إعداد- عماد مجدوبي
قبل الاستعمار الفرنسي شهد المغرب فترة حكم السلطانين المولى الحسن الأول والمولى عبد العزيز والتي امتدت من سنة 1860 الى 1912 . تلك فترة حرفت أحداث تمرد من القبائل دفعت السلطان للتحرك المتواصل عبر محلاته,وهي التسمية التي اطلقت حينها على الجيش السلطاني.
تلك الفترة دون فصولا منها الطبيب الفرنسي لويس أرنو Louis Arnaud استنادا الى رواية شفوية للحاج سالم العبدي أحد قادة الجيش البخاري السلطاني (توفي 8 أبريل 1938 بالرباط)، وأصدر كتابا حولها سماه: زمن «لمحلات» أو المغرب ما بين 1860 و1912 .(Au temps des «mehallas»- ou Le Maroc de 1860 à 1912). وسنقتبس اهم لحظاتها طيلة شهر رمضان الكريم .
الحلقة الرابعة عشرة /بوعزة : متمرد جديد ضواحي تازة
مباشرة بعد تهدئة فاس, وصلت أخبار الى السلطان عن متمرد جديد يدعي أنه ساحر, وكثر الحديث عنه في نواحي تازة، حيث هاجم فرسانا يدعون أنهم أتباع بوعزة من قبيلة أولاد الحاج سبو.
وكان السلطان لا ينتظر إلا الفرصة المواتية للخروج إلى هذا المتمرد، وهكذا حمل «الفراك» إلى معسكر قنطرة سبو تاركا وراه أعدادا كافية لحراسة المدينة، وانطلقت «المحلة» للبحث عن بوعزة هذا شهر (شتنبر )1874.
لقد كان الحاج منو يتوفر على مخبرين في كل مكان تقريبا في طنجة كما في سوس، وقد علم من أحدهم أن هذا المتمرد قد اختبأ لدى أحد أتباعه من أيت سادن الذين أعطوه الأمان والحماية، وهكذا اجتحاح عسكر السلطان المنطقة تحت مناوشات قليلة دون أن تكون لها أهمية تذكر. فسلبت ونهبت لكن دون أن يتم العثور عن المبحوث عنه، ثم إن قبائل بني سادن كانوا سيسلمونه إن كان عندهم فعلا.
وحسب سالم العبدي صاحب هذه الرواية’ قيل لهم إنه موجود عند أيت سغروشن، فانطلقوا إليهم، لكن أولئك الرجال كانوا لا يدعونهم يجتاحون أراضيهم ومزارعهم دون مقاومة. وتتبعوا مكان تواجد المتمرد بوعزة عبر بني وراين إلى حدود غياتة وهناك فقد أثره.
في الوقت الذي كان السلطان يعسكر بمحلته أمام مدينة تازة ويستقبل هدايا قبائل المنطقة، بدأ التساؤل هل ذهب هذا المختفي بوعزة إلى الريف أم إلى الجنوب بالصحراء أو اختفى بجبال بني وراين؟.
كان هذا الاختفاء المفاجىء لهذا المتمرد فرصة لتناسل الشائعات بين الجنود حول كونه ساحرا. وفجأة وصل خبر بأنه يتواجد عند قبائل هوارة وادي مسون بالقرب من تازة، حيث تخلى عنه هؤلاء بكل تلقائية، وكان من حمل الخبر إلى المعسكر هو أحد مخبري الحاج منو، الذي يتوفر على مخبرين في كافة أرجاء البلاد..
وكان قد دخل هذا الذي يدعي السحر والشعوذة إلى السوق ليقول للناس:
أنا هو بوعزة الهبري، لست خائفا من سلطانكم الجديد مولاي الحسن المعسكر الآن مع بعض من جنوده قرب تازة. فمن حيث الجنود فأنا أتوفر على عدد أكبر منه، أخرجهم متى أشاء خاصة أنني أخرجهم من الأرض لقيادتهم، أترون جلد الخروف هذا المطروح على الأرض فإن تحته أسلحتي، وسترون ذلك.
ثم رفع الجلد بهدوء، وقال :
إذا انظروا أيها الجاحدون، هؤلاء هم مشاتي، وهؤلاء هم جنودي، وهنا كل مدافعي، فما علي سوى إعطاء إشارة إلى هذه الحلقة لإخراج كل هذه الفرق وقصف الأفواج الشريفة، لكن لا أريد بالسلطان شرا، فليقم بواجبه، وليتركني أقوم بمهامي، وأحتفظ بجنودي لحروب أكثر قداسة، وأقول لكم يا هوارة، الذين ينصتون إلي، أنا مؤيد للقيام بالجهاد.
ولم ير من كان يحيط بالرجال سوى حجارة حول جلد الخروف، فنظر بعضهم إلى بعض مستغربين من هذا الرجل التي يتوهم الخرافات، ثم قال له أحد الرعاة الأذكياء:
– ألا ترون يا أهل هوارة، أيها الرجال البسطاء الصرحاء أن هذا الرجل يخدعكم بقوله أنه ولي، وفي الواقع انه ليس كذلك، ولو كان بإمكانه ذلك لكان وجوده في قبيلة ما يكفيها من كل خطر وشر، والحال أنه كان بين ظهراني أيت سادن وأيت سغروشن وبني وراين وعند آخرين، وتعلمون ما جنوا منه، فقد نهبت كل تلك القبائل، وأتلفت محاصيلها، وبيعت نساؤهم وأصبح أطفالهم عبيدا للقبائل المجاورة، وهاهم الآن يبحثون عن الخبز, وعليهم العمل أكثر لتسديد ديونهم وضرائبهم. هذا هو المصير الذي ينتظركم، فاذا أردتم ألا تواجهوا نفس المصير ويحل بكم ما حل بغيركم، فخذوه ثم اذهبوا به إلى السلطان، وعندها سنعرف هل هو ولي حقيقية أم لا؟
وفعلا هذا ما حدث.
وقد ذهب القائد الشافعي المسكيني والحاج منو مع جنودهم إلى هوارة، لكنهم صادفوا في الطريق موكب هوارة رفقة أسيرهم، فعاد الجنود إلى المحلة، وكان السلطان في «سيوانه» مع وزيره الأول وقائد المشور عندما أدخل عليه بوعزة الهبري.
خر هذا الأخير ساجدا واضعا جبهته أرضا مستمعا إلى السلطان وهو يردد:
– أنت هو بوعزة الذي كلموني عنه، فماذا تقوم به ضدي. فأجاب الرجل وهو في نفس الوضعية دوما:
– – الله وحده يعلم، هذا هو قدر الله. والآن أنا في حمايتك، فلا تقتلني.
– أجابه السلطان: لا تخف، فقد أقسمت أن لا أقتل أحدا أبدا.
– وبعد تقييده والطواف به على ظهر جمل على معسكر، اقتيد أسيرا إلى مدينة فاس، وكانت تلك نهايته.
يتبع..
مراجع معتمدة :
• Louis Arnaud،.(Au temps des «mehallas»- de 1860 à 1912). ou Le Maroc
* محمد بن عمر / ترجمة «زمن المحلات أو الجيش السلطاني ما بين 1860 و1912» لمؤلفه «لويس أرنو» (الطبعة الأولى – 2002، الناشر: أفريقيا الشرق – الدارالبيضاء / بيروت)
*^الناصري: الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، دار الكتاب، الدار البيضاء، 1997، الجزء 9، ص 207
* مجلة دعوة الحق. عدد 116 و96.
“* مؤلف جماعي “المغرب زمن السلطان المولى الحسن الأول (1873-1894 ، إشراف عبد القادر سبيل وإبراهيم أزوغ. منشورات كلية اللغات والفنون والعلوم الإنسانية التابعة لجامعة الحسن الأول بسطات
• جان مارى شيفير: “المغرب في عهد السلطان الحسن الأول 1989م