نشر بشراكة مع DW العربية
لقد رجعوا إلى ألمانيا، المرأتان والإثنا عشر طفلا، الذين جلبتهم وزارة الخارجية الألمانية مؤخرا من معتقل الهول في شمال سوريا. إنه عمل إنساني من وجهة نظر الإدارة الذاتية الكردية، لكنه كذلك عملية لصرف العبء عن قواها الأمنية. لأن في معتقل الهول يعيش حوالي 64 ألف شخص، غالبيتهم من المنطقة التي احتلها تنظيم “الدولة الإسلامية” الإرهابي (داعش). وبحسب تقرير للأمم المتحدة، فإن معظم السجناء هم مواطنون سوريون وعراقيون. لكن هناك ما يقرب من 9500 يأتون من أماكن أخرى، وكثير منهم من أوروبا
وكل شخص يغادر المعتقل يسهل المأمورية على السلطات الأمنية التي تضغط منذ شهور لتخفيف العبء مع الإشارة إلى أن العديد من المعتقلين يواصلون الاعتقاد في الفكر المتشدد ويمثلون، على غرار الماضي، تهديدا محتملا. وإذا ما تكمن هؤلاء الأشخاص من الهروب خلال انتفاضة، كما هو التحذير، فإنهم سيلتحقون فورا بتنظيم “داعش” أو مجموعات إرهابية أخرى.
منظمة منهكة
لكن إذا ما نجح إرهابيون محتملون في الانضمام مجددا لتنظيم “داعش”، فإنهم سيجدون فقط تنظيما حافظ على ظله. فأيام مجد السنوات الماضية قد ضاع، وهو لم يعد يسطع بتلك الديناميكية لا تنظيميا ولا رمزيا حتى لحظة تدميره في سنوات 2017 و 2018. ومقارنة مع وضعه قبل خمس سنوات فإن تنظيم “داعش” قد ضعف بشكل ملموس، يقول بيتر نويمان، أستاذ الدراسات الأمنية في المعهد الملكي بلندن في مقابلة مع دويتشه فيله. ففكرة الخلافة المعلنة في 2014 لم تعد تمارس قوة جاذبية، كما أن “داعش” يخضع للمراقبة القوية في العراق. “هناك يسود ضغط هائل يصعب عليه تنظيم نفسه والوصول إلى أسلحة جديدة وتجنيد أعضاء جدد. كل هذا يضعف الحركة بشكل قوي في بلدانها الأصلية، العراق وسوريا”.
خسران مصادر التمويل
وإلى تقييم مشابه يتوصل أيضا الباحث في شؤون الإرهاب، جاسم محمد صاحب موقع europarabt.com. وطبقا لتقديرات من داخل الحكومة العراقية يوجد حاليا نحو 3.500 مقاتل في العراق وربما 4000 مقاتل في سوريا، كما يقول محمد لدويتشه فيله. “في العراق وأيضا في سوريا تراجع تنظيم “داعش”. فهو لم يعد بإمكانه تنفيذ عمليات كبيرة”. ويواصل “داعش” محاولة الحصول على أسلحة “لكن معلومات من الحكومة العراقية تشير إلى أن التنظيم يملك فقط أسلحة خفيفة. كما يمكن الانطلاق من أن “داعش” فقد شبكة اتصالاته ومصادر تمويله على مستوى العالم في جزئها الأكبر”.
“مجموعات صغيرة متحركة”
وإذا ما قرر “داعش” القيام بعمليات، فإنها تكون من نوعية محدودة. “في الغالب يتم تنفيذها من قبل مجموعات صغيرة متحركة لا تضم في العادة أكثر من عشرة أشخاص”. كما أن هذه الاعتداءات تحصل في الغالب في مناطق نائية خارج المدن. “ويتعلق الأمر بتنفيذ عمليات سريعة مثل وضع حواجز على الطرق والاعتداء على منشآت حدودية عسكرية”. وبما أن التحويلات المالية لتنظيم “داعش” باتت هي الأخرى تحت المراقبة المشددة، فإن إمكانياته الاقتصادية باتت هي الأخرى جد محدودة. “وهذا قاد إلى أن عمليات تنظيم “داعش” تراجعت على مستوى العالم”، يوضح جاسم محمد.
تقنيات حشد جديدة
لكن لا يوجد هناك دافع لوقف التحذيرات من التنظيم، لأنه في أماكن أخرى مثلا في أوروبا ما يزال “داعش” ناشطا. إلا أنه غير أسلوبه، كما يقول بيتر نويمان. فهو في الحقيقة ليس مستعدا في الوقت الحاضر لعمليات كبيرة، كما لا يمكن له على غرار ما قبل خمس سنوات أن يعول على أعضاء مكونين عسكريا ولهم تجربة قتال ملموسة. وعوض ذلك تحصل اعتداءات صغيرة من قبل أشخاص منفردين كما حصل مؤخرا في باريس ونيس وفيينا ودرسدن.
“وبهذه الطريقة يريد “داعش” البرهنة على أنه ما يزال حاضرا وبمقدوره توجيه الضربات. وبذلك، فإنه يبحث على وجه التحديد عن دوافع جديدة للتعبئة، على سبيل المثال النقاش حول الرسوم الكاريكاتورية”.
ولا تكون هناك في الغالب حاجة لبذل جهد خاص من أجل تجنيد أعضاء وكسب متابعين. فمن أجل كسب أنصار تكفي فيديوهات تصاحبها موسيقى مثيرة للعواطف وبها مشاهد متفرقة موحية. وهذا التجنيد عبر شبكة الانترنت هو أسهل وأكثر فاعلية في كثير من الأحيان من عمل الكتاتيب ذات الصلة والمجموعات المتشددة التي تحتشد حول دعاة من نفس التفكير في بعض المساجد. وغالبًا ما يمر التطرف هنا دون أن يلاحظه أحد.
التواجد في افريقيا
وخارج أوروبا، يتواجد داعش أيضا في أفريقيا، كما يقول جاسم محمد. “داعش يعزز قدراته حاليا، خاصة في غرب وشمال أفريقيا”. وقبل كل شيء، يستغل الفوضى القائمة في ليبيا. بالإضافة إلى التعبئة الأيديولوجية، ويُعنى تنظيم الدولة بشكل أساسي بتوسيع طرق التهريب إلى أفريقيا جنوب الصحراء. وتمتزج الدوافع الإجرامية والأيديولوجية في هذه التركيبة.
ويقول جاسم محمد: “إن للقاعدة حاليا نفوذاً أكبر في المنطقة. ولكن بشكل عام، يمكن افتراض أن الأنشطة الإرهابية في غرب أفريقيا ستزداد على الرغم من الجهود المبذولة”