إعداد- عماد مجدوبي
قبل الاستعمار الفرنسي شهد المغرب فترة حكم السلطانين المولى الحسن الأول والمولى عبد العزيز والتي امتدت من سنة 1860 الى 1912 . تلك فترة حرفت أحداث تمرد من القبائل دفعت السلطان للتحرك المتواصل عبر محلاته,وهي التسمية التي اطلقت حينها على الجيش السلطاني.
تلك الفترة دون فصولا منها الطبيب الفرنسي لويس أرنو Louis Arnaud استنادا الى رواية شفوية للحاج سالم العبدي أحد قادة الجيش البخاري السلطاني (توفي 8 أبريل 1938 بالرباط)، وأصدر كتابا حولها سماه: زمن «لمحلات» أو المغرب ما بين 1860 و1912 .(Au temps des «mehallas»- ou Le Maroc de 1860 à 1912). وسنقتبس اهم لحظاتها طيلة شهر رمضان الكريم .
الحلقة الخامسة عشرة /مولاي الحسن يبسط سلطته على المدن
اتجهت المحلة السلطانية الى الشرق. وبعد استراحة في طريق وجدة، حيث عين مولاي الحسن عدة قياد جدد منهم الحاج البشير بن مسعود على بني يزناسن، وحمو لبوزكاوي على بني بوزكو والسهالي على مهاية.
اتجه الموكب نحو قصبة سلون لقضاء شهر رمضان، وبعد ذلك عاد نحو مدينة فاس، لكن برد هذا الشتاء (1874-1875) قاس جدا، حيث كانت الأمطار والرياح والأوحال تعرقل مسيرة المحلة، مما تسبب في وفاة الكثيرين، وكان قد انتشر المرض في صفوف الجنود على طول الطريق، فانتاب السلطان مولاي الحسن قلق كبير، حيث كان يحمل ويتفقد المرضى، ويأمر جنوده بإمداد المرضى المتعبين خيولهم، لكن الرياح كانت قوية حتى إنه “لم نعد نعرف أي أحد في الأرياف ويبدو أن الناس كلهم ماتوا” يقول العبدي متحدثا للطبيب الفرنسي أرنو لويس. وبعد هذه الأضرار كلها دخلت المحلة أخيرا فاس، بعد أن فقدت الكثير من الرجال.
وقد كان على المحلة أن تمكث هناك حتى شهر أكتوبر 1875، وفي فصل الربيع بدأت بعض الحملات الاستطلاعية، وأرسلت تجريدة من المحلة بقيادة مولاي علي، أخ السلطان، إلى ضواحي بني يزناسن حيث كانوا يحاولون مع قائدهم الجديد البشير بنمسعود الانفصال وعدم الاعتراف بالمخزن الذي تربى في أحضانه، وقد دعمت هذه التجريدة بجنود تازة بقيادة بوزيد الزراري الذي انهزم وتراجع دون نتيجة تذكر. أما السلطان فقد كان يتابع تقدم جنوده مؤخرا البت في هذه المشكلة إلى وقت لاحق.
وبعد إخضاع السلطان عدد من القبائل لسطلته وإنهاء تمرداتها، ستتحرك المحلة إلى منطقة تانسيفت والمدن الساحلية.
قبل ذلك كان القائد أحمد بن مالك بمراكش، قد شكل وحدتين صغيرتين ضد قصبة تنمل، حيث كان يعيش سي عبد الله بن محمد الكندافي الذي لم يكن سوى شخصية عادية، وهو ما تم من طرف أهالي الجبال، وقد أجل السلطان النظر في هذا المشكل إلى حين إقامته بالجنوب.
غادرت المحلة مدينة فاس مرورا بالرباط وصولا إلى مراكش دون أية مشاكل تذكر ودون عمليات حربية كبيرة، باستثناء إخضاع بعض الفرق الفوضوية من الرحامنة وأولاد ابن أبي السباع.
وعند استقبال السلطان للكندافي اقتنع بأن تلك الاضطرابات ليست سوى منافسة وصراع بين هذا الأخير والقائد أحمد بن مالك أكثر منها تمردا على المخزن. وأمام إعجابه وتقديره لهدايا أهل الجبال، قرر أن يكون الكندافي حاكما للسلطان على كل كندافة.
وأثناء إقامته بمراكش، تابع السلطان بجدية وباهتمام الإصلاحات في صفوف جيشه، حيث عزز مدفعيته بـ22 مدفع جبلي من مختلف الأحجام و14 رشاشة، وملأ الفراغ في صفوف جنوده، كما طالب بوحدات جديدة للتقوية حتى وصل جنوده في الأوقات العادية إلى 20000 جندي.
وللرجوع إلى فاس (ربيع 1876)، عمل السلطان على استدعاء وحداث جديدة من عبدة ودكالة والرحامنة والحوز. وبعد جمع أطراف هذه المحلة القوية، قرر المرور عبر المدن الساحلية، وهكذا زار الجديدة التي يطلق عليها أنتم «مازيغن»، وتفقد القصبة التي تحرس مداخل البحر، كما أطلقت المدافع بالميناء، ثم بعد ذلك انطلق نحو أزمور المتواجدة على مصب نهر أم الربيع، ثم انتقل إلى مدينة الدار البيضاء، حيث أعطى تعليماته بتأسيس سرية مدفعية ومخبأ للموانئ، ثم بعد ذلك الى الرباط حيث أخد الجميع قسطا من الراحة.
وكان السلطان قد نزل مدة قصيرة بأكدال، وأخيرا وصل فاس عبر سلا ومكناس، وخلال مروره بالمدن الساحلية أكد المخزن أنه قوي فعلا، كما يتضح من خلال اتخاذ السلطان جميع الاحتياطات لتقوية وسائل الدفاع على الموانئ.
وفي هذه الأثناء اندلعت فوضى جديدة بضواحي مدينة وجدة، وغادرت فرقة حربية فاس بقيادة مولاي بوعرفة أخ السلطان لمساندة باشا وجدة عبد الرحمان بن الشليح، الذي وصلت صراعاته مع قائد بني يزناسن البشير بنمسعود إلى جر القبيلة إلى التمرد والعصيان، إلا أن رجال البشير قد هزموا فرقة الشريف مولاي عرفة، حيث نهبوا معسكرا وجرحوا مولاي بوعرفة في خده. فوصلت أصداء هذا الحادث المفزع إلى فاس، فقلق السلطان جدا من الهزائم المتواصلة أمام البشير هذا، ورفض أن يرى جنوده المنهزمين والعائدين للاحتماء بضريح مولاي إدريس.
تم استدعاء باشا وجدة المسؤول الأول عن هذه الهزيمة، وحضر اللقاء السلطاني مطأطأ الرأس، وقال للسلطان الذي وبخه بسبب أخطائه القيادية المتختلفة:
– كل ما قلتموه، سيدي، صحيح، وأريد لو حلقتم لحيتي عقابا لي.
– لماذا؟. أجاب السلطان
– لأنه لولاي لما كانت هذه المصيبة، كما أطلب منكم سيدي العفو، ومراجعة السجلات لمعرفة مصاريف ونفقات هذه المحلة التعيسة.
– وبعد مراجعة السجلات وتقويم كل النفقات منذ الانطلاق من فاس، قيل لعبد الرحمان (بن الشليح).
– لقد أنفق أكثر من 50000 دورو مثلا.
وللاحتفاظ بمكانته أعطى الباشا ضعف المبلغ، فأنعم عليه بالأمان بالمقابل، وهكذا استطاع القياد والمذنبون مغادرة ضريح مولاي إدريس، حيث ظلوا مختبئين خوفا من قطع رؤوسهم، إلا أنهم وضحوا موقفهم بما يلي:
– ليس علينا أي ذنب، سيدنا، فقد سحقنا أمام كثرة العدو، فلم نكن سوى 8000 ضد 60000 من بني يزناسن، فكيف كنا سنتعامل مع الوضعية غير المتكافئة، فلم يبق إذا سوى الفرار والإفلات بأرواحنا، وها نحن الآن أمامكم.
فقرر السلطان العفو عنهم، لأنه كان يعرف أنهم محاربون أقوياء، ولكن لم يكن من طباع مولاي الحسن أن يبقى هادئا من وقع هزيمته، فقد كان دائما متأهبا، وهكذا قرر الخروج إلى بني يزناسن رغم فصل الشتاء ومشاكل التموين.
يتبع..
مراجع معتمدة :
• Louis Arnaud،.(Au temps des «mehallas»- de 1860 à 1912). ou Le Maroc
* محمد بن عمر / ترجمة «زمن المحلات أو الجيش السلطاني ما بين 1860 و1912» لمؤلفه «لويس أرنو» (الطبعة الأولى – 2002، الناشر: أفريقيا الشرق – الدارالبيضاء / بيروت)
*^الناصري: الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، دار الكتاب، الدار البيضاء، 1997، الجزء 9، ص 207
* مجلة دعوة الحق. عدد 116 و96.
“* مؤلف جماعي “المغرب زمن السلطان المولى الحسن الأول (1873-1894 ، إشراف عبد القادر سبيل وإبراهيم أزوغ. منشورات كلية اللغات والفنون والعلوم الإنسانية التابعة لجامعة الحسن الأول بسطات
• جان مارى شيفير: “المغرب في عهد السلطان الحسن الأول 1989م