للتعريف بعادات وتقاليد القبائل الصحراوية بالأقليم الجنوبية للمملكة، تنشر جريدة “24ساعة” سلسلة حلقات من إعداد محمد فاضل أحمد الهيبة الباحث في الثرات الصحراوي، تضم مختلف المواضيع في العديد من المجالات والتي لها علاقة بتاريخ وحاضر المنطقة الجنوبية للمملكة.
الحلقة السابعة:
“المرأة عند أهل الصحراء”
توّج مجتمع اهل الصحراء المرأة أميرة القلوب ، فهي تحظى بإحترام وتقدير كبيرين وسط الأسرة ، ويسلّمُ لها مجتمع البيظان مفاتيح جميع أمورهم الحياتية ، إبتداء من تربية الابناء وتدريسهم علوم القرآن والسنة الى السهر على تغذية الأسرة وكذا ربط علاقات دبلوماسية كبيرة أساسها الود والإحترام مع الجيران والأسر في القبائل الأخرى .
تُعطى لتربية المرأة مازالت صبية في بيت أهلها عناية كبيرة وخاصة ، لأجل أن تقود مستقبلا في بيتها حياة أسرية وإجتماعية ناجحة ، وتبدأ تربيتها وهي طفلة صغيرة بمنعها منعاً باتاً من زيارة الجيران دون أن تكون مُرافقة لوالدتها ويقول المثل في الثقافة الحسّانية ( أطفله ماتسَّگْط ) تزُور فقط ديار أخوالها وأعمامها بأمر من والدتها ولوقت قصير ، ويمنع عليها الحديث بصوت مرتفع وتبدأ في قراءة القرآن وهي لاتتعدى خمس سنوات ، ويرافقها بشكل لصيق كوب تضع لها والدتها اللبن فيه وتحثها على شربه بصفة مستمرة حتى تحافظ على صحتها ( مجتمع البيظان يُعاتب الأمهات على ضعف بنية البنات ) ، ويمنع عليها الجلوس وسط الخيمة ويُحبب لها ان تجلس بزاوية من زواياها بالقرب من والدتها ، ولها وقت كافي للعب وتحرص الفتاة على الاهتمام بِدُميتها التقليدية ” العظمة ” التي تصنعها لها أخواتها الاكبر من عظم الماعز وتُزينها ببقايا الاثواب وبعض التحسينات الاخرى حتى تصبح الدمية العروس الصغيرة .
بعد بلوغها سن العاشرة الى الحادية عشر تطلب الأم من والد الفتاة عند ذهابه للسوق بأن يوصي الصانع التقليدي بأن يصنع لها ( خلخالا ) تضعه الام في ساق الصبية حتى لاتسرع الخطوات وأن تثقل مشيتها ، وتوكل لإمرأة من الخدم بأمر تغذيتها الخاصة وتُسمى عملية ( لبلوحْ ) ويتسغرق أربعين يوماً تشرب فيها كميات كبيرة من لبن الإبل ( تحت التهديد ) وكميات من لبن الماعز ممزوجة بثلاثة أرباع من الماء ( أزريگْ) ويذبح لها إثنين من الجديان يصنع لها منهما ( سنْبَلْوَا ) وهي طبخ اللحم في الماء ، بعد ذلك ينزع منه العظم ويوضع عليها دهن الماعز ويدق بطريقة تقليدية وتتناوله الفتاة وإمرأة الخدم واقفة على رأسها .
تحرص الأمهات على أن يعلمن بناتهن الشعر وأخبار العرب وأن يرحبن بالضيوف ويُقدمن ماملكن هدايا لقريباتهن تودُدًا ، وأن يتعلمن الصبر ويُكرهُ لهن سرعة الغضب ، وأمور أخرى تبقى سراً تعرفها النساء فقط حتى يُصبحن سيداتُ بناتِ القبيلة علماً وأدباً وجمالاً وحتى أنوثة ، لتذهب لبيت زوجها قائدة تتحمل الكثير من صعاب الحياة وتعين بعلها على تحمل نوائب الزمن .
لاتنسى المرأة في مجتمع البيظان أنها أنثى وتحرص على إظهار زينتها لزوجها ، فتلبس ملحفة ( النيلة ) بعد إعداد شعرها على شكل ظفيرة مرصع بِلَخْرَابْ وآمجون وتضع في يديها حليّها التقليدي ( لَرْساق يعودو من سانغو ) وفي ساقها ( آخلاخل من معدن الفضة ) ، وتضع روائحها التقليدية ” لخميرة ” ( المصنوعة من القرنفل ، تارة ، عود أهرهار ، تيدگت وهي المسكة الحرة ) وأرشوش بعود لقماري وتضع في ” خْلاَلْ” الملحفة ” لحفايظ” وهي مصنوعة من العطور التقليدية الرفيعة ، رائحتها آسرة .
تتمتع النساء بالصحراء بقوة شخصية لامثيل لها بين قريناتهن في مجتمعات أخرى ، وتحرم العادات ضربهن لدرجة أن كل رجل تجرأ على زوجته بالضرب يصبح شائعاً يُضرب به المثل في المجتمع بقلة المروءة وإنعدام نخوة الرجال في جيناته ، وقد نجحن في تسيير الأعمال وإتقان عملهن في الكثير من المهن الحياتية ، وتحرص النسوة في رمضان على إعداد الكثير من الوجبات التقليدية للأسرة في الصحراء تتقدمها ” القلية” وهي كبد وذروة الإبل ، وبعد أن تُصلي ربة البيت العشاء والتراويح تجلس للسمر مع صديقاتها من الجيران واللعب معهن اللعبة الشعبية ” أسّيگْ ” وسط مرح يقطعه بعض المرات صوت إحداهن تتراشف كأس شاي فاخر المنظر والمذاق .