عز الدين ابراهيمي*
مسكين مديرنا الإفريقي لمنظمة الصحة العالمية وهو يبكي و يتباكى فوق منصته و هو يتحسر في ندائه على “الإفلاس الأخلاقي للعالم”….صورته كانت محزنة و هو يوجه ندائه لأغنياء العالم… بينما أنني كنت أنتظر منه أن ينتفض و يثور على الوضع و يصرخ بفشله و يهده باستقالته… فكيف لنا أن نعيش في عالم لقح فيه قرابة 50 مليون شخص ….في حين 25 جرعة من اللقاح فقط أعطيت في أفريقيا …. ليس 25 مليونا ، وليس 25 ألفا ، بل 25 فقط..
أي فشل أكبر من هذا للإنسانية.
نعم إخواني الأفارقة، إنسانية الفيروس كانت أعظم من البشرية و كان أرحم بنا من الدول الغنية.
الفيروس كان أرحم بنا، فهو لم يفرق في إصابته لنا بين غنينا و فقيرنا، بين نساءنا و رجالنا، بين من يسكنون في الأكواخ و لا البيوت الفاخرة… لم ينظر حتى للونا كقارة … فهذا الفيروس الديمقراطي لا يسمح لنفسه بالعنصرية… و كان رحيمابنا، فلم يقتل إلا قلة من كل بلد إفريقي لتنبيهنا عن جشع العالم.
مهما حاولت، فإني لا أفهم كيف لبلدان “متقدمة” أن تتبجح بحقوق الإنسان و المبادئ الإنسانية وهي تشتري ثلاث إلى خمس مرات ماتحاتجه من اللقاحات.
لماذا كذبتم علينا و قلتم بأننا بنفس المركب و سنواجه الجائحة كجسد و احد مرتص، والآن تبين لكم أن أجساد شيوخكم و أرواحهم أغلى بكثير من “شيبانيي ” إفريقيا…ألم يكن من الأجدر أن نحميهم كلهم و نستغل ملايين الجرعات المتوفرة الآن لحماية كل مسني العالم.
شكرا لك سيدي الفيروس فقد كنت رفيقا بنا… وحاولت أن تستلب أقل عدد ممكن منا.
ولكنك عريت عن عوراتنا كأفارقة… أعلنت في واضحة الجائحة عن فشل قارتنا و منظمتها العتيدة، التي تغرق في نزاعات الإخوة الأشقاء، عن حمايتنا … كيف تقبل هذه الدول و بدون انتفاض أن تنتظر 2022 لوصول اللقاحات إليها… كيف للإتحاد الإفريقي أن يقبل بهذا الذل …. كيف يقبل خمس ساكنة العالم أن يبقى تحت رحمة الشركات و الشركاء الحلفاء الذي لم يأخذوا ولو هنيهة للاستماع إلينا كبشر و حتى ك “متنفسين” معهم فوق هذه البسيطة.
و لكن أنا أؤمن بعدالتك سيدي الفيرو س و ديمقراطيتك…. فلنتركك تتكاثر و تتمحور في إفريقيا لسنة أخرى لتنضج أكثر و تصبح “كوڤريكا” (سوبر فيروس إفريقيا) الذي لا ينفع معه داء و لقاح… و قد لاحت تباشيرك من خلال تمحورك بجنوب إفريقيا…. و ليحاول بعد ذلك أغنياء العالم إغلاق حدودهم كما يفعلون في مواجهة ميزيريتنا…. و لكن “كوفريكا” الفيروس الإفريقي الذي لا يقهر و كأي أسطورة إفريقية حتما سيصل إلى أوروبا و أمريكا و يعيدهم جميعا إلى نفس مركب الجائحة و يحرق كل زوارق اللقاح التي كانوا يفرون بها ظنا أنهم تركونا وحدنا نغرق في مستنقع الجائحة.
و قد ألهمتني إنسانيتك سيدي “كوڤريكا” فوددت ( و لو أنني إفريقي و روحه لا تساوي شيئا) أن أخبر هؤلاء الأغنياء أن إحدى الدراسات التي ستصدر غدا تبين أنه إذا لم يتم تلقيحنا (نحن الدول الفقيرة) ، فإن الأغنياء سيدفعون الثمن من جيوبهم لأن الفشل في توزيع لقاح سيؤدي إلى تفاقم الأضرار الاقتصادية و أن البلدان الغنية و مواطنيها سيتحملون جل تكاليفها.
شكرا لعدلك سيدي “كوڤريكا”، و لكن ماذا عن إفريقيا.
فشل كبار العالم للاكتراث بنا درس قاس لنا جميعا كأفارقة، و تذكير “أنه في وقت الحزة، ما حك جلدك مثل ظفرك”…. علينا أن نشمر عن سواعدنا و أن نقطع مع الاستماع إلى سيمفونيات المؤامرات التي نتمتع بعزفها… و شطحات الديكة المقطوعة رأسها التي نتفنن بها في رقصاتنا هاته الأيام… و ننسى نظريات الضحية…. الحقيقة المرة، نحن نعيش في عالم الغاب فلن نجد سندا لنا لا من الغرب بفردانيته الليبرالية و لا من الشرق الأوروبي و لا الأسيوي اللذان مازالان يتلخبطان في مقاراباتهما للعالم بالحسابات الجيوسياسية.
يجب أن نقطع مع التوسل و التسول … لا يجب أن ننظر إلى منقذ إلا من جلدتنا فالتضامن الإفريقي و التعاون جنوب جنوب توجد بهم كل الحلول و المخرجات المناسبة… و لنا عودة لذلك.
و في الأخير، و إذا لم نتمكن من فعل أي من هذا أو ذاك فمن حقي أن لا أعلق أملي على إنسانية العالم الملقح لينقذنا بل على الله و من بعده على “كوڤريكا”….
حفظك الله ماما أفريكا.
حفظنا الله جميعا.
*مدير مختبر البيوتكنولوجيا بكلية الطب بجامعة محمد الخامس