هي رسالة كونية ولحظة تأمل ستبقى في التاريخ، ستحكي للأجيال القادمة كيف واجه الإنسان والبشرية جمعاء، هذا الامتحان الصعب.
دعونا نترك النزعات جانبا، لنمحو الآلام، ونبتعد عن كل الحسابات التي من شأنها أن تخلق المنغصات، إنه وقت التضامن والتكافل، وليس وقت المزايدات والحسابات الضيقة.. فجميعنا يجب أن نعمل بكل طاقاتنا لإنهاء هذا الوباء، بكل ما أوتينا من قوة، ولنركز على ماهو أهم، بخلق أجواء ايجابية للحب، لكي يبدع الانسان ويستخرج ما مكنون فيه من فطرة لمساعدة غيره، بفتح الأبواب الموصدة وجعلها مدخلا حقيقيا إلى ما تعلمناه في هذه الايام من حياتنا.
علمتنا الكورونا القيم الانسانية، علمتنا أن الازدهار والتطور التكنولوجي والعلمي، لا يساوي شيء أمام صحة الناس وأمام هذا التطور بحد ذاته، علمتنا كذلك أن في الاتحاد يمكن أن نصنع التحديات، بالانخراط التام والتعبئة الشاملة.. علمتنا أن من الممكن أن ننهض من جديد ونعرف دور الصحة في حياتنا، وعلمتنا الالتفاف ولملمة الشمل لمجابهة أي خطر يهدد الناس والوطن.
شاهدنا الدولة المغربية ورجالاتها ونسائها كيف هي ساهرة حافظة مستشعرة حجم المسؤولية، بقيادة متبصرة حكيمة لملك يحب الجميع بدون إستثناء، وساهر هو الأخر على كل صغيرة وكبيرة، شاهدنا الانخراط الفوري والكلي للأمة يوم دعا جلالته، بإنشاء الصندوق الخاص، كذلك شاهدنا جهود تلو الجهود ليل نهار من أناس متجردين من ذواتهم، مؤثرين غيرهم على أنفسهم، خدومين غير متقاعسين تلبية لنداء شعار، لطالما افتخرنا به، ألا وهو الله الوطن الملك.. شاهدنا أطر الصحة من أطباء وممرضين وتقنيين… يرابطون في الثغور كما يرابط الجندي حماية للأرواح، رأينا قياد وبشوات ورؤساء الدوائر وعمال ورجال أمن ودرك ملكي… وهم يغامرون بأرواحهم لا يخشون الإصابة لاقدر الله، واضعين أنفسهم على أكفهم، ويوجهون تعليماتهم بتناسق تام، ويمارسون أعمالهم في تكامل مع بعضهم، بغية استقرار ينعم به الكل، وصالح عام يبتغيه الجميع. شاهدنا بأم أعيننا بكاء رجل أمن وهو ينادي ويترجى المواطنين بالبقاء في المنازل والصبر والاحتساب، منبها بكل جوارحه وإنسانيته كما ينبه الأب إبنه مخافة عليه.
لاحظنا كل من موقعه، يساهم ويبادر ويفكر ويدعم، مجتمع مدنيا كان، أو مواطن يتمتع بروح المواطنة، سواء تجلت على أرض الميدان أو على المواقع الافتراضية.
رصدنا تجمعات إفتراضية تعمل هي الآخرى ليل نهار بمبادرات فردية أو جماعية، وإنشاء لمنصات التضامن والتكافل، مع الفئات الاكثر تضررا ولو بمساهمات قليلة لكن أثرها كبير على العاطي والمعطي.
رأينا التعاضد بين الأخ والاخت، والعم والخال، ورجوعا للقيم الأسرية، لمسنا تحسن علاقة الجيرة من خلال ملامح التضامن والتسامح وقبول الآخر.
إنها فرصة تاريخية يجب أن ننتهزها ولحظة فارقة تحتم علينا جميعا النظر بتمعن، بغية الاستفادة من هذا الوباء، ونجعله شيئا إيجابيا، ونعني بالاستفادة هنا أي جعل الفرصة مواتية من أجل التخلص من أوبئة أخطر كالجهل والتخلف والتطرف… وحتى الخلافات، والإعلان رسميا عن انتهاء سنوات وعقود من الصراعات التي تستهلك من حولها كل شيء، وتدمر أمامها أي شيء، وتجعل من أشياء كثيرة لا شيء…
هكذا إذن على الجميع اليوم العمل على توجيه الطاقات والموارد لمواجهة التحديات المشتركة بإرادة وعزم قويين.
لنتعلم.. مما علمتنا إياه كورونا وليتحول الجميع إلى جسم واحد، منيع بمناعة قوية قويمة، معززة بقيم إنسانية ومعاملات إجتماعية، وأسس علمية منهجية، مستشرفا المستقبل بكل صدق ومصداقية، نبتغي التقدم والنمو والرخاء والرفاهية للجميع.
إذ نقول في الختام، ذا علمتنا كورونا بعض العبر والدروس.. وهو مجرد فيروس.. ستعلمنا الحياة الكثير من الحكم ستبقى للتاريخ المدروس.
عبد الرزاق الزرايدي بن بليوط: رئيس مجموعة رؤى فيزيون الاستراتيجية