للتعريف بعادات وتقاليد القبائل الصحراوية بالأقليم الجنوبية للمملكة، تنشر جريدة “24ساعة” سلسلة حلقات من إعداد محمد فاضل أحمد الهيبة الباحث في الثرات الصحراوي، تضم مختلف المواضيع في العديد من المجالات والتي لها علاقة بتاريخ وحاضر المنطقة الجنوبية للمملكة.
الحلقة العاشرة:
“الشِّعرُ عند أهل الصحراء ”
شعرُ العلامة ماءالعينين إبن العتيق نموذجاً
يستنشق أهل الصحراء الشعر والأدب ويتذوقانهما لدرجة الإدمان ، ولاتخلو المجالس من المساجلات الشعرية وذكر تاريخ العرب وفتيانه كالامير أمرئ القيس وعنترة العبسي وطرفة بن العبد وحسان بن ثابت وقد أنجبت الأمهات في الصحراء شعراء كبار تركو بصمات كبيرة على الشعر العربي ولغنَ الحسّاني .
أنجبت مدرسة السمارة كبار العلماء والأدباء والشعراء ، أمثال الاديب اللغوي مولاي أحمد بن الذهبي والعلامة محمد العاقب ول محمد مبارك الجكني والعلامة الشاعر محمد الامين بن أبي المعالي والقائد الفراح بن ميارة بن احمد بابا الرقيبي التهالي ، وجاء مولد حفيد الشيخ ماءالعينين ، العلامة الشاعر ماءالعينين بن العتيق أيقونة جامعة السّمارة عام 1888 وعهد جده لكبار جهابذة علماء الصحراء بتدريسه حتى أصبحت له اليد طولى في علوم النحو والتصريف والبلاغة والبيان وكان من أمراء الشعر متفننا في صوغه ، مبدعاً في معانيه رصين الشعر عذب الالفاظ رائق الأسلوب وكان يقول الشعر على البديهة لايسهر عليه جفناً ولايكد فيه طبعا ، وأتقن حفظ القرآن حتى اخذ فيه الإجازة ، كان قاضي مدينة الطنطان وفي سنة 1956 عُين أستاذاً بالكلية اليوسفية بمراكش يقول رحمه الله مُغازلا زوجته :
ألَـمَّتْ فـولَّت بـالـحِجــــــــــا مَن تَشُوقُهُ
ولـم يـدْرِ طعـمَ الشّوق مـــــــن لا يذوقه
غداة الـتقـيـنـا للـــــــــوداع فأدبرتْ
وجـمـرُ الجـوى فـي الصدر يُذْكَى حـريــــقُه
فأتبعتُهـا عـيـنــــــــــــي بنظرة مُشفِقٍ
مـن الـبـيـن لاقى مـنه مـا لا يُطـيـــقُه
فصـادفتُهـا تُدلــــــــي إلى السّاق مِئْزرًا
أبى الرِّدْفُ إلا أن يَعِزَّ لـحــــــــــــوقُه
فقـلـتُ لهـا والقـلـبُ مـن حسنِ سـاقِهــــا
مسـوقٌ إلـيـهـا كـيف شـاءت تســـــــوقه:
أعُجْبًا بحسنِ السّاق مـنك تـريــــــــــنَه؟
تخـالـيـن مـن يرنـو إلـيــــــــه يروقُه
فَردَّت إلـيَّ الـوجهَ والثّغرُ بـــــــــــاسمٌ
تلـوح عـلى مـاء الثّنـايـــــــــا بُروقُه
وقـالـت: لـحى اللهُ الإزارَ فإنّنــــــــي
إنِ ادْلـيـتُه لـم أدرِ مـاذا يعــــــــوقه
فقـلـتُ لهـا: لا تعذلـيـهِ، فإنّمــــــــا
برْدفِك مَقطـوعٌ عـلـيـه طريـــــــــــــقُه
ويقول أيضا مغازلا زوجته في قصيدة : كمال الحُسْن
يـا مَن رَنـتْ نحـــــــــــــوي بطَرْفٍ أدعجِ
وتبسّمتْ عـــــــــــــــــــن لؤلؤٍ مُتفلِّجِ
وأرتـنـيَ القـمـرَ الـمـنـيرَ بـوجهـهــــا
مـن تحت ظلـمة فَرْعِهـا الـمتدجـــــــــدج
وتـمـايستْ، وا حسـرتـي مــــــــن مَيْسِ ذا
كَ القـدِّ، بـل مـن ردْفِه الـمتـرجـــــــرج
مـا كـان قبـلكِ فـي الهـوى لــــــي مدخَلٌ
وعـن الهـوى مـا لـي إذًا مــــــــن مخرج
فأنـا الشّجِي الـمفتـونُ مـنكِ، ولـم أكـــن
لـولا كـمـالُ الـحسنِ فـيكِ أنـا الشّجــــي
وعند وفاة زوجته التقية العابدة العالمة الريم منت الشيخ حسن رثاها بمرثية صُنّفت من بديع شعر المراثي يقول :
صـفـوُ الجـديـديـن ممزوجٌ بأكـــــــــدارِ
والـدّهـرُ يُردِفُ إقبـالاً بإدبـــــــــــارِ
والـمـوتُ عقبى بنـي الـدّنـيـا وإن رُزقـوا
وعُمِّروا أيَّ أرزاقٍ وأعـمــــــــــــــــار
واللّهُ فـي الأزل الآجـالَ قـدَّرهـــــــــا
فلـم تزل أبـدًا تأتـي بأقــــــــــــدار
والـمـرءُ مـن مَبـدأ الإيجـادِ مـنـتقــــلٌ
إلى الزّوال ومِن طـورٍ لأطـــــــــــــوار
وإنمـا يـنـتقـي الـمـوتُ الخِيـارَ ولــــم
يأسفْ لـمـوت خِيـارٍ غـيرُ أخـيــــــــــار
ومـا يُصـيب عـظيـمَ الأجــــــــرِ غَيرُ فتًى
مهـمـا يُصَبْ بعـظيـــــــــــم الرّزء صَبَّار
وخـيرُ نفسٍ لـتلك الـدار ذاهـــــــــــبةٍ
مَنْ سعـيُهـا حَسَنٌ فـي هـذه الــــــــــدّار
ويرحـم اللّهُ مـن عـاشــــــــــــت مطهّرةً
مشكـورةَ السعـي فـي جهـرٍ وإســـــــــرار
مـن أرضَعَتْهـا الـتّقى ألـبـانَهـــــا ورَبَتْ
فـي حِجـر عـلـمٍ وآدابٍ وأذكــــــــــــار
بنـتَ الأسـاتذةِ الغـيرى الـتــــــي سلفتْ
مـا فـي الـورى تـركـوا مـن حُسْن آثــــار
سـرى لهـا مـنهـمُ الطبعُ الكريـمُ فَســـــا
رَتْ تـرتقـي كرمًا فـي طبعهـا الســــــاري
تلك ابنةُ الشّيـخ «حَسَّن» الـتـــــــي سبقتْ
شأوَ الـحسـانِ فلـم تُلـحق بـمضمــــــــار
مَن كـان مَرْأى مُحـيَّاهـا الـحَيـيِّ بـــــــهِ
تحـلـو الـحـيـاةُ بأحـيـاءٍ وأمـصــــــار
آهٍ وإن لـم تكـنْ آهـي بنــــــــــــافعةٍ
لـمـا أُكـابـدُ آصـالـي وإبكــــــــــاري
لفَقْدهـا مـن سقـامٍ واحتــــــــــراقِ حَشًا
وبرحِ شجـوٍ وتهـيـامٍ وتذكــــــــــــــار
لا لـومَ فـي زفرة الشّجـوى عـلى نَفَســـــي
ولا عـلى مقـلـتـي فـي الـمدمع الجـــاري
إنْ أسْطَعِ الصّبرَ فـاللّهُ الـمعـيــــــن وإن
أجزعْ فبـيِّنةٌ فـي الــــــــــــبثّ أعذاري
وله صولات وجولات في جميع أغراض الشعر ، كان الشيخ الجيه الملقب النزيه بمجلس أخويه الشيخ مربيه ربه والشيخ محمد الامام ا بناء الشيخ ماء العينين يقيم الشاي فقال علم الشعر البارز ماءالعينين بن العتيق :
زان الأتاي الجيه حيث أداره في منتدى سَنَدِ الورى وأميرهِ
فحلَتْ مشاربه وما يحلو الأتا إلا بفضل نديِّهِ ومُديرهِ
فقال الشيخ مربيه ربه :
زان الأتاي وكيف لا وهو الشري فُ الشيخ زاد الله في تَعْميرهِ
نَمّ الزُّجاجُ بِحُسْنِ صنعتهِ كما بالحسنِ نَمَّ الوجهُ في تدويرهِ
فقال الشيخ محمد الإمام :
طاب النّدِيُّ لأهلهِ بأميرهِ وحوى المُنى بأتائهِ و مُديرهِ
إنِّي بما حدّثتكُمْ ذو خِبرةٍ والأمرُ لا يفتيك مِثْلُ خبيرِهِ
فقال ابن العتيق :
إن الأتاي إذا يكون مُقيمُهُ مِثْلَ النّزِيهِ يسيرُهُ ككثيرِهِ
لاسيما وأميرنا بإِزائِهِ غمر الندِيُّ بِبَسطِهِ وبُرورِهِ