الرباط-عبد الحق صبري
لازالت المطالبة بتفعيل قانون الحق في الحصول على المعلومة تحظى بالأولوية لدى الأوساط الجمعوية والإعلامية بالمغرب، في ظل بطء التجاوب مع الطلبات، وضعف الإقبال على استغلال الامتياز القانوني من طرف المواطنين بحسب ما تؤكده تقارير ودراسات في هذا السياق، خاصة بوجود فئات واسعة من المواطنين تجد صعوبة بالغة في الاستفادة من هذا القانون، ولعل أبرزها الأشخاص في وضعية إعاقة.
وفي هذا السياق اعتبر عبدالله الطاهري، باحث حقوقي يعاني من الفقدان الكامل للبصر في لقاء مع “24ساعة”، أن القانون لا يميز بين فئة الأشخاص المكفوفين وباقي المواطنين في المساطر. بل خصوصية هذه الفئة في علاقتها بتنزيل القانون تظهر في المعلومة التي تقدمها الإدارات حيث من المفترض أن تراعي وضعيتهم وتوفرها بما يضمن ولوجهم الكامل لهذه المعلومة عن طريق تنسيقات ووسائط تتماشى مع احتياجاتهم واعتماد “لغة برايل” مثلا.
صعوبة الولوج
ومع تزايد الإقبال على استعمال التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي عرف تداول المعلومات انتشارا أكبر خاصة مع تنامي رغبة المواطنين في مراقبة ومساءلة أداء المؤسسات العمومية مما زاد الحاجة إلى قانون يؤطر حق الحصول على المعلومات. وهو ما جاء به قانون 31.13 حيث يضمن لكافة المواطنين والمواطنات الحق في الحصول على المعلومات الموجودة في حوزة الإدارات العمومية، والمؤسسات المنتخبة، والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام.
لكن ومنذ 2020 سنة دخول القانون حيز التنفيذ لا زال المواطنون والمواطنات يعانون من عوائق للحصول على المعلومات. وحسب ما أفاد به الباحث في القانون فاروق مهداوي فإن من المؤكد أن هذا القانون سيظل حبرا على ورق ما لم يتم تعديله بما يلزم الإدارات والمؤسسات باحترام هذا الحق والسهر على تنفيذه.
ويقول ابراهيم وهو طالب كفيف في سلك الماستر، أنه تفعيلا لإحدى الدورات التدريبية التي شارك فيها حول الحق في الحصول على المعلومة، حاول الحصول بعض المعلومات من إحدى الإدارات المحلية من أجل تضمينها في البحث الأكاديمي الذي ينجزه، لكن وجد صعوبة بالغة في طريقة الوصول إلى هذه المعلومات أو كيفية التقدم بهذا الطلب.
ويضيف إبراهيم في مقابلة مع 24ساعة أنه على الجهات المعنية بهذا القانون أن تراعي هذا النقص فعلى غرار ما يحدث في الدول المتقدمة فإن الإدارات العمومية توفر دعما خاصا للأشخاص في وضعية إعاقة لتمكينهم من الوصول إلى المرافق الضرورية وكذلك ضمان وصولهم إلى المعلومات، كاستخدام لافتات واضحة يمكن قراءتها بطريقة برايل وكذلك تدريب الموظفين على إتقان لغة الإشارة بالنسبة للصم البكم وما إلى ذلك من الحقوق الأساسية للأشخاص في وضعية إعاقة، يضيف المتحدث.
الموقف ذاته يؤكده شكيب سبايبي المدير التنفيذي لجمعية رواد التغيير للتنمية والثقافة، حيث أشار في حديثه مع “24ساعة” أن مشكل الولوجيات هو أكبرعائق يواجه الأشخاص في وضعية إعاقة من الوصول إلى المعلومات أو التقدم بطلب الحصول عليها، وقدم سبايبي مثالا عن جماعة وجدة، حيث يوجد مكتب المكلف بالإيجابة عن طلبات الحصول على المعلومة، في الطابق الثاني بالجماعة، مشيرا إلى أن الجماعة لا تتوفر على مصاعد مما يعتبر عائقا للوصول إليه بالنسبة للأشخاص في وضعية إعاقة.
قبل أن يجدد سبايبي التأكيد على ضرورة توفير علامات التشوير التي تشير إلى مكان وجود المكتب الخاص بتلقي طلبات الحصول على المعلومات لأن فئات واسعة لا تعلم بوجود هذه الخدمة، وهو الأمر الذي يجب أن تستدركه المؤسسات العمومية المعنية بهذا القانون.
التدريب
وبحسب المادة 12 من القانون 31.13 فإنه “على كل مؤسسة أو هيئة معنية أن تعين شخصا أو أشخاصا مكلفين ، تعهد إليهم بمهمة تلقي طلبات الحصول على المعلومات ودراستها وتقديم المعلومات المطلوبة ، وكذا المساعدة اللازمة ، عند الاقتضاء ، لطالب المعلومات في إعداد طلبه. “يجب على هذه المؤسسة أو الهيئة أن تضع رهن إشارة كل شخص مكلف قاعدة للمعلومات الموجودة في حوزتها قصد تمكينه من القيام بمهامه وفقا لهذا القانون”.
ولم تشير المادة 12 إلى ضرورة تدريب الأشخاص المعنيين بالإجابة عن طلبات الحق في الحصول على المعلومة على التواصل بلغة الإشارة في حال توصلوا بطلبات من أشخاص لا يتقنون التواصل إلا بهذه اللغة.
حيث تؤكد المادة 9 من الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي يعتبر المغرب من البلدان الموقعة عليها، أنه لتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة من العيش في استقلالية والمشاركة بشكل كامل في جميع جوانب الحياة، تتخذ الدول الأطراف التدابير المناسبة التي تكفل إمكانية وصول الأشخاص ذوي الإعاقة، على قدم المساواة مع غيرهم، إلى البيئة المادية المحيطة ووسائل النقل والمعلومات والاتصالات، بما في ذلك تكنولوجيات ونظم المعلومات والاتصال، والمرافق والخدمات الأخرى المتاحة لعامة الجمهور أو المقدمة إليه، في المناطق الحضرية والريفية على السواء. وهذه التدابير، التي يجب أن تشمل تحديد العقبات والمعوقات أمام إمكانية الوصول وإزالتها.
كما تؤكد المادة ذاتها على توفير التدريب للجهات المعنية بشأن المسائل المتعلقة بإمكانية الوصول التي تواجه الأشخاص ذوي الإعاقة، بالإضافة إلى شجيع أشكال المساعدة والدعم الأخرى للأشخاص ذوي الإعاقة لضمان حصولهم على المعلومات؛ وتشجيع إمكانية وصول الأشخاص ذوي الإعاقة إلى تكنولوجيات ونظم المعلومات والاتصال الجديدة، بما فيها شبكة الإنترنت.
وفي هذا السياق يقول محمد معاش، طالب باحث في سلك الدكتوراه في تصريحه لـ “24ساعة”، أنه من المستجدات التي جاء بها الدستور المغربي لسنة 2011 تنصيص الفصل 27 منه على الحق في الحصول على المعلومة واستخدام عبارة “للمواطنين والمواطنات حق الحصول على المعلومات، الموجودة في حوزة الإدارة العمومية، والمؤسسات المنتخبة، والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام.”
قبل أن يضيف بالقول: ” وهو ما يفيد أن الحق في الحصول على المعلومات مكفول لكل المواطنين والمواطنات. وكما نعلم فإن ليس جميع المواطنين والمواطنات على نفس الخصوصية خاصة وأن هناك ذوي الإعاقة الذين يحتاجون إلى تعامل استثنائي من أجل تمكينهم من ممارسة حقهم، وهو ما يتعين على السلطات الحكومية أن تراعي خصوصية هذه الفئة سواء على مستوى النشر الاستباقي أو على مستوى تقديم الطلب أو حتى على مستوى تقديم المعلومة، ومن أجل التوضيح أكثر فمثلا المواطن الكفيف لا يمكنه ولوج البوابة الإلكترونية أو ملء الاستثمارة، كما أنه لا يستطيع الإطلاع على الوثائق والمستندات المكتوبة بالطريقة العادية وهو ما يستدعي أخذ بعين الاعتبار خصوصية هذه الفئة وتسهيل ممارستها لحقها الدستوري في الحصول على المعلومات”.
العوائق
وبحسب تقرير لمركز كارنيغي للسلام الدولي فإن أبرز عائق يواجه التنفيذ الناجع للقانون الخاص بالحق في الحصول على المعلومات بالمغرب، يتمثل في عدم توافر القدر الكافي من الموارد المالية والرأسمال البشري المؤهَّل. ولكن تغيير الثقافة المجتمعية والمؤسسية هو التحدي الحقيقي في الممارسة. يفرض القانون على الجماعات الترابية المغربية (الجهات والبلديات) تعيين موظفين مسؤولين عن المعلومات مكلّفين الاستجابة لطلبات المواطنين.
كما يؤكد فاروق مهداوي الباحث في القانون، أنه “لا يمكن أن نقول بأن الأشخاص من ذوي الإعاقة يتعرضون لظلم في ممارسة حق الوصول على المعلومة، بل يمكن القول وبناء على تجارب أن كل المواطنات والمواطنين تعترضهم الكثير من العوائق من أجل الحصول على معلومات. وهذا راجع بالأساس إلى الثقافة السلطوية التي تجذرت في أوساط الإدارات العمومية، التي لا تعتبر نفسها في خدمة المواطن، بل تنصب ذاتها كسلطة رقابة على المواطن، وبهذا التموقع تكون دائما أعمالها – وخصوصا في ما يتعلق بالحصول على المعلومات – سلبية”.
وبحسب دراسة أجرتها جمعية سمسم مشاركة مواطنة، فإن القانون لازالت تعتريه مجموعة من النواقص، ولعل أبرزها بطء التجاوب مع الطلبات وهو الأمر الذي يؤكده التقرير السنوي للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، بالإضافة إلى الدراسة وقفت كذلك على عدم تفاعل اللجنة المعنية بالحق في الحصول على المعلومة مع الشكايات التي تردها.
حلول مقترحة
بحسب ما يجمع عليه مختلف المتدخلين فإن أبرز تحد يواجه التطبيق الناجع لهذا القانون هو جهل فئات واسعة من المواطنين إن لم نقل الغالبية العظمى بوجوده، إلى جانب العديد من الإدارات العمومية كذلك لم تفهم بعد كيفية التعامل مع الطلبات المقدمة لها، ولذلك فإن مختلف الجهات المعنية مطالبة ببذل مجهود كبير للتوعية بوجود القانون والتوعية بأهمية ممارسة هذا الحق من طرف المواطنين من أجل تكريس الديمقراطية وتعزيزها داخل مختلف المؤسسات العمومية.
بالإضافة إلى تخصيص يوم وطني خاص بالحق في الحصول على المعلومة وتشجيع الأشخاص في وضعية إعاقة للتقديم بطلبات الحصول على المعلومة على الصعيد الوطني.
ومن بين الأمثلة البارزة التي نالت إعجاب العديد من ساكنة وجدة والمنتخبين، هو تنظيم جمعية رواد التغيير لخيمة تحسيسية حول القانون 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات، بالساحة المقابلة لجماعة وجدة،
وعمل أعضاء الجمعية ومتطوعوها، ممن سبق لهم و خضعوا للتكوين في قانون الحصول على المعلومات، طوال اليوم على تقديم التوضيحات والمعطيات اللازمة للمواطنين الذين حجوا إلى الخيمة للتعرف على هذا القانون. وقد تبين للجمعية من خلال التواصل المباشر مع المواطنين، أن أغلبهم غير مدرك لوجود هذا القانون الذي دخل حيز التنفيذ منذ نحو 4 سنوات بحسب بلاغ للجمعية.
كما أكد مديرها التنفيذي شكيب سبايبي أن الخيمة كانت فرصة أيضا للعديد من المنتخبين بجماعة وجدة وجدة ومجلس العمالة، للإطلاع على عمل الجمعية، و أيضا التفاصيل المهمة التي جاء بها هذا القانون والتي تهم بشكل مباشر الجماعات الترابية.