خلت الأزمة المستفحلة بالمجلس الشعبي الوطني الجزائري، منعطفا خطيرا، تمثلت آخر فصوله في الانقلاب الحقيقي الذي يجري التحضير له، على رئيس الغرفة السفلى للبرلمان، سعيد بوحجة، حيث أقدم نواب متمردون على إغلاق البوابة الرئيسية للمجلس بقفل، ومنعوا رئيسه من الولوج إليه، قصد إرغامه على الاستقالة.
وأمام فشلهم في إجبار رئيس الغرفة السفلى للبرلمان على التنحي من منصبه، عمد نواب خمسة فرق برلمانية، تقودها جبهة التحرير الوطني، حزب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، والتجمع الوطني الديمقراطي، برئاسة الوزير الأول أحمد أويحيى، إلى إغلاق بوابة المجلس بقفل.
ووصفت المعارضة هذا العمل بأنه ‘غير حضاري’، و’غير قانوني’ و ‘غير شرعي’، بل إنها اعتبرت أنه من قبيل أعمال ‘البلطجة’، لكونه يشكل انزلاقا ‘خطيرا’، من شأنه أن يمتد، من الآن فصاعدا، إلى مختلف المجالس المنتخبة ومؤسسات الجمهورية.
وبالفعل، فقد أثار قرار أعضاء مكتب المجلس الشعبي الوطني الاجتماع، في بحر الأسبوع الماضي، للإعلان عن شغور رئاسة المجلس، ردود فعل العديد من أحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني، وخاصة التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، وحركة مجتمع السلم (حمس).
وقد كتب رئيس التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، محسن بلعباس، في هذا الصدد، على حسابه الخاص على الفيسبوك، أن ‘نوابا يتأهبون للقيام بانقلاب في المجلس تحت غطاء الإعلان عن شغور منصب رئيس المجلس. وإذا تم التسامح و الموافقة على ذلك، فإن هذا الانقلاب على رئيس المجلس الشعبي الوطنية من قبل أفراد خارجين عن القانون وبدون أي سلطة، سوف يمثل مرحلة جديدة من الانحراف السلطوي للمعسكر المسيطر داخل النظام’.
واعتبر، في هذا الصدد، أن ‘إغلاق بوابة المجلس الشعبي الوطني بقفل، هو بمثابة توجيه رسالة مفادها أن الفوضى هي السائدة في هذا البلد’، موضحا أنه بعبارة أخرى، يمكن لأي كان أن يغلق مقر ولاية، أو دائرة أو مجلس شعبي بلدي، بل وحتى مقر الرئاسة، بما أن نوابا دلوا على الطريق إلى ذلك.
وحمل بلعباس المسؤولية كاملة عن انزلاق من هذا القبيل لحزبي جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، معبرا عن سخطه لكون هؤلاء النواب انفسهم قاموا ب’إخراج’ موظفين بالمجلس الشعبي الوطني بالقوة، على مرأى ومسمع من قوات الأمن التي يفترض فيها التدخل لحماية المجلس، باعتباره إحدى مؤسسات الجمهورية.
ويشاطره الرأي عبد الرزاق مقري، رئيس حزب حركة مجتمع السلم، الذي كتب في حسابه الخاص على الفيسبوك، أن الجهود المبذولة من قبل الأحزاب والشخصيات السياسية في محاولة لتجنب ‘انهيار الدولة المريضة’، يتبين أنها غير كافية.
ودعا مقري الشعب الجزائري إلى تحمل مسؤوليته و’ألا يكتفي بموقف المتفرج حتى ينهار السقف على الجميع’.
ويرى زعيم حركة مجتمع السلم، أنه يحق لرئيس المجلس الشعبي الوطني، سعيد بوحجة، المطالبة بتدخل مصالح الأمن لحماية المؤسسة، معتبرا أنه يتعين على هؤلاء النواب الذين يخرقون الدستور ونظام المجلس، تحمل مسؤولية أفعالهم.
وفي السياق ذاته، استنكر الأخضر بن خلاف، رئيس الفريق البرلماني لتحالف العدل- البناء-النهضة، ‘العرقلة غير المقبولة لحرية العمل’، واصفا عملهم أيضا ب’غير الدستوري، وغير القانوني وغير الشرعي’. واتهم بن خلاف مناوئي بوحجة بتشجيع ‘قانون الغاب’ من خلال نقل المشاكل الداخلية لأحزابهم إلى المجلس.
وحذر من أن هذه السابقة قد تتسبب في عصيان مدني في الأيام المقبلة، قائلا إنه ‘من الآن فصاعدا سيكون من الصعب مطالبة المواطنين باحترام القانون ما دام أولئك الذين وضعوا وصوتوا على هذه القوانين يقومون بانتهاكها’.
من جانبه، ندد صادق سليماني، رئيس الفريق البرلماني لجبهة القوى الاشتراكية، ب’ضعف الحس الوطني’ لدى متزعمي التمرد على رئيس المجلس الشعبي الوطني، وب ‘الوضع الكارثي’ الذي يجعل من الصعب القيام بأي تحليل سياسي.
وبدوره، ندد رئيس الفريق البرلماني لحركة مجتمع السلم، أحمد صادوق، ب’المهزلة’ التي تتطلب تدخل من له الحق في ذلك من أجل انقاذ صورة البلد، وهي صورة قاتمة أصلا.
وعبر ملاحظون آخرون عن استيائهم إزاء قرار النواب المحتجين، الذين تعوزهم الحجج المقبولة في حربهم المفتوحة ضد شخص كان إلى وقت قريب واحدا منهم، باللجوء إلى العنف الجسدي لحمل رئيس المجلس الشعبي الوطني على الاستسلام.
فبعد قيام هؤلاء النواب بإغلاق البوابة الرئيسية لمقر المجلس، عقدوا اجتماعا لاتخاذ قرار بشأن الخطوات المقبلة، وأصدروا عقب الاجتماع بيانا يعكس ارتباكهم أكثر مما يعكس عزمهم.
وقالوا في البيان إنه ‘أمام الوضع السائد بالمجلس الشعبي الوطني، وبالنظر إلى خرق القانون الداخلي وعلى إثر رفع الغطاء السياسي عن السيد بوحجة الذي ينتمي لفريق جبهة التحرير الوطني، ندعو مكتب المجلس إلى اتخاذ الإجراءات الضرورية’.
هذه المواجهة بين الأطراف الفاعلة في النظام، لا تعكس فقط تفكك المؤسسات بالجزائر، بل إنها تسلط الضوء أيضا على المستوى الذي وصلت إليه ممارسة السياسة وتحمل المسؤولية، وهو أمر لا يدعو إلى الاستغراب إزاء ما يجري حاليا في قصر زيغود يوسف، ما دام العنف متأصلا في النظام السياسي الجزائري.