نشر بشراكة مع DW العربية
النساء الجذابات لهن بشرة بيضاء، كما تفيد الصورة المثالية التي يتبعها الكثير من النساء وليس نادرا في المناطق التي يعيش فيها غالبية من الناس ذوي البشرة الداكنة. “مستوى الجمال في مجتمعنا هو أن تكون أبيض البشرة”، كما تصف الناشطة خولة كسيكسي، مؤسِّسة تجمع “أصوات النساء السودوات التونسيات”Voices of black tunisian Women، مشاعر الكثيرات من النساء في بلدانهن بالقول: “النساء السودوات يقعن تحت الضغط لتسريح شعرهن والتخلي عن جعدات الشعر وتلميع بشرتهن ليقبلهن المجتمع”، حسب كسيكسي في لقاء مع مؤسسة تومسون رويترز.
وغالبا ما يتم تناقل هذه الصورة كنموذج داخل العائلات، مثلا عندما تنصح الأمهات بناتهن باستخدام مسحوق مبيض للبشرة. “إذا أرادت امرأة شابة الزواج، فيُتوقع أن تكون بيضاء البشرة”، كما تصف سوزان كيم أوتور من منصة #Defyhatenow في حوار لقناة الجزيرة القطرية، التوقعات السائدة في جنوب السودان. وتضيف قائلة: “وإذا ما تخلت عن المسحوق المبيض، فإنها ستلاحظ أن أصدقاءها يتحدثون عنها بسوء”.
عقب مقتل الأمريكي من أصل افريقي جورج فلويد نهاية مايو أيار الماضي، أصبحت الصورة الذاتية لدى النساء ذوات البشرة الداكنة تشكل أحد الموضوعات المطروحة بحدة للنقاش في العالم العربي الاسلامي. وفي سياق حركة “حياة السود مهمة”، طرح العديد من النشطاء في المنطقة أسئلة نقدية حول عنصرية عربية مسلمة.
وهذا النقاش يدور في الأثناء حتى في ألمانيا، “ففي بعض الأوساط من الجالية المسلمة هنا في البلاد يوجد على الأقل نقاش جدي حول أنواع من العنصرية الخاصة بهم”، كما يقول إرين غوفرتشين، صحفي ومؤلف وعضو”جمعية قصر الحمراء” Alhambra ev. التي نظمت مؤخرا نقاشا عبر الانترنت حول الموضوع.
“أسباب العنصرية ومعاداة السامية وأشكال أخرى من الكراهية هي في الغالب متشابهة”، كما يبرز غوفرتشين في حوار مع DW قائلا: “من خلال التقليل من أهمية الآخر وتجريده إنسانيته يُراد إظهار التفوق الذاتي”. وأي شخص يفكر ويتصرف بهذه الطريقة، ليس لديه بالضرورة شعور بالذنب.
ويضيف “بعض المسلمين يعتقدون أنه بإمكانهم كنس هذه المشاكل تحت السجّاد، بعبارات من قبيل المسلم لا يمكنه أن يكون عنصريا أو معاديا للسامية”، وبالتالي فان خطاب النقد الذاتي يبدو بالنسبة إليهم وكأنه خيانة لثقافتهم وتاريخهم.
العنصرية ـ أيضا مستورد استعماري
وهذا “الضمير المرتاح” الذي يشير إليه غوفرتشين يعود جزئيا، على الأقل، إلى التاريخ الاستعماري الأوروبي الذي بدأ مع غزو نابوليون لمصر في 1798. فخلال الفترة الاستعمارية خضع العرب لنواميس الاستعمار الأوروبي، تقول الفنانة البريطانية السودانية ريان النيال من مجلة SceneArabia الإلكترونية. وهذا التطلع لاكتساب عادات أجنبية له مفعوله حتى اليوم.
و”على هذا النحو يبدأ العرب في كراهية بشرتهم أو ثقافتهم الأصلية”، كما توضح الفنانة ريان النيال مكانيزمات هذا الوعي المعقد بالذات. وهذا له في الغالب تأثير على العلاقة بين ذوي البشرة الفاتحة والداكنة من العرب والمسلمين. وليس نادرا ما يشعر الأوائل بالتفوق، “نحن عصريون، لكن هؤلاء الناس ليسوا كذلك”، كما تشرح النيال وعي بعض الأشخاص من البيض في المنطقة. فأصحاب البشرة الداكنة أو المواطنون السود يتعرضون للازدراء من خلال أحكام نمطية متجذِّرة، وتُطلق أحيانا في اللغة اليومية الشائعة في البلدان العربية بعض النعوت مثل “عبد” أو “خادم”.
موروث تجارة العبيد
لكن هذا التصور له جذور عميقة في الزمن: فطوال قرون كانت جميع المجتمعات العربية تقريبا تمارس تجارة العبيد الذين جلبوهم من أفريقيا جنوبي الصحراء لبيعهم لتجار أوروبيين أو لإخضاعهم للعمل القسري. واٌستخدم العبيد في خدمة الحكام أو في الحروب.
“من سلالة إلى سلالة ومن قرن إلى آخر تحولت العبودية إلى واقع إسلامي”، كما كتب عالم الأنثروبولوجيا الجزائري مالك شبل في دراسته الكبيرة حول العبودية في العالم الاسلامي.
وتحدد التراتبية الهرمية – غير المصرح بها – للون البشرة علاقة مختلف المجموعات السكانية في أجزاء بالعالم العربي في الغالب حتى اليوم. في مصر مثلا غالبا ما يُعامل أعضاء من مجتمع النوبيين ذوي البشرة الداكن، كمواطنين من الدرجة الثانية. وفي الماضي تطور التحيز أيضا إزاء لون البشرة والانتماء الاجتماعي باعتبارهما مترابطين، كما تقول المؤرخة المصرية أمينة البنداري لمجلة Egyptian Streets الالكترونية، “كان يعني حينها أيضا أن البشرة الداكنة لها علاقة بالانتماء للطبقة العاملة أو الخدم”.
تجارب عنصرية متنوعة
وعلى غرار جميع المواقع في العالم تظهر العنصرية اليوم أيضا في العالم العربي في أشكال جد مختلفة. والمثال المأساوي هو استعباد المهاجرين الأفارقة من طرف عصابات إجرامية في ليبيا، لكن تحصل أيضا أعمال تمييز في الحياة اليومية العادية.
وقد اشتكت ناشطة تونسية مؤخرا في حوار مع موقع “قنطرة”بأن هذا يظهر مثلا في أوساط سائقي سيارات الأجرة الذين يرفضون الركاب السود أو في العائلات التي ترفض الزيجات المختلطة. وفي لبنان تخلى مواطنون ميسورون مؤخرا عن خادمات بيوت أثيوبيات في خضم الأزمة الاقتصادية ووباء كورونا، وتمَّ في الغالب بدون دفع رواتبهن.
وتحدثت الممثلة والمخرجة ذات البشرة الداكنة مريم أبو خالد في فيديو عبر إنستغرام عن تجاربها اليومية العنصرية كامرأة سوداء في مناطق الحكم الذاتي الفلسطينية. وفي الغالب لا تندس خلف ذلك أعمال عدوانية عنيفة، بل صورة نمطية عنصرية، كما تشرح مريم أبو خالد التي عايشت مثلا كيف أن الآباء في حضورها يحذرون الأطفال من أشعة الشمس حتى لا يصبحوا “مثل مريم”. وفي فيديو للمجموعة الساخرة Datteltäter يحكي مسلمون سود في ألمانيا عن أعمال تمييز، في ألمانيا عامة وداخل الجالية (المسلمة) نفسها.