الرباط-أسامة بلفقير
شكل الدرس الحسني الأول من سلسلة الدروس الحسنية الرمضانية لسنة 1445 هـ، الذي ألقاه وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق، بين يدي أمير المؤمنين الملك محمد السادس، تحت عنوان “تجديد الدين في نظام إمارة المؤمنين”، رؤية جريئة تلامس الأفق الحداثي للممارسة الدينية التي ينتهجها المغرب، ما جعل الوزير التوفيق يذهب إلى حد انتقاد التجارب الفكرية لدعاة التجديد التي تناولت موضوعة تجديد الخطاب الديني دون أن تنفذ إلى معالجة الإشكالات الحقيقية.
ذلك أن هذا الأمر فرمل أي محاولة للنهضة الإسلامية، ومن ضمنها الإقامة في شرنقة الخلافات المذهبية أو السياسية ، والانحرافات النظرية أو الأخلاقية التي ساهم فيها بشكل الكبير المد الاستعماري الغربي والرغبة في استيراد نموذجه الأخلاقي دون العمل على فهم هذا الآخر، وقراءة التراث الأخلاقي الغربي قراءة واعية ونقدية تروم إجراء حوارية بناءة ومخصبة:”ولا أحد من هؤلاء الدعاة قدم تحليلا يدل على أنه فهم هذه الحضارة الغربية بكل مكوناتها وما جرى ويجري داخلها من نقاشات فكرية متعلقة بالوجود والسياسة والمجتمع والطبيعة”.
إن الدرس الحسني، وهو يعدد مظاهر التزام نظام إمارة المؤمنين بحفظ الكليات الخمس، لم يغفل النقاش الحيوي الدائر حاليا حول مدونة الأسرة باعتبار هذه الأخيرة، أي الأسرة، الإسمنت الداعم لكل بناء مجتمعي متماسك وقوي: “لهذه الاعتبارات اهتم نظام إمارة المؤمنين بالأسرة في جوانب التجديد القانوني والدعم الاجتماعي والإصلاح الحقوقي”.
ولم يتوق تجديد الخطاب الديني، كما جاء في درس الوزير، عند العموميات الجامعة بل شكل إجابة صريحة وواضحة لكل من لايزال يشكك في رغبة المغرب في تعزيز مساره الحقوقي وخاصة في الشق المتعلق بالوضعية المرأة، بتأكيده على مسألة المناصفة “وها هي المرأة في نظام إمارة المؤمنين تحقق تعادلا واستحقاقا مطردا سواء في التعليم أو في مختلف الفرص”.
كما أنه رد على كل الدعوات النكوصية التي تظهر كلما تعلق الأمر بقضية المرأة والأسرة متلبسة برداء الدين وبسلطة التأويل الذكوري للنص الديني، هذا النص الذي توظفه هذه الجهات أيضا لغايات سياسية وإيديولوجية. ولعل الحاجة إلى تجديد الخطاب الديني اليوم نابعة أيضا، وبشكل أقوى، من “محاولات التشويش على ثوابت المغرب باختراقات يلتبس فيها السياسي الإيديولوجي بالديني العقدي والمذهبي”، وفي هذا نقد ضمني لهذه الجهات ولخطابها، سواء الداخلية متمثلة في هيئات سياسية “تُحفِّظُ” الدين في بيان سيرتها الذاتية(CV) لوحدها فقط، أو الخارجية متمثلة في الفكر المتطرف الدخيل.
هذه الاختراقات والمقاومات الداخلية دفعت المغرب دوما إلى حماية تعدده الثقافي في إطار وسطية مذهبية، وفي انفتاح على روابطه “العلمية والروحية مع بلدان إفريقيا، والوعي بسمو هذه الروابط من جهة تعزيز المشترك العقدي والمذهبي”، دون أن يغفل الإنصات إلى نبض المشترك الإنساني الذي يربطه بجغرافيات العالم، إنصات كان الوزير التوفيق أكثر جرأة وشجاعة، أيضا، وهو يثيره في إطار عملية تثاقف خلاقة يمكن أن تسترفد ، بالموازاة مع جذرها الديني الإسلامي ومنابعه الأصلية، أن تسترفد من أدبيات العقل الأخلاقي الغربي وفلسفته عبر حوار بناء يقيمه علماء الدين مع هذه المرجعية، تكون نتيجته ردم الهوة السحيقة بين تدين المغاربة ودينهم، بين فهمهم له وتمثله ممارسةً.