أغلقت السلطات الإسبانية أكثر من نصف مراكز الاقتراع، البالغ عددها 2315، في كاتالونيا بحلول منتصف يوم السبت لمنع إجراء الاستفتاء على استقلال الإقليم، حسب ما أعلنت مدريد، في حين أصرّ الانفصاليون على الاستمرار في الدفاع عن حقهم في التصويت. وكان اساتذة وطلاب وناشطون دخلوا 160 مدرسة تم اختيارها كمراكز اقتراع في المنطقة الغنية الواقعة في شمال شرق البلاد للدفاع عن الاستفتاء المنتظر الأحد، في تحدّ لتحذيرات مدريد. وقال ممثل الحكومة الإسبانية في كاتالونيا، إنريك ميو، للصحافيين إنه تم إقفال 1300 مركز اقتراع حتى الآن.
وأضاف ميو أن 163 من هذه المراكز كان يحتلها مؤيدون للانفصال لدى إغلاقها، ما يعني أنه سُمِح لمن كانوا داخلها بالمغادرة ولكنْ لم يسمح لأي أحد بالدخول. إلا أن مراسلي وكالة “فرانس بريس” زاروا عددا من المدارس التي سيطر عليها السكان وكان بإمكان الناس الدخول إليها والخروج منها بحرية، ما يعني أنه لا يزال هناك العديد من المباني الخاضعة لسيطرة أنصار الانفصال التي لم تغلقها السلطات الإسبانية بعد.
من جهته، صرح رئيس إقليم كاتالونيا الانفصالي، كارلس بيغديمونت، السبت في مقابلة مع “فرانس بريس” قبل أقل من 24 ساعة من الاستفتاء الذي حظرته مدريد قائلا “أن نعود إلى منازلنا ونتنازل عن حقوقنا أمر لن يحدث (…) لقد اتخذت الحكومة (الكاتالونية) كل التدابير ليتم كل شيء في شكل طبيعي”، داعيا الكاتالونيين إلى تجنب أي أعمال عنف، لكنه دعا في المقابل إلى وساطة في الأزمة مع مدريد، مبديا استعداده للتخلي عن الاستفتاء الراهن إذا وافقت حكومة المحافظ ماريانو راخوي على بدء مفاوضات تتيح في النهاية إجراء استفتاء قانوني، وقال “إذا قالت الدولة الإسبانية فلنتفق على استفتاء سنوقف هذا الاستفتاء. نعم بالتأكيد، إنه المسار الذي يأمله جميع الكاتالونيين”، مؤكدا إنهاء كل التحضيرات للاستفتاء الذي تسعى مدريد إلى منعه باي ثمن.
وتحول الخلاف المرتبط بالاستفتاء بين الحكومة المركزية والمسؤولين الكاتالونيين إلى واحدة من أكبر الأزمات التي تشهدها إسبانيا منذ عودة الديموقراطية إليها بعد وفاة الديكتاتور فرانشيسكو فرانكو في 1975.
وعلى الضفة الأخرى، تظاهر الآلاف في مدن إسبانيا الرئيسية مدريد وبرشلونة واشبيلية وسانتاندير وفالنسيا وأليكانتي وملقة، دعماً لوحدة إسبانيا.
دعوة إلى الحفاظ على السلم
ودعا القادة الكاتالونيون الانفصاليون ومنظمو “لجان حماية الاستفتاء” الجميع إلى المحافظة على سلمية التحرك. ولكنْ في إحدى الحوادث التي وقعت، أطلق شخص أعيرة من بندقية خردق مساء الجمعة على مجموعة من الأشخاص كانوا يقفون أمام مدرسة ثانوية احتلها الناشطون في بلدة مانولو الكاتالونية، ما أدى إلى إصابة ثلاثة أشخاص بجروح طفيفة، حسب الشرطة.
وأثار الاستفتاء الانقسامات كذلك بين الكاتالونيين أنفسهم، وإن كانت غالبية كبيرة منهم ترغب في تسوية المسألة عبر تصويت قانوني. وأمرت السلطات في مدريد الشرطة بضمان عدم السماح بالإدلاء بأية أصوات في الاستفتاء، الذي اعتبره القضاء غير دستوري.
ومنذ أيام تصادر الشرطة مواد خاصة بالاستفتاء، مثل أوراق الاقتراع، فيما أمر المدّعون بإغلاق مواقع إنترنت مرتبطة بالاستفتاء واعتقال أعضاء رئيسيين من الفريق المنظم للعملية. ولكن مؤيدي التصويت بدؤوا تحركهم كذلك. ويوم الجمعة، جالت جرّافات شوارع برشلونة وبعضها رفع راية “أستيلادا”، علم الانفصاليين المقلم بالأحمر والأصفر مع نجمة بيضاء على مثلث أزرق. وقد تعهّد سائقو الجرافات وعناصر الإطفاء بحماية مراكز الاقتراع.
التحرك سيستمر
تعهد كارلس رييرا، وهو نائب في برلمان الإقليم عن حزب “ترشيح الوحدة الشعبية” المتشدد، والذي يشكل جزءا من تحالف كاتالونيا الانفصالي، بأن يستمر التحرك بعد استفتاء الأحد في حال صوتت الغالبية بـ”نعم” وعارضت مدريد النتيجة، وهو السيناريو الأرجح. وقال للصحافيين “نحن في عملية تحرك شعبي يتوقع أن تستمر لمدة”. وأضاف “هذه موجة ديموقراطية، سيكون على هذا التنظيم الذاتي بمستواه الحالي أن يستمر لفترة طويلة للدفاع عن الجمهورية”.
ويوم الجمعة، أفاد بيان صادر عن وزارة التعليم الإسبانية بأن مدراء المدارس في كاتالونيا “ليسوا معفيين من المسؤولية” إذا تعاونوا وسمحوا بفتح مدارسهم من أجل الاقتراع. وابتكرت بعض المدارس وسائل للتحايل على الأوامر بعدم السماح باستخدام الأماكن العامة للاستفتاء عبر تنظيم أنشطة ترفيهية للأطفال طوال عطلة نهاية الأسبوع.. ولم يتضح كيف يمكن للناس الدخول إلى المدارس المغلقة الأحد للإدلاء بأصواتهم، حتى ولو كانت مشغولة.
ومن جهتها، حذرت قوة الشرطة الكاتالونية من خطر “الإخلال بالنظام العام” في حال جرت جهود لمنع الناس من الإدلاء يأصواتهم. أما مدريد فقد أرسلت الآلاف من عناصر الشرطة الإضافيين من قوات أخرى إلى كاتالونيا، الإقليم الذي يساهم بخُمس اقتصاد إسبانيا لمنع إجراء الاستفتاء. وكان نائب رئيس إقليم كاتالونيا، أوريول جونكيراس، قد أشار إلى وجود بدائل أخرى تسمح للمواطنين بالتصويت دون تحديدها.