أغسطس والإخفاقات المتتالية التي يجنيها الكيان الصهيوني من خلال كل محاولاته اختراق القارة السمراء إفريقيا ومساعيه الحثيثة إلى تنظيم قمة إفريقية -إسرائيلية.. ففي أغسطس من العام الماضي (2016) فشلت كل الجهود التي بذلها هذا الكيان مع بعض الدول الإفريقية المرتبطة بعلاقات دبلوماسية أو اقتصادية أو أمنية مع الكيان في تنظيم مثل هذه القمم، بعد أن تم توجيه الدعوات لمجموعة دول إفريقية تحت مسمى “قمة اقتصادية” تضم 15 دولة، بالإضافة إلى الكيان الإسرائيلي. فرغم كل المجهودات التي بذلت لإتمامها، تبخّرت القمة وعاد الكيان إلى حُلمه القديم، الذي لم يغادر مخيلته منذ نشأةِ هذا الكيان المزعوم، والذي لم يتوقف ولو للحظة واحدة عن وضع الخطط وخلق الأزمات في العديد من الدول الإفريقية للمقايضة بها بهدف إيجاد مكانة له بينها من خلال تقديمه الخدمات الصحية والتعليمية والأمنية لهذه الدول، التي يعتبرها الكيان الإسرائيلي بمثابة الجسر الذي سيوصله إلى تحقيق أهدافه في القارة الإفريقية عامة. فهذا الإخفاق، الذي توج جميع المساعي والضغوط الإسرائيلية بالفشل، لم يعُد ببعيد عن المواجهة الدائرة حالياً داخل القارة الإفريقية لإفشال عقد القمة المزمع تنظيمها أواخر هذا العام في العاصمة الطوغولية لومي.
ومع احتدام حالة المد والجزر بين جموع دول القارة السمراء، بين معارض ومؤيد ومتردد ازاء انعقاد القمة المشؤومة “الإفريقية -الإسرائيلية ” في أكتوبر المقبل من هذا العام 2017، نجد توسعا وازديادا في عدد الدول الدول الرافضة لانعقاد تلك القمة أو المشاركة فيها في حال تم انعقادها، ومن بينها دول المغرب الكبيرالرافضة لانعقاد القمة أو المشاركة فيها، وهي المغرب، الجزائر، تونس ومورتانيا.
ونلاحظ أن وتيرة التحرك الدبلوماسي قد ارتفعت، كما ارتفع مستوى التفاعل الدبلوماسي على الصعيد الوطني والقاري والدولي، بعد رفض البرلمان الجنوب إفريقي بالإجماع عقد لقاء مع وفد من الكنيست الإسرائيلي، يرافقه بعض أعضاء المعارضة الجنوب إفريقية. ومما زاد في احتدام الموقف رفضُ البرلمان أيضاً الالتقاء مع وفد من الجالية “اليهودية” في جوهانسبورغ لمناقشة الموقف المعلن عن رفض القمة المزعومة، ليأتي الخطاب الملكي المغربي ليحسم الأمر جملة وتفصيلا اتجاه ما يجري في الكواليس من محاولة دخول وتوغل كيان غريب عن المنظومة الإفريقية، مهدداً الاستقرار والمصالح الإفريقية عامة والإسلامية والعربية، وفي مقدمتها المصالح المغاربية خاصة، ما يمكنه أن يشكل تهديدا مباشرا لدول المغرب الكبير؛ ومهدداً من جهة أخرى للأمن القومي الإفريقي، منعكساً بذلك سلبا على المنظومة الإفريقية سواء على المستوى الاقتصادي او السياسي، ناهيكم عن حالة الغليان العسكري والتي سينتج عنها العديد من الانشقاقات والانفصالات، كما هو الحال في كل بقاع الأرض التي استقبلت، أو بمعنى أصح، وقعت فريسة للقناع الإنساني الذي يرتديه ساسة المشروع الصهيوني ليتمكنوا من فريستهم حتى تصل إلى مرحلة الضحية، وحينها تبدأ رحلة التوغل، وصولا إلى التوغل الكامل، الذي لا يقود إلا نحو النهاية فوق أنقاض الشعوب التي ستدفع الثمن وحدها.
من هذا المنطلق جاءت المساحة الأكبر من خطاب ملك المغرب محمد السادس في عيد ثورة الملك والشعب، والذي تحدّث خلاله للشعب والأمة عن عزم وتصميم المملكة على المضي قدما في الحفاظ على مقدرات البلاد وحمايتها من المخاطر الخارجية الداهمة، الطامعة في البيت الإفريقي ككل، والذي تشكل المملكة المغربية جزءا لا يتجزأ من أسرته الإفريقية ومستقبلها، الذي أصبح يلوح في الأفق بأنه مستقبل المكون البشري في العالم أجمع وأمنه الغذائي، والذي سبق أن أشرنا إليه في مقال سابق في صحيفتكم “24 ساعة” تحدّثنا فيه عن السبب الرئيسي من وراء مصارعة الكيان الإسرائيلي للوقت والزمن للوصول إلى إيجاد مرتع له في قلب القارة الإفريقية، ليكون فاعلا أساسيا ومؤثرا في سياسات إفريقيا عامة ومُغيرا لموقف شعوبها ودولها الرافض للتطبيع الرسمي و المباشر مع دولة الاحتلال إسرائيل، المنتهكة لكل الأعراف وأيضاً القوانين والقرارات الصادرة عن منظومة المجتمع الدولي، الرافضة للأفعال الإرهابية التي تمارسها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني والعربي والإسلامي، صاحب الإرث التاريخي في وطنه، المناضل لانتزاع حقوقه وإقامة دولته الفلسطينية.. وهذا ما تؤكده الجهود “الماكرة” التي يبذلها الكيان الكولونيالي من خلال التطبيع مع العدد الأكبر من مجموع الدول الإفريقية، والتي تعارض وترفض ما يقوم به هذا الكيان المحتلّ وغطرسته ضد الشعب الفلسطيني وأرضه وحقوقه الإنسانية في العيش بكرامة فوق أرضه وفي كنف وطنه. فمن مجموع الدول الإفريقية الـ54، لا توجد من بينها سوى دولة عربية واحدة تربطها علاقة دبلوماسية مباشرة مع إسرائيل، وهي مصر، بعد توقيع اتفاقية “كامب ديفيد” بينهما.
هذه الاتفاقية التي كانت بمثابة المفتاح الذي فتح الطريق أمام كيان الاحتلال للدخول إلى الأسواق الإفريقية أولاً، ثم أخذ في التوسع والتوغل داخل القارة الإفريقية، التي تسعى إسرائيل حالياً إلى محاولة قلب الموازين لجعل الكمّ الأكبر من المجموعة الإفريقية مؤيدا ومطبعّا رسميا مباشرة معها لتحصل بذلك على زيادة عدد المؤيدين لها في المحافل الدولية. وبهذا يكون الكيان المحتلّ قد استطاع أن يقوض عدد الدول المؤمنة والمدافعة والمساندة للحق الفلسطيني ولعدالة قضيته، التي اقتربت من نهاية خمسة وسبعين عاما من احتلال فلسطين، الأرض والشعب والهوية.
من هذا المنطلق الواضح وضوح الشمس، لا بد أن يقف من يحاول أن يرى أنّ الكيان الصهيوني يسعى إلى تطوير وتنمية القارة الإفريقية و أن يكون له دور في الحفاظ على الإنسان ونموه، فأولى أبجديات الإنسانية ألا يكون الجلاد هو محامي الفريسة كي لا تصبح هي نفسها الضحية.