نجيب لأضادي
أصبحت العلاقات الدبلوماسية المغربية في الآونة الأخيرة وعلى مدى ثلاث سنوات ، متأرجحة بين التقارب والقطيعة بل إنها علاقات يشوبها الغموض ويصعب تفسيرها حتى من طرف محللي السياسات الخارجية للدول بسبب ردود فعل غير مفهومة في السلوك الدبلوماسي لكلا البلدين .
فرغم الإتصالين الهاتفيين اللذان تما بين قائدي البلدين بمناسبة بطولة كأس العالم قطر 2022، حيث اتصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالملك محمد السادس لتهنئته على الإنجاز التاريخي الذي حققه المنتخب الوطني المغربي بوصوله لنصف نهائي البطولة،واتصال الملك محمد السادس بالرئيس ماكرون أيضا بمناسبة احتلال المنتخب الفرنسي للمرتبة الثانية في هذه المنافسات، وزيارة وزيرة الخارجية الفرنسية للرباط، وحلحلة أزمة التأشيرات ،و تعيين سفير جديد لفرنسا بالرباط، واستقباله من طرف وزير الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة قبل مساء أمس، وهي إشارات إيجابية لتذويب الخلافات بين المغرب وفرنسا ،فإن ملف الصحراء المغربية ،الذي يستأثر حاليا باهتمام كبير لدى الدبلوماسية المغربية بالدرجة الأولى ، كشرط أساسي لتطوير العلاقات بين البلدين في المرحلة المقبلة يؤجل مرة أخرى زيارة ماكرون إلى المغرب..
الزيارة التي قيل عنها عن طريق الصحافة الفرنسية المقربة من قصر الإليزيه، أنها تأجلت عدة مرات بسبب ضغط أجندة الملك محمد السادس ،والتي عزتها أطراف أخرى إلى تلكؤ الجانب الفرنسي بخصوص معالجة الملفات الحساسة مع السلطات العليا المغربية فلازال الغموض هو سيد الموقف حتى الآن بسبب تباين الرؤى بخصوص الطرح السياسي للمغرب بشأن الصحراء والتي تريد الدبلوماسية المغربية انتزاع موقف صريح بشأنه من طرف الإليزيه.
قنوات الاتصال الفرنسية تبحث بشكل مستمر عن ترتيب موعد آخر خلال شهر فبراير المقبل لكن ذلك يرتبط بمدى توصل الجانبين المغربي والفرنسي لقرار يحسم في ضبابية موقف باريس من قضية الصحراء ، وهي الزيارة الأولى من نوعها التي لن تتم إلا بقبول شروط المغرب وهي الزيارة التي اريد لها من طرف صناع السياسة الخارجية أن تكون زيارة سياسية محضة لأول مرة وبدون ملفات وأجندات اقتصادية .
وإذا كانت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا ،قد عبرت عن موقف بلادها في زيارتها الأخيرة للمغرب بكون موقف باريس من النزاع على الصحراء ،”وإنه يمكن للمغرب أن يعتمد على دعم فرنسا”، حسب تعبيرها وأن باريس تدعم مخطط الحكم الذاتي في الصحراء، كحل إيجابي وواقعي وقابل للتطبيق فان السلطات العليا المغربية لم تعد تقبل بهكذا تصريحات .
الدبلوماسية المغربية أصبحت تدرك تماما أن هناك تحول جديد في عقيدة الدولة الفرنسية بخصوص قضايا راهنة وهو الأمر الذي يدفع بالدولة العميقة الفرنسية إلى بحث أنماط جديدة بخصوص العلاقة مع المغرب مما فجر صراع المصالح بين اللوبيات داخل قصر الإليزيه ،بين مناصر للمغرب وبين من يرى فيه حليفا وبين من يرى في إطالة مشكل الصحراء صونا لمصالح فرنسا.
وفي اعتقادي فإن صناع القرار في فرنسا لازالو مكبلين بالإرث “الكولينيالي” ولم يستفقوا بعد كون أن الأمور تغيرت بشكل كبير منذ المقولة الشهيرة أن ” مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس” ،كلمات كانت واضحة ومملوءة بالثقة والشجاعة والمسؤولية والإعتزاز والتحرر من أي تبعية لمستعمر قديم قد انتهى، أطلقها وزير الخارجية ناصر بوريطة، بعد التوتر في العلاقات بين المملكة المغربية وإسبانيا،
حتى أن العديد من الدول أصبحت حاليا ترى في مشكل النزاع حول الصحراء ، معادلة جيوستراتيجة جديدة منذ تطبيع العلاقات مع إسرائيل وموقف الولايات المتحدة الأمريكية و اسبانيا والمانيا وعدة دول أوروبية أخرى من سيادة المغرب على صحرائه..
وفي رأيي كمتتبع وكباحث فإن الطموح السياسي لصناع القرار الدبلوماسي في المغرب بخصوص العلاقات الثنائية بين المغرب وفرنسا لم يعد مختصرا في انتزاع موقف من فرنسا بخصوص الصحراء فحسب ، بل أصبح يتعدى ذلك الى مطالب من أجل أن تحترم فرنسا المملكة المغربية بتراثها وارثها وتنوعها الثقافي والإثني، والكشف عن أرشيف الحقبة الاستعمارية، فهناك توجد حقائق أخرى قادرة ليس فقط على إنهاء النزاع حول الصحراء بل بضبط العلاقات بين المغرب والجزائر وبين بلدان شمال إفريقيا بل قد تتعدى ذلك إلى الساحل والصحراء.