24 ساعة-عبد الرحيم زياد
واجهت إسبانيا يوم الإثنين 28 أبريل 2025، واحدة من أسوأ الأزمات الكهربائية في تاريخها الحديث. حيث تسبب انقطاع كهربائي واسع النطاق في تعطيل الحياة اليومية لملايين المواطنين في مناطق متعددة من البلاد. بما في ذلك الأندلس وكتالونيا والباسك.
وفي خضم هذه الأزمة. برز المغرب كحليف استراتيجي غير متوقع، حيث لعب الربط الكهربائي البحري بين مدينة طريفة الإسبانية وفرديوة بالقصر الصغير بالمغرب. دورًا حاسمًا في استعادة الاستقرار الكهربائي في جنوب إسبانيا. هذا “الكابل”. الذي يمتد عبر مضيق جبل طارق، لم يكن مجرد بنية تحتية تقنية. بل جسر طاقي أثبت أهميته في لحظات الأزمات.
الربط الكهربائي: بنية تحتية استراتيجية
تتكون الربط الكهربائي بين إسبانيا والمغرب من خطين كهربائيين عاليي الجهد بقدرة 400 كيلوفولت. تم تشغيلهما في عامي 1997 و2006. هذه الخطوط، التي تمتد لمسافة 26 كيلومترًا تحت مياه مضيق جبل طارق، تتألف من سبعة كابلات، ثلاثة لكل دائرة بالإضافة إلى كابل احتياطي.
بفضل هذه البنية التحتية، يمكن للخطين نقل ما يصل إلى 1400 ميغاواط من الطاقة في كلا الاتجاهين. مما يتيح تبادل الطاقة بين البلدين بناءً على احتياجات السوق والظروف الطارئة.
في الأوضاع العادية، كانت إسبانيا هي المصدر الأساسي للطاقة الكهربائية للمغرب. حيث صدرت في عام 2024 حوالي 2537 غيغاواط/ساعة إلى المغرب، وفقًا لوكالة الأنباء الإسبانية (إفي). ومع ذلك، في هذه الأزمة، انعكست الأدوار، حيث استفادت إسبانيا من القدرة التشغيلية للشبكة المغربية. التي أظهرت مرونة واستقرارًا كبيرين.
دور المغرب في الأزمة واشادة من رئيس الحكومة الإسبانية
عندما ضرب الانقطاع الكهربائي إسبانيا، تحركت الشبكة الكهربائية المغربية، التي يديرها المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب (ONEE)، بسرعة لدعم شريكتها الإسبانية. شركة “رد الكتريكا” (Red Eléctrica). وبفضل الربط الكهربائي. تمكن المغرب من تزويد إسبانيا بما يصل إلى 900 ميغاواط من الطاقة. مما ساعد في إعادة تشغيل المحطات الكهربائية المتضررة في جنوب البلاد، خاصة في منطقة الأندلس.
لم تتأثر الشبكة الكهربائية المغربية بالانقطاع الذي أصاب إسبانيا وبرتغاليا. مما يعكس قوة ومتانة البنية التحتية الداخلية للمغرب. ومع ذلك، سجلت بعض الاضطرابات في خدمات الإنترنت. وأنظمة تسجيل المسافرين في المطارات المغربية. لكن هذه المشكلات كانت محدودة مقارنة بالأزمة في إسبانيا.
أشاد رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، بالتعاون المغربي. واصفًا إياه بـ”تجسيد لعمق العلاقات الاستراتيجية” بين البلدين. كما أشار إلى أن هذا الدعم، إلى جانب المساعدة من فرنسا. كان أحد العوامل الرئيسية التي مكنت إسبانيا من استعادة حوالي 50% من الطلب على الكهرباء خلال عشر ساعات من بداية الأزمة.
أهمية مضيق جبل طارق كجسر طاقي
لم تكن هذه المرة الأولى التي تثبت فيها أهمية الربط الكهربائي عبر مضيق جبل طارق. يُعتبر المضيق ليس فقط ممرًا حيويًا للتجارة البحرية، بل أيضًا نقطة استراتيجية لربط أنظمة الطاقة بين أوروبا وإفريقيا. هذا الجسر الطاقي لا يعزز الأمن الكهربائي لكلا البلدين فحسب، بل يسهم أيضًا في تحقيق أهداف التحول الطاقي.
في إطار خطة تطوير شبكة النقل الكهربائي للفترة 2021-2026، تعمل شركة “رد الكتريكا” على إنشاء رابط بحري جديد يربط محطة سان روكي بسيوتا، مرورًا بلا لينيا دي لا كونسيبسيون. هذا المشروع، الذي يتضمن دوائر مزدوجة بجهد 132 كيلوفولت ويمتد لمسافة 58 كيلومترًا تحت البحر، سيسهم في تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بمقدار 300,000 طن سنويًا، وتعزيز استخدام الطاقة المتجددة في سيوتا، مما يقلل من الاعتماد على الوقود الأحفوري.
التحديات والمستقبل
على الرغم من نجاح التعاون في هذه الأزمة، إلا أن الربط الكهربائي بين إسبانيا والمغرب واجه تحديات في الماضي. على سبيل المثال، في عام 2020، تم اكتشاف تسرب في أحد الكابلات الاحتياطية على عمق 208 أمتار في المياه المغربية، مما استلزم جهودًا مشتركة بين “رد الكتريكا” و”ONEE” لتحديد الموقع وإصلاحه. لحسن الحظ، لم يؤثر هذا الحادث على إمدادات الكهرباء بفضل تصميم النظام المزدوج.
كما أن هناك خططًا لتوسيع الربط الكهربائي من خلال إنشاء خط ثالث بحلول عام 2026، بتكلفة تقدر بحوالي 150 مليون يورو، يتحمل كل طرف نصفها. هذا الخط الجديد، الذي ستصل قدرته التجارية إلى 1500 ميغاواط، سيسمح بدمج المزيد من الطاقة المتجددة، خاصة من المغرب، الذي يمتلك مشاريع طموحة مثل محطة نور ورزازات الشمسية، التي تنتج 580 ميغاواط.