إعداد- عماد مجدوبي
قبل الاستعمار الفرنسي شهد المغرب فترة حكم السلطانين المولى الحسن الأول والمولى عبد العزيز والتي امتدت من سنة 1860 الى 1912 . تلك فترة حرفت أحداث تمرد من القبائل دفعت السلطان للتحرك المتواصل عبر محلاته,وهي التسمية التي اطلقت حينها على الجيش السلطاني.
تلك الفترة دون فصولا منها الطبيب الفرنسي لويس أرنو Louis Arnaud استنادا الى رواية شفوية للحاج سالم العبدي أحد قادة الجيش البخاري السلطاني (توفي 8 أبريل 1938 بالرباط)، وأصدر كتابا حولها سماه: زمن «لمحلات» أو المغرب ما بين 1860 و1912 .(Au temps des «mehallas»- ou Le Maroc de 1860 à 1912). وسنقتبس اهم لحظاتها طيلة شهر رمضان الكريم .
الجزء السابع/الحسن الأول يتولى الحكم ويشيد أول معمل للسلاح
بعدما تولى الحسن الأول الحكم خلفا لأبيه محمد الرابع بن عبد الرحمن (1859-1873) حاول أن يجعل الحكم مركزيا وأن يبسط سلطة الدولة على كل القبائل دون تمييز. وتمكّن من تحديث الجيش، لكن الإصلاحات الأخرى لم تتم للنهاية بسبب تمرد بعض القبائل. ويرجع السبب في عدم تحقيق كل الإصلاحات وبسط سلطة الدولة إلى سياسة التقشف التي اتبعها أول لكي لا يُغرق المغرب في الديون ويفتح الباب على مصراعيه للتدخل الأجنبي، الذي أدى في ذلك الوقت إلى التحكم المالي للأوروبيين في كل من تونس ومصر آنداك.
تمكن الحسن من صد الأطماع المتزايدة للأوروبيين في بلاده. وهكذا في مؤتمر مدريد 1880 تم الاعتراف بعدم تبعية المغرب لأية قوة أجنبية، بالمقابل حصلت 13 دولة أجنبية على امتيازات مفرطة. ورغم ذلك حاولت كل من فرنسا وبريطانيا فرض الحماية على المغرب لكنهما لم تتمكنا من ذلك للمعارضة التي لقيانها من الدول الأوروبية الأخرى خاصة ألمانيا، إسبانيا والبرتغال
توفي الحسن الأول فجأة سنة 1894 خلال حملة للمخزن لبسط سلطة الدولة على بعض القبائل الثائرة بجبال الأطلس.على مقربة من «وادي العبيد، من أرض تادلا»وخلفا له، تولى ابنه مولاي عبد العزيز حُكم المغرب (1894-1908).
بالنسبة لصاحب الرواية سالم العبدي “لم يكن سيدي محمد يولي أهمية لمسألة التسليح، ولم يقم بأي مجهود لتطوير هذا القطاع، في حين أن ابنه مولاي الحسن الذي تولى العرش بعده هو من قام ببناء معمل للأسلحة بفاس، وذلك من أجل صنع المدافع والبنادق والعتاد (سنة 1886 م). وكان المعمل يسمى «الماكينة»، وشيد في المشور القديم بين باب السكمة وباب الدكاكين، حيث تشتغل عدة آلات تحت إشراف خبراء إيطاليين تم إحضارهم لتنفيذ هذه المهمة. (تصادف ذلك مع افتتاح سفارة إيطاليا بالمغرب سنة 1875 أي حوالي سنتين من اعتلاء الحسن الأول العرش شتنبر 1873).
وفي هذا المعمل يتم صنع الرصاص والمدافع والبنادق، كما تصك بها أيضا النقود (الدورو)، التي تلعب دورا أساسيا في الحرب. لقد كانت الأشياء الجديدة تواجه بعراقيل تحول دون انتشارها في المغرب، فمن أجل صنع سلاح واحد كان لابد من «ماكينات» أي مصانع عديدة.
وإلى حدود عهد مولاي عبد العزيز كان البارود يعطى للجنود في علب الورق، ولا زالت هناك بنادق قديمة لا نريد إتلافها، كما أن هناك أعدادا مهمة من البنادق العادية والخفيفة العصرية من نوع «غراي» و«مارتيني هنري» و«ونشستر» و«موسير» وزعت بشكل عشوائي. هذا التنوع في الأسلحة يفرض بالمقابل تنوعا في العتاد، ولأن العتاد الخاص كان غير كاف، فإن البعض يفضل الاستعانة ببنادق آبائه التي كانت تطلق طلقات لا بأس بها، لكن بمعدل طلقة واحدة فقط مقابل عشر طلقات بنادقكم (يقصد المقارنة بين نوعية السلام لدى المغاربة وغيرهم من الفرنسيين أو الإسبان).
أما فيما يخص تغذية هذا العدد الهائل من الرجال والبهائم من خيول وبغال، فلم يكن هناك مورد قار للمؤونة، أو مخازن معدة من قبل. فعندما كنا نعبر إحدى القبائل الخاضعة للمخزن فإنه يفرض عليها تقديم المؤونة. أما إذا عبرنا منطقة عدو أو قبيلة ثائرة (يقصد القبائل غير الخاضعة لنفوذ السلطان) فإن كل جندي ينهب ما يستطيع من قطعان الأغنام والدجاج ومخازن الحبوب التي يصادفونها في الطريق.
وغالبا ما تمر «محلة» السلطان بأراضي القبائل الخاضعة، أحيانا مرتين أو ثلاث في السنة، وبذلك يتحمل الفقراء على عاتقهم ثقل المخزن الذي ينهكهم، وكانوا يمدونه إضافة إلى ذلك بالعسكر أو المسخرين أو النقود أو وحدات الجنود غير النظامية. كما كان عليها أيضا تغذية آلاف الرجال طيلة مدة إقامتهم على منطقة نفوذها الترابي، مما جعل القبائل البعيدة تفضل العصيان والانضمام إلى بلاد السيبة. لهذا تحدث حروب بين الفينة والأخرى، مما يخلف مشاكل مستعصية تجلب الخسائر للطرف المنهزم، الذي يقبل الخضوع مؤقتا، لكنها أهون وأقل كلفة من ضرائب المخزن.
يتبع..
مراجع معتمدة :
• Louis Arnaud،.(Au temps des «mehallas»- de 1860 à 1912). ou Le Maroc
* محمد بن عمر / ترجمة «زمن المحلات أو الجيش السلطاني ما بين 1860 و1912» لمؤلفه «لويس أرنو» (الطبعة الأولى – 2002، الناشر: أفريقيا الشرق – الدارالبيضاء / بيروت)
*^الناصري: الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، دار الكتاب، الدار البيضاء، 1997، الجزء 9، ص 207
* مجلة دعوة الحق. عدد 116 و96.
“* مؤلف جماعي “المغرب زمن السلطان المولى الحسن الأول (1873-1894 ، إشراف عبد القادر سبيل وإبراهيم أزوغ. منشورات كلية اللغات والفنون والعلوم الإنسانية التابعة لجامعة الحسن الأول بسطات
• جان مارى شيفير: “المغرب في عهد السلطان الحسن الأول 1989م