب، بسبب جائحة كورونا وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية والصحية، والتي باتت لها تأثيرات سلبية على العالم بأسره.
سياقات جديدة، استنفرت مؤسسات الدولة والمجتمع، ودفعت الأحزاب السياسية إلى تقديم مذكرات، تضع من خلالها خططا للإنقاذ بحسب رؤيتها التي اختلفت بين حزب وآخر.
الاستحقاقات الانتخابية القادمة، تضع بلادنا في محك صعب، وتؤسس لرهانات جديدة، بعيدا عن الاستمرار في منطق الهيمنة، وحب الكرسي وحتى إن كانت التجربة متواضعة وتكرس لتراجعات اقتصادية قد تغرق سفينة الوطن، وتهوي به إلى قاع البحر البعيد. في الوقت الذي نرى فيه أن الأعراف السياسية، في أعتى الديمقراطيات العالمية، تفرض على السياسيين أن يحددوا دمائهم عبر التداول السلمي على السلطة، وليس احتكارها باستعمال كل أنواع الابتزاز ووضع رجل في الحكومة وأخرى في المعارضة، إن التداول الديمقراطي على الحكم، يفيد بما لا يدع مجالا للشك والريبة، أن على بعض الأحزاب التي استنفذت أغراضها عليها أن تكرس لممارسة سياسية سليمة، وتعفي الوطن والمواطنين، من التمسك بالسلطة لأجل السلطة، فمصالح الوطن تقتضي في بعض الأحيان، أن يتنازل الحزب الذي يقود الحكومة، ويقر بالفشل سياسيا قبل أن يقر به انتخابيا.
فبإلقاءنا نظرة على المشهد السياسي، تصبح بعض تساؤلاتنا مشروعة، هل مكونات هذا المشهد الحالي خاصة الحزب
الأغلبي الذي يقود الحكومة، قادرة على إدارة البلاد من جديد؟ أم أن الصراعات التي فجرها في عدة محطات، داخل الأغلبية ستنعكس بشكل أو بآخر على المنظومة السياسية ككل؟ كيف نقنع المواطن في ظل هذه الظروف بعدم العزوف الانتخابي؟ وكيف لنا ان نوقف مسلسل شيطنة رجالات سياسيين صادقين، والانخراط في هجمات لا تليق بالممارسة السياسية في شيء، بمبرر الاستمرار في الحكم رغم الفشل في تدبيره وقيادته بشكل راشد ومحكم.
إن ما تشهده الممارسة السياسية من طرف بعض الاحزاب، وفي مقدمتها الحزب الاغلبي، تعيد عقارب الزمن إلى الوراء، وتذكرنا بالخطب الملكية السامية، التي انتقدت بشكل واضح الممارسات التي تسيء للعملية السياسية، حيث أشار جلالة الملك محمد السادس، نصره الله بـ”أن ما يبعث على الاستغراب، أن البعض يقوم بممارسات تتنافى مع مبادئ وأخلاقيات العمل السياسي، ويطلق تصريحات ومفاهيم تسيء لسمعة الوطن، وتمس بحرمة ومصداقية المؤسسات، في محاولة لكسب أصوات وتعاطف الناخبين”، فلا يمكن وفقا لهذه الرؤية الملكية أن نستمر في إنتاج نفس الخطاب، فالاستحقاق الانتخابي، ليس محطة عابرة، أو تلقائية، يفرضها الخيار الدستوري والديمقراطي، بل هي محطات لتجديد الرؤى والممارسات، ودعم هذا الاستحقاق بالكفاءات والالتزام بمصلحة الوطن.
إن المواطن اليوم وفي ظل جائحة كورونا، يواجه العديد، من الصعوبات سواء منها المادية أو المعنوية، أو الاجتماعية، ويحتاج اليوم، قبل أي وقت مضى إلى أناس قادرين على حلحلة هذه الصعوبات والمعيقات والمشاكل، يحتاج لحكومة تستحضر في تصوراتها الامور الاقتصادية والاجتماعية والتنموية.. بعيدا عن السجالات السياسية والصراعات الايديولوجية التي لا تعمل على تأخر المجتمع ولا تساعده على الخروج من أزمته.
يحتاج المواطن المغربي، من يصون كرامته ومن يدافع عنه بمنطق جديد يعزز من مكانته ويحفظ له كرامته، فهو يحتاج لتحسين أمثل في الخدمات المقدمة، وفي تحقيق تعليم مبني على المعرفة الحقة وتكافؤ للفرص وجودة الخدمات. فالمواطن المغربي يتطلع إلى صحة يتساوى فيها الفقير والغني، يلجها بكل سهولة، فهو يحتاج لشغل وعيش كريم ولقمة هنية تنسيه مطبات ومتاعب الحياة.
فما يحتاجه أكثر هو الطمأنينة في الحياة العامة والحياة السياسية، وأن يحس بأن هذه الاحزاب التي تمثله، هي أحزاب همها هو تحقيق المصلحة العامة وليس شيء آخر.. فالصراع والتصادم والتنابز لا يخدم المشهد السياسي في شيء، ولا يخدم حتى الاحزاب ولا المواطن ولا الوطن بحد ذاته بل يخدم العزوف الانتخابي.
فإقناع المواطن لا يكون بالشعارات الرنانة، ولا بتوزيع الكلام يمينا وشمالا، ولا بالوعود التي وعدنا إياها الحزب الاغلبي وفشل في تحقيقها، رغم رفعه سقف التطلعات، لكن المواطنين منوا بخيبة أمل، فالنتائج لم ترقى لحجم الرغبات، إن ما نحتاجه اليوم قبل الاهتمام بما هو تشريعي وقانوني، إلى سن لغة جديدة و التواصل والانصات، ووضع البرامج والخطط والاستراتيجيات، وكذا النزول للميدان ومعرفة الحاجيات، كما على الاحزاب الجادة بأن تفرز لنا نخبا لها من الدراية والمعرفة في مختلف التخصصات، ولها من الكفاءة في مختلف المجالات، وأن توحد الجهود وتنأى عن الصراعات التي لا تجلب للوطن سوى الصعوبات فقد حان وقت لم الشتات.
قبل ثلاث سنوات عبر جلالة الملك محمد السادس بشكل واضح في خطابه بمناسبة اعتلائه العرش سنة 2017 أنه أصبح “غير مقتنع بالطريقة التي تمارس بها السياسة، ولا يثق في عدد من السياسيين، فماذا بقي للشعب؟ لكل هؤلاء أقول :” كفى، واتقوا الله في وطنكم… إما أن تقوموا بمهامكم كاملة ، وإما أن تنسحبوا”، فالمغرب له نساؤه ورجاله الصادقون”.
وأكد الملك في خطابه، أن “مسؤولية وشرف خدمة المواطن، تمتد من الاستجابة لمطالبه البسيطة، إلى إنجاز المشاريع، صغيرة كانت، أو متوسطة، أو كبرى، وكما أقول دائما، ليس هناك فرق بين مشاريع صغيرة وأخرى كبيرة، وإنما هناك مشاريع تهدف لتلبية حاجيات المواطنين، فسواء كان المشروع في حي، أو دوار ، أو مدينة أو جهة، أو يهم البلاد كلها، فهو يتوخى نفس الهدف، وهو خدمة المواطن. وبالنسبة لي، حفر بئر، مثلا، وبناء سد، لهما نفس الأهمية بالنسبة للسكان”.
وفي خطاب ملكي سام آخر، دعا جلالة الملك، أغلبية ومعارضة لعدم “الركوب على الوطن، لتصفية حسابات شخصية، أو لتحقيق أغراض حزبية ضيقة”، لأن “تمثيل المواطنين في مختلف المؤسسات والهيآت، أمانة جسيمة. فهي تتطلب الصدق والمسؤولية، والحرص على خدمة المواطن، وجعلها فوق أي اعتبار”، ويقول جلالة الملك “أكدنا ذلك عدة مرات، فإن القيام بالمسؤولية، يتطلب من الجميع الالتزام بالمفهوم الجديد للسلطة، الذي اطلقناه منذ أن تولينا العرش”.
إن الإرادة الملكية، واضحة لاغبار عليها، ما يحتاجه الوطن اليوم، هم أحزاب تحترم نفسها وتكف عن الاستهتار بمصالح الوطن، فالسياقات الجديدة والتحديات الراهنة تفرض عليها أن تقوم بمراجعات وتقييم شامل لممارستها الحزبية، بعيدا عن منطق الاستحواذ والاستفراد بالقرار، فلا يمكن أن تقود التغيير وتمارس الحكم الراشد والتدبير الحكومي الفاعل، دون أن تتخلص من كل الممارسات المشينة، التي تساهم في وقوع اختلالات سياسية، وإن هي أظهرت اهتماما انتخابيا بهذه الاستحقاقات القادمة، فهي لا محالة فاشلة سياسيا وتحتاج إلى تدشين مراجعات نوعية، فالوطن تواجهه صعوبات وعلى كل الأحزاب السياسية أن تتحمل مسؤوليتها بتجرد كامل ونزيه بعيدا عن الشعبوية والسياسوية المقيتة.
عبد الرزاق الزرايدي بن بليوط: رئيس مجموعة رؤى ڤيزيون الاستراتيجية، ورئيس لجنة الأطر التجمعية داخل الحزب