24 ساعة-متابعة
انخرط المغرب بقوة في برنامج تحلية مياه البحر الذي يعد خيارا استراتيجيا تسلكه العديد من الدول لتأمين حاجياتها من الماء الصالح للشرب والري وحتى الصناعات المتقدمة، كحل مستدام لمواجهة الإجهاد المائي وتلبية الطلب المتزايد على هذه المادة الحيوية.
وفي هذا السياق، قال الدكتور جواد الخراز، مدير شبكة خبراء المياه والطاقة والغذاء ونائب رئيس سفارة المياه في فرنسا، إن تحلية مياه البحر أصبحت حلا استراتيجيا في العديد من الدول التي تعاني من شح المياه، والعالم اليوم ينتج أكثر من 100 مليون متر مكعب يوميا من المياه المحلاة، نصفها في منطقة الصحراء العربية، لاسيما في المملكة العربية السعودية التي تعد من أكبر المنتجين.
وأوضح الخراز في تصريحه لـ”24 ساعة”، أن المغرب تبنى هذا التوجه بشكل كبير، حيث سينتقل من إنتاج 277 مليون متر مكعب سنويا إلى حوالي 1.7 مليار متر مكعب في أفق سنة 2030، وقد يصل إلى 2.3 مليار متر مكعب في أفق 2040، ما يستدعي بناء نحو 17 محطة تحلية جديدة لتلبية الطلب المتزايد على المياه، سواء لأغراض الشرب أو الزراعة أو لإنتاج الهيدروجين والأمونيا الخضراء.
وكشف المتحدث ذاته، أن محطات ضخمة سترى النور مستقبلا، منها محطة الدار البيضاء، بالإضافة إلى مشاريع أخرى في مناطق الصحراء وشمال المغرب وطنجة والرباط.
وأفاد الخراز كذلك أن تقنية التحلية، مثلها مثل باقي التكنولوجيات، لها إيجابيات وتحديات، مشددا على أن الكلفة كانت من أبرز العقبات، لكنها أصبحت اليوم أكثر تنافسية بفضل التطور التكنولوجي، خصوصا في مجال كفاءة استخدام الطاقة، حيث أن تقنية التناضح العكسي تستهلك حاليا حوالي ثلاثة كيلو واط لكل متر مكعب.
كما أن التأثير البيئي لتحلية المياه حسب الخبير في المياه والطاقة والغذاء، يبقى تحديا قائما، لاسيما فيما يتعلق بطرح المياه المرتجعة ذات التركيز العالي من الأملاح والمواد الكيميائية، والتي قد تضر بالحياة البحرية أو تلوث المياه الجوفية في حال عدم معالجتها بالشكل المطلوب.
وفي سياق متصل، أكد الخراز على ضرورة إعداد ترسانة قانونية تمنع طرح المياه المرتجعة في البحر أو في باطن الأرض دون معالجة، داعيا إلى إلزام شركات التحلية بالتخلص من المواد الضارة قبل التخلص من هذه المياه.
كما شدد على أهمية احترام الشروط التقنية المرتبطة بالأنابيب المستخدمة لطرح المياه المرتجعة، مثل العمق والمسافة، واستعمال المشتتات لتفادي تركز الملوحة في نقطة معينة. وأوصى بإجراء دراسات الأثر البيئي والاجتماعي قبل إنشاء المحطات، واختيار مواقع لا تضر بالصيادين أو البيئة البحرية، مع مراعاة التيارات البحرية التي تسهم في تشتيت المياه المرتجعة.
وبخصوص التأثير غير المباشر لتحلية المياه على صحة الإنسان، أبرز الخراز أن المياه المحلاة تكون نقية وتفتقر إلى المعادن الأساسية التي يحتاجها الجسم كالصوديوم والمغنيسيوم والكالسيوم والبوتاسيوم، ما قد يؤدي على المدى البعيد إلى أضرار صحية في حال استهلاكها دون إضافة هذه العناصر، موضحا أن شركات المياه المعبأة تلجأ عادة إلى “المعالجة النهائية” بعد التحلية، لإعادة تزويد المياه المحلاة ببعض المعادن حسب تركيزات مضبوطة، بما يجعلها أكثر ملاءمة للاستهلاك البشري.
أما من جانب استعمال المياه المحلاة في الزراعة، لفت المختص إلى أن نسبة استخدامها لهذا الغرض عالميا تتراوح بين 1 و3%، فيما تصل في إسبانيا إلى 21%، مؤكدا أن المغرب بدأ فعلا في هذا التوجه، وهناك على سبيل المثال، تجربة محطة أشتوكة بأكادير التي توفر مياه الشرب وتسقي حوالي 15 ألف هكتار، إلى جانب محطة الدار البيضاء التي ينتظر أن تغطي نحو 8 آلاف هكتار، ومحطة الداخلة التي ستسقي 5 آلاف هكتار.
وأورد الخراز، أن استعمال المياه المحلاة في الري يفرض تحديات مرتبطة بغياب المعادن، ما قد يستلزم استخدام كميات أكبر من الأسمدة لتعويض هذا النقص، الأمر الذي قد يؤثر سلبا على التربة والمحاصيل على المدى الطويل، لذلك يجب “تمعدن المياه” أي بإضافة عناصر غذائية مهمة، أو مزج المياه المحلاة بمياه جوفية أو عادمة معالجة من أجل تحقيق التوازن اللازم والحفاظ على التربة وجودة الإنتاج الزراعي.
وفيما يتعلق بالاستدامة الطاقية، دعا المتحدث إلى ضرورة الابتعاد عن تشغيل محطات التحلية بالوقود الأحفوري، لما له من أثر كربوني سلبي، مشيرا إلى أن التوجه الحالي في المغرب هو نحو تشغيل المحطات المستقبلية بواسطة الطاقات المتجددة، إما بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال إدخال الكهرباء المنتجة من الطاقة الشمسية أو الرياح إلى الشبكة الوطنية.
وخلص الخراز في تصريحه إلى الدعوة إلى تطوير تقنيات التحلية وتوسيع الخيارات التكنولوجية لتشمل تقنيات أخرى غير التناضح العكسي، مثل التناضح الأمامي أو الإلكترودياليسيس، بما يسمح بإنتاج مياه نقية أكثر وتقليص حجم المياه المرتجعة، كما اقترح تشجيع الصناعات التي تشتغل على استخراج المعادن من المياه المرتجعة، ما سيساهم في تحويلها من نفايات إلى موارد قابلة للاستغلال.
اقرأ أيضا: بركة: تحسن الوضعية المائية ومشاريع تحلية المياه ستعزز الأمن المائي بالمغرب