عبد الرحيم زياد _ 24 ساعة
يتواصل الجفاء الدبلوماسي بين الرباط والسفارة الألمانية، بعد قرار المملكة تعليق الاتصالات مع التمثيلية الدبلوماسية لبرلين في المملكة. قرار وإن كان لم تصدر بشأنه أي معطيات تفصيلية حول خلفياته، إلا أن تحليل خبراء مغاربة لحقيقة القرار يحمل في طياته بعض الأجوبة التي تساعد على الفهم.
يوسف شهاب، واحد من الخبراء المغاربة وأستاذ العلوم الجيواستراتيجية والتنمية الدولية بجامعة السوربون ومدير الأبحاث في مجموعة “س ف2ر”، يقدم رؤية مختلفة لكواليس هذا القرار، ويعتبر أن تعليق العلاقات الديبلوماعبد الرحيم زياد _ 24 ساعةسية مع السفارة الألمانية من طرف المغرب، يعبر عن قضايا تتجاوز العلاقات الألمانية المعلن أو غير المعلن عنها.
وهذه بعض التصورات الجيوستراتيجية التي تداولتها بعض الهيئات الفرنسية للإستشراف منذ 3سنوات، والتي مفادها أن ألمانيا بدأت في التفكير في إحياء أمجادها وهيمنتها في أوربا إلى نهاية منتصف القرن العشرين، حيث تمت هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، وتقسيمها إلى دولتين، مع تواجد القوات العسكرية الأمريكية البريطانية والفرنسية، ومنعها من صناعة التسليح، وتنظيم جيش لحماية سيادتها.
وبسقوط حائط برلين ونهاية الحرب الباردة، استطاعت فرض هيمنتها الاقتصادية على المستوى الأوروبي، وبدأت ألمانيا مع المستشارة انجيلا ميركل تفكر في استرجاع سيادتها وهيمنتها في القارة الأروبية، لتصبح اليوم رابع قوة اقتصادية في العالم و اول قوة في القارة الأوربية.
ويرى شهاب أن ألمانيا استفادت من الربيع العربي والأزمة النووية الإيرانية والحرب الأهلية الليبية لبلورة إستراتيجية جديدة يمكن تسميتها بالهيمنة الصامتة، وذلك انطلاقا من عدد من المعطيات.
واعتبر الخبير المغربي أنه وأخيرا وبعد أن تمكن المغرب في قطع خطوات كبيرة في بناء صناعات الطاقات المتجددة من شمسية بمشروع نور، أدركت ألمانيا، والتي توجد في عقدتها فكرة الخروج من الطاقة من أصل البترول أو المحروقات، أن الصحراء الجزائرية بإمكانها إنتاج طاقات شمسية كبيرة وبأن لألمانيا خبرة في هذا المجال، وبالتالي فهناك احتمال تعاون جزائري ألماني في هذا المجال، المتعلق بالطاقات المتجددة، او الطاقات الشمسية.
وكخلاصة لكل ما ذكر في هذه المقاربة، يجب على المغرب أن يستمر في هذا الصراع السيكولوجي مع ألمانيا لترتيب أوراقها في علاقاتها مع المغرب على 3 ملفات. أولا، إذا كانت لألمانيا نوايا توسعية في إفريقيا فذلك شأنها لكن لا ينبغي أن يكون على حساب قضية الوحدة الترابية ثانيا، فالمغرب له علاقات جيدة مع ألمانيا، لكنه اختار تعدد الشراكات، و بالتالي فيمكنه الاستغناء عن الشراكة الألمانية إذا تعقدت الأمور، ونقل هذه الامتيازات إلى شركات أمريكية أو صينية أو تركية أو إسرائيلية أو دول أخرى.
وأكد شهاب أنه يجب على المغرب التنسيق بالسر وبكل هدوء مع الحليف التاريخي للمغرب بأوربا وهي فرنسا، وتنبيهها لهذه المناورات الألمانية التي تريد عن طريق الضغط، أن تحصل على هوامش فرنسا الإستراتيجية وأن تأخذ حصص كبيرة من خيرات القارة الإفريقية. كما يجب على المغرب وضع خطة دبلوماسية مع ألمانيا مبنية على مبدأ المصالح، رابح رابح والخروج من دبلوماسية المواقف، التي لن تؤثر على المغرب في مساره، سواء كانت ألمانيا تريد التنسيق مع مع الجزائر أو الدخول إليها، فهذا يعنيها ولكن يجب أن تعرف شيئا واحدا هو أن المغرب لم يعد تلميذ لأوروبا ولم يعد يقبل لأي قوة كيفما كان حجمها التدخل في سيادته وفي قراراته السيادية.
وناشد يوسف شهاب وزير الخارجية ناصر بوريطة أن يتخذ قرارات صارمة لمراقبة كل التحركات الألمانية داخل التراب المغربي، “لأنه وكما قلت سابقا، كل دولة اختارت طريقا لاختراق القارة الإفريقية ، ففرنسا لها شبكاتها ولوبياتها ونفوذها ورشاويها في القارة السمراء، أما المانيا فتعتمد ديبلوماسية المنظمات الغير الحكومية والمنظمات الإنسانية والتنمية البشرية، ليس حبا في المغرب ولكن لغاية في نفس يعقوب هي ديبلوماسية خفية مزدوجة وبالتالي يجب على المغرب ان يعمل ما في وسعه لمراقبة تحركات بعض الخبراء وبعض المتخصصين المغاربة الذين يسترزقون مع ألمانيا على حساب الأمن القومي المغربي”.
ويرى يوسف شهاب أن ألمانيا تريد من هذا الصخب الإعلامي وهذه المواقف المعادية للمغرب وتدخلها في كل من ليبيا والكاميرون ودورها اللامسؤول في الملف النووي، أن توجه رسالة واضحة إلى كل من أمريكا وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين على أنها تريد الولوج إلى العضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي وهذا هو التحرك الجديد أو الهدف الإستراتيجي الأكبر في سياسة ألمانيا وبالتالي فهي تعتمد على ذلك في الدخول في صراعات وفي مناطق وبؤر التوترات الإقليمية، خاصة في افريقيا على وجه الخصوص كي تصبح عضوا فاعلا في صناعة القرار السياسي او الاستراتيجي أو العسكري في هذه المناطق.