الدار البيضاء-أسماء خيندوف
حدد الملك محمد السادس بعبارات واضحة خلال الذكرى التاسعة والستين لثورة الملك والشعب معالم السياسة الخارجية المغربية، حيث قال: “إن ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات”، أسست هذه الكلمات رؤية جديدة في علاقات المملكة الدولية.
منذ ذلك الخطاب التاريخي، باتت رسالة المغرب للعالم واضحة، احترام سيادة المملكة على كامل أراضيها، هو الشرط الأساسي لبناء شراكات استراتيجية مع المغرب. وقد استوعبت دول كبرى مثل أمريكا، اسبانيا، وفرنسا هذه الرسالة. كما أدركت أن الصحراء المغربية هي البوابة التي لا يمكن تجاوزها للتعاون مع المغرب.
تسلسل المواقف و تراجعها
نجح المغرب في كسب دعم العديد من الدول المؤثرة دولية، كالولايات المتحدة الأمريكية، اسبانيا و فرنسا، فضلا عن مواقف داعمة من الدول العربية و الإفريقية. هذه الدينامية تعكس استراتيجية دبلوماسية ذكية و مثمرة تعمل على توسيع دائرة الإعتراف الدولي بمغربية الصحراء.
وفي تصريح ل “24ساعة” أكد المحلل السياسي تاج الدين الحسيني على أن فرنسا كانت أول من رحبوا بفكرة الحكم الذاتي، عندما طرحها المغرب سنة 2007، و ترحيبهم هذا ظهر واضحا في مجلس الأمن. لكن بعد الإعتراف الرسمي للولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على الصحراء سنة 2020، ظنت المملكة أن فرنسا ستكون سباقة لاتخاذ نفس الموقف بحكم علاقاتها الجد عميقة مع المغرب. لكنها مع الأسف بدأت تتعامل بشكل متقلب متجهة باقامة علاقات جديدة مع الجزائر.
وأشار الحسيني على أن نفس الشيء حصل مع ألمانيا حيث أن بعد اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على الصحراء بادرت نيابة عن باقي الدول الاوروبية بتقديم طلب إلى مجلس الأمن ليعقد اجتماعا استثنائيا للبث في اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية. مشيرا إلى أن هذا الطلب تم قبوله بالرفض ومن تم فهم المغرب على أن ألمانيا بدأت تأخذ موقفا عدائية اتجاه المغرب.
وأوضح المختص على أن نفس الشيء حص مع إسبانيا حين بدأت تستقبل بعض مسؤولي جبهة البوليساريو والعناية بهم. مؤكدا على أن موقف المغرب الصارم حول أولوية قضية وحدته الترابية إنعكس على تراجع الدول في موقفها بداية بألمانيا و إسبانيا وفرنسا.
واعتبر المتخصص أن قرار فرنسا هو الضربة القاضية لخصوم الوحدة الترابية، إذ أنها لم تكتفي بالتراجع على موقفها السابق بل أن موقفها جاء منافسا للموقف الأمريكي بشكل قوي، حيث أنه صدر عن رئيس الدولة الذي أكد على ان فرنسا ستتعاون مع المغرب و ستواكبه في كل المشاريع الإقتصادية الكبرى التي سيعرفها إقليم الصحراء.
المواقف الإيجابية تؤكد انتصار القضية
تتزايد الإعترافات الدولية بمغربية الصحراء و تأييد مبادرة الحكم الذاتي كحل واقعي و عملي للنزاع المستمر منذ عقود، هذه التحولات في المواقف اللافتة تبين إمكانية اصطفاف الدول التي مازالت مترددة في الاعتراف بهذه الحقيقة التاريخية التي تجعل الصحراء المغربية جزءا لا يتجزأ من تراب المملكة المغربية.
وقال الحسيني أن المغرب ذهب بعيدا في دعم سياسته الخارجية ودبلوماسيته عن طريق بعده الاقتصادي وتعامله العميق مع الدول الكبرى كالصين و بريطانيا. مشيرا إلى الشراكة المعمقة التي وقعها المغرب مع الصين، وهي أول شراكة وقعتها الصين مع دولة افريقية.
وأورد على أن اتفاقية الحزام و الطريق التي عوضت طريق الحرير تعظ مظهر التعاون الصيني مع العالم خاصة أنها تريد أن تكون حاضرة في إفريقيا. مؤكدا على أنها في حاجة إلى منصة استراتيجية للانطلاق عبر القارة، سواء على المستوى اللوجستيكي، الطاقي و إلى غيرها من المجالات.
و أشار المحلل إلى الشراكات الموقعة بين الصين و المغرب خاصة في صناعة بطاريات الكهربائية قد تمهد الطريق لاعتراف الصين بمغربية الصحراء خاصة و أنها هي معنية بقضية الوحدة الترابية كمثال هونكونغ او التايوان.
كما اعتقد الحسيني على أن الصين مرشحة للاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه في المستقبل.
أما بالنسبة لبريطانيا فقد أكد المحلل السياسي على أن بعد مغادرتها للاتحاد الاوروبي فهي بحاجة تعاون مهم مع بلدان أخرى و على رأسها المغرب مشيرا إلى أن هذا التعاون يسر بقوة على كل المستويات خاصة وأن بريطانيا في حاجة إلى نقل الكهرباء و الطاقة المتجددة من الأراضي الصحراوية إلى ترابها.
و اختتم حديثه على أن بريطانيا تنضم إلى لائحة الدول التي قد تعترف مستقبلا بمغربية الصحراء.
وأصبح من الواضح أن على جميع الدول، بما فيها بريطانيا والصين، أن تدرك أن الصحراء المغربية هي المفتاح الأساسي لإقامة شراكات استراتيجية مع المملكة. و أن المغرب لن يشارك في أي محادثات إلا مع من يعترف بقيمته ويحترم سيادته على كامل أراضيه. كما أن مفتاح الاستقرار في المنطقة المغاربية يكمن في يد المغرب، وهو ما يجب أن يعيه الجميع.