أيوب بنجبيلي
بفضل الرؤية المتبصرة للملك محمد السادس في المجال الدبلوماسي والتي بوأت المغرب مكانة متميزة على المستوى الإقليمي و الدولي و رقما في معادلة السياسة الدولية نتيجة الحضور الوازن للمغرب بالقارة الإفريقية والعلاقات القوية التي أصبحت تربطه مع العديد من الدول خاصة بعد الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على صحرائه بالإضافة إلى إقرار مدريد بأن مبادرة الحكم الذاتي هي الأكثر واقعية وجدية لحل النزاع، كما أكد رئيس الحكومة الإسباني بيدرو سانشيز، في رسالة بعث بها إلى صاحب الجلالة الملك محمد السادس، أنه “يعترف بأهمية قضية الصحراء بالنسبة للمغرب” مشددا على أن مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب سنة 2007 بمثابة الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية الخلاف لدحض الادعاءات وتفنيد المغالطات التي دأبت الجزائر على الترويج لها على مدى أزيد من أربعة عقود.
إن الدبلوماسية الحكيمة والمتأنية، للعاهل المغربي الملك محمد السادس، المُتسمة برؤية استراتيجية تستشرف المستقبل بسمة واقعية، تمكنت من تحقيق مكاسب عديدة، على رأسها المواقف البناءة، لمجموعة من الدول الأوروبية، منها ألمانيا وهولندا والبرتغال، وصربيا وهنغاريا وقبرص ورومانيا ودول أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي ، سيساهم في فتح صفحة جديدة في علاقات الثقة، وتعزيز الشراكة النوعية، مع هذه البلدان الصديقة، حيث قامت حوالي ثلاثين دولة، بفتح قنصليات في الأقاليم الجنوبية، تجسيدا لدعمها الصريح، للوحدة الترابية للمملكة، كما قامت حوالي 40 في المئة من الدول الإفريقية، تنتمي لخمس مجموعات جهوية بفتح قنصليات في العيون والداخلة.
أمام هذه الانتصارات الإيجابية، التي تهم دولا من مختلف القارات، وجه جلالة الملك رسالة واضحة للجميع مفادها ” إن ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات” وهذا ما أكد عليه جلالة الملك محمد السادس في خطابه السامي بمناسبة تخليد ملحمة ثورة الملك والشعب في ذكراها التاسعة والستون معربا شكره لباقي الدول العربية، التي أكدت باستمرار، دعمها لمغربية الصحراء، وفي مقدمتها دول مجلس التعاون الخليجي ومصر واليمن.
فجلالة الملك كان حكيما وسباقا في تقييم الوضع بالمنطقة المغاربية خاصة لتلك الدول التي تتبنى موقفا غامضا وغير واضح تجاه هذا الملف والتي سرعان ما لجأت إلى خطوة غير مسبوقة تحمل كل عنوانين العداء ولا تقبل أي تبرير باستقبال قيس سعيد الرئيس التونسي بشكل رسمي، إبراهيم غالي، زعيم جبهة البوليساريو الانفصالية، عندما حل بتونس للمشاركة في قمة طوكيو للتنمية في إفريقيا “تيكاد 8″ التي ستمتد يومي 27 و28 غشت الجاري.
إن ما حصل اليوم، يعد سابقة خطيرة في تاريخ الدبلوماسية التونسية، فتونس التي كانت دائما تعتمد مبدأ الحياد تجاه قضية الصحراء، اليوم اختار رئيسها قيس الاصطفاف إلى جانب البوليساريو على حساب المغرب الذي طالما يقدم كل مساعي الدعم والمساعدات في فترة الأزمات خاصة بعد تدهور الوضع الوبائي في تونس، بسبب الارتفاع القوي لحالات العدوى والوفيات المرتبطة بكوفيد-19، حيث تفضل الملك محمد السادس، بإعطاء تعليماته السامية لإرسال مساعدة طبية عاجلة لهذا البلد المغاربي الشقيق في إطار الأخوة العريقة التي تجمع الشعبين .
كما تعد زيارة الملك محمد السادس للعاصمة التونسية خلال عام 2014 كأول قائد عربي يزور هذا البلد الشقيق خير دليل للخروج من فوضى “الربيع العربي وشبح الارهاب” ووفقا لملاحظين تونسيين أنداك فإنّ جولة الملك المغربي على الأقدام كانت رسالة مفادها أن الأمن مستقر في تونس وجاءت أيضا دعما للانتقال الديمقراطي وتشجيع القطاع السياحي.
حيث كتبت المدونة أحلام عبدلي حينها: “شكرا لجلالة الملك محمد السادس، شعبنا سيتذكر أنه ذات يوم من أيام 2014، وتونس في أزمة اقتصادية خانقة، وسياحتها تنوء حديثا تحت ضربة إرهابية موجعة، قام ملك صديق لتونس بجولة في شوارع العاصمة، وصافح أهلها وسمح بصور تذكارية مع أبنائها وبناتها وكأنه في مراكش أو فاس”..
لكن اليوم قام سعيد بذاكرته الضعيفة بتدميره لمؤسسات الدولة التونسية أولا ثم تعطيله لمسار الانتقال الديمقراطي واغتصابه لكل السلطات وتدمير علاقاته مع الدولة المغربية التي ما فتئت تسهر للدفع قدما نحو المشروع المغاربي إلى الأمام لكي لا يتخلف البلدان المغربية عن ركوب قطار التنمية .
وبالتالي فإن المغرب سيظل متمسكا بحقوقه المشروعة في صحرائه، ومتشبثا بالتعاون مع المنتظم الدولي لإيجاد حل سياسي واقعي ومعقول، متفاوض عليه لهذا النزاع المفتعل، الذي لن ينال من إرادة المغرب أو يثني من عزيمته في الذود عن حقه المشروع والانتصار لصيانة وحدته الترابية وتثبيت مكاسبه الوطنية .
باحث في القانون العام والعلوم السياسية