منذ ما يزيد عن العقدين من الزمن، تحولت التجربة المغربية في مجال التصدي للخطر الإرهابي إلى نموذج يحتذى به عبر العالم، تتقاطر عليه أقوى أجهزة الأمن عبر العالم لطلب خبرته وتعاونه.
استراتيجية المملكة في هذا المجال تقوم على محاور متعددة، على رأسها قوة أجهزته الاستخباراتية التي ساهمت في التصدي لعدد من المخططات ليس فقط داخل المملكة، بل على صعيد دول صديقة وشقيقة بفضل تعاون أمني منقطع النظير.
في هذه الحلقات، تسلط جريدة “24 ساعة” الضوء على أحداث وقضايا، استطاعت الأجهزة الأمنية المغربية أن تتصدى لها باحترافية كبيرة، وتثبت نجاعتها وفعاليتها كفاعل أساسي في حماية أمن وطمأنينة الوطن والمواطنين.
الحلقة السابعة:
بعد سلسلة جرائم القتل والنهب والسلب التي ارتكبتها الخلايا الارهابية من الصرط المستقيم والهجرة والتكفير والسلفية الجهادية، استهدفت العاصمة الاقتصادية بعمليات تفجيرية عنيفة أزهقت الأرواح وخلفت جرحى و معطوبين. كما خربت الممتلكات، وكانت بذلك أعنف هجوم ارهابي تتعرض له المملكة.
ففي مساء يوم الجمعة 16 ماي من سنة 2003، خرجت كتيبة من أربعة عشر (14) انتحاريا يحملون احزمة ناسفة تتراوح أعمارهم ما بين سن (20) و (24) سنة، من حي سيدي مومن الصفيحي. وتنقلوا في مجموعات نحو قلب العاصمة الاقتصادية. وتوجه كل ثنائي منهم الى موقع من المواقع الخمسة المستهدفة وهي مطعم سياحي وفندق وقنصلية بلجيكا إضافة إلى مقبرة يهودية التي اعتقدوا أن وجود أجانب أو مواطنين من الطائفة اليهودية بها.
قتل في تلك الهجمات المتزامنة بالأحزمة الناسفة 45 شخصا، من بينهم 12 انتحاريًا، وأصيب أكثر من 100 آخرين. وكان الاعتداء الذي استهدف مطعم إسبانيا “Casa de España”: أشد عنفًا، حيث قتل 20 شخصًا من زبائنه. كما أصيب بشظايا المتفجرات عدد من العاملين به، تسببت في عاهات مستديمة لكثير منهم، فيما قتل في الاعتداء الذي استهدف فندق فرح بواب وحامل أمتعة، وقتل وقتل ثلاثة أشخاص في المقبرة اليهودية. فيما لم يصب أي شخص المركز الاجتماعي اليهودي لأنه كان مغلقًا وقت الهجوم, بينما قتل عنصري أمن مغربي في الهجوم الذي استهدف مطعم إيطاليا بالقرب من القنصلية البلجيكية.
وعموما كانت حصية الاعتداءات مقتل منفذي التفجيرات الإثني عشر (12), والى جانبهم 31 مدنيا ورجلي شرطة معظمهم مغاربة من بينهم 8 أوروبيين (بينهم 3 أسبان)، في حين أُعتقل 2 من المهاجمين قبل أن يقوموا بهجماتهم، كما جُرح ما يزيد عن 100 شخص
كانت تلك أول مرة يقف فيها البيضاويون ومعهم المغاربة على حقيقة الارهاب الدموي، خاصة بعد ان رأوا بأم أعينهم بشاعة التفجيرات وما خلفته من أشلاء بشرية تناثرت في كل مكان بالمواقع المستهدفة. وكانت ليلة عصيبة جندت فيها اعداد من سيارات إسعاف لنقل الضحايا إلى المستعجلات، كما تم ايفاد تعزيزات أمنية من مختلف التشكيلات الى مسرح الجريمة لحماية المدينة من تفجيرات محتملة، والشروع في جمع الأدلة لفائدة التحقيقات.
بعد يوم الجمعة الأسود كما وصف اعلاميا، شنت المصالح الأمنية سلسلة اعتقالات وصلت الى أكثر من 3 آلاف شخص، بعد ان نجحت المصالح الأمنية في فك ألغاز الاعتداءات الارهابية في وقت قياسي، و كشفت الكثير من الخيوط التي حيكت من طرف جهات داخلية وخارجية ضد أمن البلاد ولم تتردد السلطات المغربية في توجيه أصابع الاتهام مباشرة إلى خلايا إرهابية تدين بالولاء لتنظيم القاعدة.
فقد تزامنت اعتداءات الدار البيضاء مع تصاعد التهديدات الارهابية في مختلف بلدان المعمور بالقارات الخمس، حيث بلغ عدد الاعتداءات حوالي أربعين هجوما وذهب ضحيتها حوالي 900 قتيل وأكثر من 4200 جريح من دول مثل روسيا والهند وإندونيسيا وباكستان والعراق والسعودية وصربيا وتركيا، وطبعا الدار البيضاء, حسب ما أورده المصطفى الرزرازي في حوار سابق مع موقع هسبريس.
كما أن أحداث البيضاء الارهابية، جاءت أيضا ضمن أجواء متوترة دوليا تجسدت في غزو العراق في 19 مارس 2003 من طرف قوات التحالف الدولي، ثم انتهت المرحلة المبكرة من هذه الحرب التي كان يسميها الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش “العمليات القتالية الكبرى”، رسميا، في الأول من شهر ماي 2003، أي قبل حوالي أسبوعين من أحداث الدار البيضاء، حسب المصدر ذاته. كما جاءت بعد أربعة ايام فقط من الهجمات بالتي استهدفن مجمعا سكنيا بالعاصمة السعودية الرياض يقطنه أجانب .
بعد الانتهاء من التحقيقات التي كشفت هول المخططات الارهابية التي كانت تعد لاستهداف أمن واستقرار المملكة أحيل المتهمون الى القضاء لمحاكمتهم. وصدرت في حق ما يناهز ألف منهم احكاما متباينة، منها 17 حكما بالإعدام من بينهم اثنين من الانتحاريين.
والمثير أنه في أبريل من سنة 2008 هرب 9 متهمين بضلوعهم في هجمات الدار البيضاء من السجن المركزي بالقنيطرة الذي يقضون فيه عقوبتهم وذلك بحفرهم نفقا الي خارج السجن بعد صلاة الفجر، أحدهم حكم عليه بالإعدام و 6 منهم حكم عليهم بالسجن المؤبد و 2 بعقوبة عشرين عاما.