الرباط-أسامة بلفقير
دخول سياسي واجتماعي ساخن ينتظر الحكومة والبرلمان على حد السواء. ذلك أن الأجندة التشريعية للبلاد تنتظر المصادقة على عدد من القوانين المهمة والمثيرة للجدل أيضا، منها مشروع قانون المسطرة المدنية ومشروع قانون المسطرة الجنائية، فضلا عن مشروع القانون التنظيمي للإضراب واللائحة طويلة من القوانين التي تنتظر المصادقة..لكن الأمر لا يتوقف هنا.
أمام الجهاز التنفيذي ملفات شائكة، على رأسها كيفية مواجهة الجفاف. ذلك أن آثار النقص الحاد في الموارد المائية لها تأثير كبير على الأوضاع الاجتماعية، نتيجة الارتفاع الواضح في الأسعار لاسيما اللحوم التي استقرت عند مستويات مرتفعة، دون أن ننسى التحديات الكبيرة التي ستواجهها الحكومة من أجل استيراد الحبوب، وكذا الارتفاع المتوقع في سعر زيت الزيتون وما يعنيه ذلك من ثقل على قفة الأسر.
أما التحدي الأكبر في كل ما يجري فهو نسبة البطالة المرتفعة، والتي قد تسجل أرقاما أسوأ من تلك التي أمامنا اليوم. ذلك أن تداعيات الجفاف سيكون لها تأثير مباشر على فرص الشغل في العالم القروي، وبالتالي سترتفع نسبة البطالة ويلجأ عدد من الشباب والأسر أيضا إلى الهجرة نحو المجال الحضري، ليدخلوا في دوامة أزمات اجتماعية تدور في حلقة مفرغة.
وقبل كل هذا وذاك، يخيم هاجس التعديل الحكومي على عدد من الوزراء الذين ينتظرون إنهاء حالة الترقب. ذلك أن كل المؤشرات السياسية وحتى مؤشرات أداء بعض أعضاء الحكومي تؤكد أن ساعة الصفر اقتربت، وبأن عددا من الأسماء باتت قريبة من مغادرة سفينة عزيز أخنوش، فيما قد يتم تغيير مواقف بعض الأسماء الشابة من أجل إعطاء دماء جديدة للعمل الحكومي.
قوانين “حارقة”
الدخول السياسي لا يرتبط فقط بعودة الحكومة لعقد اجتماعاتها الأسبوعية، بل أساسا بافتتاح البرلمان. هذه السنة ستدخل الحكومة وأغلبيتها ولايتها الرابعة، أي أنها ستكون أمام سنة يفترض أن تنطلق فيها التحضيرات القانونية لانتخابات 2026..لكن قبل ذلك، هناك عدد من النصوص التشريعية الحارقة التي تنتظر الحسم.
أول قانون ينتظر تصفية الأجواء هو مشروع قانون المسطرة المدنية. فهذا المشروع الذي نجح وزير العدل عبد اللطيف وهبي في تمريره بالغرفة الأولى في البرلمان أخرج مئات من المحامين للشارع في احتجاج تصعيدي أمام المؤسسة التشريعية، ضد ما وصفوها بـ “المقتضيات الانتكاسية والرجعية”، متوعدين الحكومة ببرنامج نضالي غير مسبوق إلى حين إسقاط مشروع القانون المذكور.
هذا المشروع ظفر بموافقة 104 نواب، ومعارضة 35 نائبا، دون تسجيل أي امتناع، بعدما قبلت الحكومة حوالي 321 تعديلا على مشروع القانون بنسبة تمثل 27% من مجموع التعديلات التي تقدمت بها فرق الأغلبية والمعارضة بالغرفة الأولى، لكنه إلى فتيل مواجهة بين المحامين الحكومة نتيجة رفض أصحاب البذلة السوداء الكامل والقطعي لهذا القانون.
وأكدت جمعية هيئات المحامين بالمغرب أن مشروع القانون رقم 02.23 يتضمن “تراجعات” تمس بحقوق المتقاضين وبالمكتسبات الدستورية والحقوقية وبالأمن القانوني والقضائي للبلاد، متسائلة عن سبب إصرار الحكومة على تمرير مقتضيات المشروع رغم هذه الانتقادات.
وأوضح رئيس الجمعية النقيب الحسين الزياني، أن مشروع قانون المسطرة المدنية الحالي تضمن تراجعات على مستوى المساواة ودرجة التقاضي والعديد من المقتضيات الدستورية على غرار الفصل 6 من الدستور الذي ينص على أن “القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة. والجميع، أشخاصا ذاتيين أو اعتباريين، بما فيهم السلطات العمومية، متساوون أمامه، وملزمون بالامتثال له”.
وليس مشروع قانون المسطرة المدنية وحده الذي يثير الجدل، بل سيلتحق به مشروع قانون المسطرة الجنائية، هذه المرة ليس مع المحامين بل مع جمعيات حماية المال العام. فإذا كان المشروع جاء بمقتضيات جديدة تعزيز حقوق الدفاع والمتهمين، فإنه في المقابل أثار غضب هذه الجمعيات بسبب المقتضيات التي ستجعلها غير قادرة على وضع شكايات ضد المنتخبين في قضايا المال العام.
وهاجم محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، هذا المشروع، معتبرا أن المادة المعنية تشكل ردة حقوقية ودستورية، وأبعادها خطيرة جدا. وأوضح الغلوسي في تدوينة عبر صفحته بالفيسبوك، أن الهدف الحقيقي من هذه الخطوة هو تجريد المجتمع أفرادا وجماعات من كل الأدوات والإمكانيات القانونية والمسطرية والحقوقية للتصدي للفساد ولصوص المال العام، والمطالبة بربط المسؤولية بالمحاسبة، بعدما اتضح للمستفيدين من واقع الفساد أن الظرفية الحالية تسمح بتمرير هكذا قوانين تشكل في عمقها ردة حقوقية ودستورية.
وأبرز رئيس الجمعية إلى أن المادة المذكورة تكثف وتترجم الارادة الواضحة للتوجه المستفيد من الإثراء غير المشروع، وواقع الريع والفساد، واستغلال مواقع المسؤولية العمومية، والهادفة إلى إغلاق الحقل الحقوقي والمدني وإفراغه من محتواه، لإنهاء أي ازعاج أو تهديد أو تشويش على مصالح شبكات ومافيات الفساد والريع.
وإلى جانب المسطرة المدنية والجنائية، هناك مشروع قانون مثير للجدل يتعلق بتنظيم حق الإضراب. ذلك أن موقف النقابات يبدو سلبيا وقد يقف أمام التمرير التوافقي لهذا المشروع. أثار جدلا كبيرا منذ انطلاق مناقشته في لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب المغربي. وعبرت هيئات نقابية عن رفضها مشروع القانون معتبرة أن بنوده تُصادر الحريات وتنتهك حقوق الإنسان وتمس بالحق في الإضراب.
وتحاول النقابات الضغط عبر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بعد طلب رأيه من طرف رئيس مجلس النواب.
وشددت المركزيات النقابية استعدادا للدخول السياسي والاجتماعي لهجتها وانتقادها لمضامين مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب. ذلك أن الاتحاد المغربي للشغل قدم أمام أعضاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي مذكرة جرد عبرها ما أسماه أبرز سلبيات القانون “التكبيلي” للإضراب.
وأكدت النقابة على أن مشروع القانون التنظيمي للإضراب “تم طبخه من طرف الحكومة السابقة خارج نطاق الحوار الاجتماعي وبدون إشراك الحركة النقابية في بلورته، وذلك بغرض تكبيل وتجريم الحق في الإضراب”، موردا أن المسودة المطروحة هي “أسوأ مشروع قانون تنظيمي ضمن مشاريع القانون التنظيمي لحق الإضراب التي جهزتها الحكومة منذ أكتوبر 2001، تاريخ طرح أول مشروع”.
الجفاف والبطالة
إذا كان الدخول السياسي تطبعه هواجس التعديل الحكومي وتحدي تمرير النصوص القانونية المثيرة للجدل، فإن الدخول الاجتماعي لا يخلو من تحديات لم تتوقف في الضغط على الفاعل الحكومي. ذلك أن تداعيات الجفاف ترخي بظلالها على الدخول السياسي، بينما تظل أرقام البطالة تضرب في مستويات قياسية وغير مسبوقة في تاريخ المملكة.
لقد أدى الجفاف غير المسبوق الذي تشهده المملكة للسنة الخامسة على التوالي إلى تراجع حاد على مستوى محاصيل الحبوب خلال الموسم الحالي، بلغ حوالي 43 في المئة أي بما يقدر بـ31.2 مليون قنطار، مقارنة بـ55.1 مليون قنطار في الموسم السابق 2022-2023، ما يعزز التوجه نحو الاستيراد الذي من المرتقب أن يصل إلى مستويات قياسية خلال الموسم المقبل.
هذا الانخفاض الملحوظ سجل على مستوى إنتاج الحبوب الرئيسية الثلاثة، إذ بلغ محصول المملكة من القمح الطري 17.5 مليون قنطار، و7.1 ملايين قنطار من القمح الصلب، و6.6 ملايين قنطار من الشعير. ويندرج الموسم الفلاحي 2023-2024 في سياق مناخي جد صعب استمر لخمس سنوات، واتسم بشكل عام بتأخر تساقط الأمطار وتباينها وفق التوزيع الزمني للتساقطات المطرية، وهو ما أثر سلباً في وضع الزراعات الخريفية في كل المناطق المزروعة، كما تسبب التباين الكبير في درجات الحرارة الدنيا والقصوى التي عرفها الموسم في اضطرابات في دورات إنتاج المحاصيل، وارتفاع وتيرة تفاقم الإجهاد المائي في العديد من مناطق زراعة الحبوب بالمملكة.
ليست الفلاحة وحدها من تأثرت، بل إن الولوج إلى الماء الصالح للشرب أو الاستعمال المنزلي تأثر بدوره. فقد شهدت عدد من المناطق تنفيذ إجراءات من أجل خفض استهلاك المياه، من خلال تخفيض الصبيب أو قطعه لساعات حتى ينعم الجميع بإمكانية الولوج إلى الماء، في وقت تقررت إجراءات تستهدف أساسا الحمامات والمسابح وسقي المساحات الخضراء وملاعب الكولف وغيرها، في انتظار ما ستجود به السماء خلال الأسابيع والأشهر المقبلة.
هذه الوضعية المتأزمة له تأثير كبير على معدلات البطالة لاسيما في العالم القروي. فأرقام المندوبية السامية للتخطيط، توضح أن وضعية سوق العمل في المغرب خلال الربع الثاني من العام الجاري 2024، لا زالت تعاني من آثار الجفاف، وفقدت 141 ألف فرصة عمل بالوسط القروي. في المقابل، تمكن الوسط الحضري من إحداث 60 فرصة عمل، بينما تراجع الحجم الإجمالي للعاملين بنهاية الربع الثاني من العام بواقع 82 ألف فرصة عمل، على أساس سنوي. هذه الأرقام ستجعل مهمة الحكومة معقدة في خفض أرقام الجفاف المسجلة، خاصة أن الحكومة رفعت منذ البداية وعد توفير مليون منصب شغل.