الزهرة الضبيالي بيروك
تنزوي الأحزاب السياسية المغربية في موقع هش وضعيف في جغرافية النظام السياسي نتيجة ضعف تأطيرها الذي لا يؤهلها لمنافسة الفاعل المخزن، مما جعلها مشلولة الحركة، حيث لا يتيح لها دورها الضيق سوى الانكفاء والتفرغ لمناحي سياسية داخلية لاتفي بالغرض الأساسي الذي صنعت من أجله، لذا فهي وبشكل غير واضح تنأى بنفسها عن معظم المشاكل الداخلية التي يعاني منها المواطنون.
نجد اليوم الأحزاب السياسية المغربية تتخبط في أزمة هيكلية جعلتها تبتعد كل البعد وبلا رجعة عن فترة العصر الذهبي من النضالات السياسية، وبذلك غدت فاعلية المؤسسات الحزبية ضعيفة في النسق السياسي المغربي، فنرى أن الشأن الحزبي ابتعد عن وظيفته الدستورية وتحول إلى مجال لتصفية الحسابات السياسية والشخصية إلى درجة العبث، وهذا ما كان له تأثيرا واضحا في حركة النخب المغربية وتصرفاتها ومواقفها ضاربة عرض الحائط بماضي يزهو بنضال سياسي وشخصيات سياسية من داخل المؤسسات الحزبية وفي أصعب أيام التاريخ السياسي للمغرب.
لقد اتخذت الأحزاب منحى آخر مشوبا بفشل في التنظيم و الوظيفة المفترضة إيذانا بموت سريري لكائنات أصبحت مرثية في حكم الزمن السياسي، لتظهر طبقة بورجوازية تمتهن السياسة في إطار مشاريع حزبية مذرة للدخل تنمي منهجا سياسيا شبيها بمسلكيات القبائل المنظمة طبقا لمباديء القطيع وأتباعه، وهي بذلك تنعش آلية الانقسام للإشتغال في المجتمع المغربي الذي يميل بطبعه للانقسام والانشطار، حيث يتحول فيه الإختلاف في الأفكار إلى توجهات ثم تيارات تنتهي إلى خلية حزب جديد منبثق من حزب عتيق، هذا الانشقاق يؤدي إلى تشتت الحزب وتشرذمه نتيجة عدم تحديد الأصل في الأحزاب المتكاثرة، فتضيع وحدة الصف خاصة حين تجد أن الاهداف المادية الصرفة هي الأساس في غياب تام للأهداف الحزبية التي يجب أن تخدم مصالح الوطن والمواطنين، فما أن تتعارض المصالح حتى لا يصير للتكتل أي معنى لتطفو لغة التراشق بالتخوين والعمالة وغيرها من التهم التي هي في الحقيقة مهيئة جيدا وبدقة في مطبخ الانقسام من أجل المصالح الشخصية ولإعطاء مبررات للإنشقاق وقطع دابر الغرام السياسي إلى آخر مصلحي.
في حين يبقى المواطن شاردا في أي الأحزاب أفضل وأيهم يسعى إلى خدمة المواطن لتحقيق مطالبه الشرعية من صحة وتعليم وعدل وغيرها من المطالب التي يبقى تحقيقها شبه مستحيل في ظل نخب سياسية مفبركة تغير نهجها وفق أجندات هدفها الاستحواذ على رواتب وامتيازات خيالية إلى حد ما في ظل أشباه الأحزاب.
إن من أسباب ضعف المؤسسات الحزبية، وما تعانيه من فرقة وشتات، يعود إلى أعطاب ذاتية حيث غرقت هذه الأخيرة في حالة من الاحتراب الداخلي فيما بينه، وهو ما نتج عنه وضع اللا أمان الدائم والذي لا يمكن في ظله انتظار قيام تيارات حزبية قوية.
إن الأمراض المزمنة التي أصابت الذات الحزبية، تتجلى اجتماعيا في أزمة الثقة بين المواطنين والأحزاب نتيجة سلوكات سياسية لشخصيات برجوازية تهيمن عليها الشخصية السلطوية لبعض قيادي الأحزاب السياسية، وضعف التواصل بين القيادة والقاعدة، واتساع الهوة بين الخطاب والفعل السياسي، وانتشار ظاهرة الانتقال من حزب لآخر مما أدى إلى وهن داخلي جعلها غير قادرة على إثبات ذاتها في ملعب النسق السياسي خاصة بعد أن فقدت السندالشعبي والذي يعتبر المقياس الوحيد والحقيقي لنهوضها بدورها التأطيري للمجتمع.
وقد لاحظنا تعدد البرامج الانتخابية، واختلاف تصورات الأحزاب السياسية الداخلية، والذي لم ينتج تمايزات في ما بينها من حيث المشاريع السياسية والنماذج التنموية التي يقتضيها التنافس السياسي و الانتخابي، بل في الغالب متشابهة وتكاد تكون متطابقة يتم تسويقها لغرض انتخابي محض جاعلة من هذه البرامج المتعددة مجرد ورقة من أجل الظفر بموقع متقدم، مما يعني عددا من المقاعد البرلمانية والحقائب الوزارية، ما يعني صرف أجور خيالية تثقل كاهل خزينة الدولة، أو بالمعنى الأصح كاهل المواطن المغربي، والتي أصبحت ومن خلال الحملات الانتخابية تعي مطالب المواطن المرتبطة بالواقع المعيشي واليومي، فأصبحت تقايض صوته الانتخابي ببرامج تقتصر فقط على الحالة الاجتماعية .
وتبقى السياسة الخارجية محل إجماع وطني بين الأحزاب، وهو وضع صحي حفاظا على سيادة الوطن ومكانته، وحفاظا أيضا على المصالح العليا للدولة والتي لا يجب أن تخضع للمزايدات السياسية والتباري الانتخابي.
أخيرا تبقى مطالب المغاربة، وما ينتظرونه ما بعد الانتخابات هو عدالة إجتماعية ترقى إلى درجة تحديث آليات تساهم في خلق نموذج مجتمع مغربي جديد، تسوده العدالة والحرية في ظل تعليم جيد وصحة جيدة وحرية في إبداء الرأي والتقليص من هذه الفوارق الاجتماعية ومراعات الظروف القاهرة التي مر ويمر بها المواطن البسيط وأن يشعر المواطنون أن اختياراتهم كانت صائبة وأن هناك أحزاب تسعى إلى تحقيق بعض من طموحاتهم، وأنهم لم يكونوا سوى أداة لتحقيق مآرب لأشخاص إتخذوا من السياسة مهنة تذر أجورا وامتيازات خيالية .