الرباط-أسامة بلفقير
في محطة دبلوماسية فارقة، أعلنت المملكة المتحدة من قلب الرباط، على لسان وزير خارجيتها ديفيد لامي، أن مبادرة الحكم الذاتي المغربية للصحراء هي “الأساس الأكثر مصداقية وعملية وقابلية للتطبيق” لحل النزاع الإقليمي حول هذه المنطقة.
هذا الموقف، الذي تم تأكيده في بيان مشترك مع نظيره المغربي ناصر بوريطة، لا يمثل مجرد تعديل دبلوماسي عابر، بل هو تحول نوعي من شأنه أن يعيد تشكيل مسار ملف الصحراء المغربية برمته، ويحمل في طياته دلالات استراتيجية عميقة، وانعكاسات جيوسياسية متعددة، وآفاقًا اقتصادية واعدة، تستدعي تحليلًا معمقًا لكافة أبعادها.
إن الموقف البريطاني الجديد ينطلق من قراءة معمقة للواقع الجيوسياسي والقانوني للنزاع. فبعد عقود من الجمود، أضحت مبادرة الحكم الذاتي هي السبيل الوحيد القابل للتطبيق لتحقيق الاستقرار والتنمية في المنطقة.
• تجاوز خيار الاستفتاء: يعكس هذا الإعلان اعترافًا متزايدًا لدى القوى الكبرى بأن خيار الاستفتاء، الذي عُرض في السابق، أصبح غير واقعي وصعب التنفيذ عمليًا، نظرًا للتعقيدات الديموغرافية والسياسية. التركيز البريطاني على “المصداقية والعملية وقابلية التطبيق” هو بمثابة شهادة على أن مبادرة الحكم الذاتي هي الحل الأنجع الذي يراعي مصالح جميع الأطراف دون الإخلال بالاستقرار الإقليمي.
• تعزيز للموقف المغربي: يشكل هذا الموقف دعمًا سياسيًا ودبلوماسيًا هائلًا للمغرب، الذي طالما شدد على أن مبادرة الحكم الذاتي تندرج في إطار سيادته ووحدته الترابية. فالمملكة المتحدة، كقوة دولية فاعلة وعضو دائم في مجلس الأمن، يمنح موقفها للمبادرة المغربية شرعية وثقلًا إضافيًا، ويعزز من موقف المغرب في المحافل الدولية، لاسيما داخل الأمم المتحدة، في ظل الدعم الأمريكي والفرنسي.
• رسالة للفاعلين الإقليميين: يبعث هذا التحول برسالة واضحة لجبهة البوليساريو والجزائر، مفادها أن الاتجاه الدولي يسير نحو دعم الحلول السياسية الواقعية، بعيدًا عن المطالب التي قد تطيل أمد النزاع وتعيق أي تقدم حقيقي. هذا قد يضع ضغوطًا إضافية على الأطراف الأخرى لإعادة تقييم مواقفها والانخراط بشكل بناء في عملية البحث عن حلول. ولا يمكن فصل هذا التطور، إذن، عن السياق الجيوسياسي الأوسع، حيث تسعى المملكة المتحدة لتعزيز نفوذها بعد “البريكسيت”، ويسعى المغرب لترسيخ مكانته كشريك استراتيجي موثوق في شمال إفريقيا والساحل.
• تأثير الدومينو المحتمل على المواقف الأوروبية: بعد الدعم الأمريكي (في عهد ترامب) والإسباني والألماني والهولندي، يأتي الدعم البريطاني ليشكل إضافة نوعية. من المتوقع أن يمارس هذا الموقف ضغطًا على دول أوروبية أخرى، لا تزال مترددة أو تتبنى موقفًا محايدًا، لإعادة النظر في مقاربتها. ف