الرباط-متابعة
منذ اعتلائه عرش أسلافه الميامين، اعتمد الملك محمد السادس مقاربة جيو – استراتيجية جديدة اتجاه إفريقيا، تندرج في إطار التعاون جنوب – جنوب، وترتكز على مبادئ التضامن والمصلحة المشتركة، وتجعل من بروز قارة موحدة غايتها الأسمى.
ويشكل اليوم العالمي لإفريقيا، الذي يخلد في 25 ماي من كل سنة، مناسبة لإبراز الالتزام الإفريقي للمغرب وتضامنه الثابت واللامشروط إزاء الدول الشقيقة والصديقة بالقارة، انسجاما مع الرؤية المستنيرة للملك محمد السادس، الذي يتطلع إلى إفريقيا مبادرة وشجاعة، تتصدى للتحديات التي تعترضها وتحولها إلى فرص ثمينة.
ومنذ سنة 2000، أبرم المغرب مع البلدان الإفريقية، حوالي ألف اتفاقية، كما عمل الملك خلال هذه المدة على تكثيف الزيارات إلى مختلف جهات ومناطق القارة، وتنويع المبادرات ومشاريع التعاون جنوب – جنوب، والانخراط في دينامية التنمية المشتركة.
ومن بين المشاريع الاستراتيجية الكبرى التي يقودها الملك على مستوى القارة، المشروع الكبير لأنبوب الغاز نيجيريا – المغرب، وهو مشروع هام، موجه للأجيال الحالية والقادمة، يعمل من أجل السلام، والاندماج الاقتصادي الإفريقي،لفائدة منطقة غرب إفريقيا كلها، التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 440 مليون نسمة.
وسيمتد أنبوب الغاز هذا، الذي سيساهم في تحسين ظروف عيش الساكنة، والإدماج الاقتصادي بالمنطقة وحماية البيئة بفضل التزويد المستدام والموثوق من الغاز، على طول ساحل غرب إفريقيا انطلاقا من نيجيريا ومرورا عبر البنين، والطوغو، وغانا، وكوت ديفوار، وليبيريا، وسيراليون، وغينيا، وغينيا بيساو، وغامبيا، والسنغال، وموريتانيا وصولا إلى المغرب، حيث سيتم ربطه بأنبوب الغاز المغاربي الأوروبي وشبكة الغاز الأوروبية. وسيمكن أيضا من تزويد الدول غير الساحلية من قبيل النيجر وبوركينا فاسو ومالي بجاجياتها من الغاز الطبيعي.
وإلى جانب رهان النجاعة الطاقية، يتعين على إفريقيا رفع رهان لا يقل أهمية ، ويتعلق الأمر بالأمن الغذائي، ولهذا الغرض أطلق المغرب تحت القيادة المستنيرة لجلالة الملك عددا من المشاريع الرامية إلى تحسين المردودية الفلاحية، وضمان السيادة الغذائية، من ضمنها المبادرة من أجل تكييف الفلاحة الإفريقية مع التغيرات المناخية، التي تعرف بمبادرة “Triple A”، والتي تم إطلاقها بمناسبة قمة العمل الإفريقية، التي انعقدت بمراكش على هامش الدورة ال 22 لمؤتمر الأطراف في الاتفاقية الإطار للأمم المتحدة حول التغيرات المناخية (كوب 22).
وتنضاف إلى هذه المبادرة، إقامة وحدات لإنتاج الأسمدة بعدد من الدول الافريقية كإثيوبيا ونيجيريا، وستعود هذه المشاريع بالنفع على القارة بأكملها، وكذا هبات الأسمدة التي يمنحها المغرب لدول افريقية شقيقة وصديقة.
وإيمانا منه بأن الأمن والتنمية عاملان لايمكن فصل أحدهما عن الآخر، فإن المغرب، بقيادة جلالة الملك، يبصم على حضور قوي كلما تعلق الأمر بأمن واستقرار افريقيا، حيث ساهمت المملكة منذ الاستقلال في عدد من عمليات حفظ السلام للأمم المتحدة في إفريقيا، من خلال نشر آلاف العناصر ضمن هذه العمليات.
وهي المقاربة ذاتها التي تبناها المغرب في ما يتعلق بمحاربة الإرهاب، حيث أبان على الدوام عن التزامه واستعداده لتقاسم خبرته الكبيرة مع أشقائه الأفارقة سواء تعلق الأمر بالتعاون الأمني أو مكافحة التطرف.
ولا يقتصر تشارك الخبرات هذا على الجانب الأمني، بل يشمل تدبير الشأن الديني أيضا، حيث يعمل المغرب، تحت القيادة الرشيدة لأمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس على تشارك خبراته في هذا المجال.
وفي هذا الإطار التحق مجموعة من الأئمة ينحدرون من دول صديقة وشقيقة، بمعهد محمد السادس لتكوين الأئمة، والمرشدين والمرشدات بالرباط، كما أن هناك تبادلا للتجارب في إطار مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، والتي جرى إحداثها بمبادرة من جلالة الملك بغرض تحصين الديانة الاسلامية من كل انحراف وتطرف، وكذا النهوض بالقيم السمحة للإسلام.
كما تتجسد رغبة المملكة في تقاسم خبراتها وتجاربها، في عدد المنح المقدمة للطلبة الأفارقة الراغبين في مواصلة دراستهم العليا بالمغرب ومشاريع مراكز التكوين المهني التي تم إطلاقها في مختلف الدول الافريقية الشقيقة والصديقة، على غرار مركز التكوين المهني متعدد التخصصات محمد السادس بيوبوغون بكوت ديفوار، ومركز التكوين المهني في مهن النقل واللوجيستيك بالغابون ومركب التكوين المهني بكوناكري بجمهورية غينيا.
وتكرس هذه المشاريع كلها، الاهتمام الخاص الذي يوليه جلالة الملك للمواطن الإفريقي عموما والشباب على وجه الخصوص، القوة المحركة لأي تغيير والفاعل الأساسي في بناء إفريقيا الغد، إفريقيا يسودها السلام والإستقرار والأمن.