إعداد-عماد مجدوبي
قبل الاستعمار الفرنسي شهد المغرب فترة حكم السلطانين المولى الحسن الأول والمولى عبد العزيز والتي امتدت من سنة 1860 الى 1912 . تلك فترة حرفت أحداث تمرد من القبائل دفعت السلطان للتحرك المتواصل عبر محلاته,وهي التسمية التي اطلقت حينها على الجيش السلطاني.
تلك الفترة دون فصولا منها الطبيب الفرنسي لويس أرنو Louis Arnaud استنادا الى رواية شفوية للحاج سالم العبدي أحد قادة الجيش البخاري السلطاني (توفي 8 أبريل 1938 بالرباط)، وأصدر كتابا حولها سماه: زمن «لمحلات» أو المغرب ما بين 1860 و1912 .(Au temps des «mehallas»- ou Le Maroc de 1860 à 1912). وسنقتبس اهم لحظاتها طيلة شهر رمضان الكريم .
الحلقة الواحدة والعشرون/ نهاية السلطان مولاي الحسن
توالت الأحداث في سنوات تولية مولاي الحسن العرش, واضطر لإقالة عدد من القياد بمختلف ربوع المملكة, وقام بتعيين آخرين أشداء قادرين على التحكم في قبائلهم. كل ذلك بعد تهدئة عدد من القبائل المتمردة.
في هذا الصدد , قام السلطان مولاي الحسن بإقالة مولاي امحمد من منصبه كخليفة على مراكش، ونزع عنه موظفيه وخيوله وعبيده مؤاخذا إياه بارتكاب أخطاء جسيمة في تسيير العمليات الحربية وفتور في القيام بالشعائر الدينية. وأعطاه دار مولاي الزين إقامة له، وعين له فقيها يعنى بشؤونه، وقد كان الابن الأصغر مولاي عبد العزيز محط اهتمام وعناية كبيرين، لكنه لا زال طفلا ولا يمكنه ممارسة مهام الخليفة، وتم تعيين أخيه مولاي عثمان خليفة على مراكش من جديد.
وخلال هذه الفترة (دجنبر 1895) كان قد وصل سفير إسباني إلى مراكش، فقد كانت هناك مواجهات في مليلية بين الإسبان وساكنة الريف، عندما كان السلطان في تافيلالت، والسبب أن أهل الريف انزعجوا من بنايات النصارى قرب أضرحة أوليائهم، حيث كانوا يهدمونها ويعيدون بناءها بذريعة أن السلطان هو من منحهم الحق في التصرف في هذه الأراضي.
وكان السلطان قد وافق على دفع أربعة ملايين دورو من أجل التوصل إلى اتفاق سلام مع الإسبانيين، لكنهم طلبوا عكس ذلك بستة ملايين دورو، فقد كان يحس أن ليس له من القوة ما يستطيع به مواجهة الإسبان، وهكذا مر فصل الشتاء بمراكش، وطاردته خلالها لعنة المرض عدة مرات.
ومع حلول فصل الربيع، بدأ الاستعداد للعودة إلى فاس، لكن السلطان الذي لم ينس أيت شخمان، وقرر مواجهتهم. فنظم حركتان. الأولى سارت على الطريق المعتاد بقيادة ابنه مولاي عبد العزيز، والثانية وصلت إلى تادلة بقيادته.
وها هو الأمير الصغير يقود حركته (17 ماي 1894). كان شابا وسيما لا يتجاوز عمره حينها 13 سنة، ويمتطي جوادا هادئا تحت مظلة كسلطان. وبالقرب منه يوجد سي محمد الأمراني النابغة المكلف بتربيته، وزوج أخت مولاي الحسن، وقائد المشور بلقاسم احليلي، وإلى جانبهم وزيره الأكبر سي العربي المنيعي، وهو مثقف وعالم مات بسبب استنشاق غاز الفحم. إنه بالفعل قصر صغير يتحرك مع الأمير الصبي.
كان الناس يتزاحمون خلف أبواب المدينة لرؤية الموكب، حتى إنه كان يقال إن الأمير الصغير يشبه مولاي الحسن في كل صفاته، وأنه سيكون دوره تماما كما يخلف الربيع فصل الشتاء، حاملا بين يديه الصغيرتين الورود والرفاهية للعرش.
وقبل الانطلاق، كان أباه قد ألبسه بذلة عسكرية لا يستطيع خلعها، ورافقه المخزن طويلا في البادية ولم يغادرها إلا كرها. وكان على مولاي عبد العزيز أن يصل إلى الرباط دون توقف، وهناك سيقيم لأيام في انتظاره والده السلطان.
وبعد مرور مدة عن هذه الانطلاقة التي أحزنت الجميع، ترأس مولاي الحسن رغم مرضه وبعد مغادرته مراكش في 22 ماي 1894، حركة أخرى رفقة كل خدم القصر. فقد كان يرغب في أن ينكل ويهزم أيت شخمان قتلة مولاي سرور.
وهكذا انطلقت المحلة عبر زاوية بن ساسي وتاملالت الجديد حيث زار السلطان ضريح سيدي رحال، و«لكناتر» بالسراغنة ووادي تساوت وجمعة نتيفة وطابيا على وادي العبيد، ودار ولد زيدوح على ضفاف نهر أم الربيع.
واشتد المرض على مولاي الحسن بمجرد وصوله إلى المنطقة، فبعد صلاة الصبح كان السلطان يجد صعوبة بالغة في الدخول الى خيمته، وهكذا فرشت الزرابي والأفرشة بسرعة حتى يتمكن من الاستراحة أكثر، وقد كان على المحلة أن تبقى تسعة أيام بدار ولد زيدوح دون تحرك.
وسارع الحاجب سي احمد بن موسى المعروف أكثر ب باحماد ليقول له:
– ما بك سيدي؟ آه إنك متعب كثيرا، ولن تستطيع إتمام الحركة، ومن الأفضل أن نعود إلى مراكش، وأن يكلف محمد الصغير بإتمام العمليات التي خططت لها.
فرد السلطان:
-مزيان، كنت أظنك رجلا خدوما، لكن تبين لي أنني كنت مخطئا، كيف؟ فإذا كان جدي سيدي محمد بن عبد الله دفين الرباط رحمه الله قد توفي بتادلة، تريد أن يرجع حفيده الأصغر إلى مراكش، فلابد أن أذهب إلى الرباط ولن أعود الى مراكش ولو كلفني ذلك حياتي، فلن نغير شيئا من قدر الله.
وبعد أن استعاد نفسه بصعوبة بالغة، قبض على صدره لأنه جانبه كان يتمزق ألما، وقال بصوت منخفض:
– آه مولاي بعد العزيز
فصرخ باحماد مذعورا: ما بك سيدي؟
أجابه: أحس بألم شديد، وأحب أن يكون مولاي عبد العزيز بجانبي في هذه اللحظة بدل أن ينتظرني بالرباط.
فقال له باحماد: فما يخيفك سيدنا؟
أجابه السلطان: لا أخاف شيئا، لكن قد أموت بين الفينة والأخرى، ولا أعلم هل سأصبح غدا أم لا.
وعند سماعه هذه الكلمات، بكى باحماد، وانحنى على رجلي مولاي الحسن فقبل قدميه، وقال له:
– الله يحفظ سيدنا، وأذهب الله عنك الألم الذي تعاني منه، ودعواتي لك بالصحة وطول العمر.
ثم ساد الصمت مدة طويلة كان فيه السلطان يعاني من آلامه، ثم قال:
– ماذا تريد أباحماد المسكين؟ فلا أستطيع فعل أي شيء لا أنا ولا أنت.
فقال الحاجب: إذا كانت الأعمار بيد الله سبحانه وتعالى، فإننا نتمنى من الله عز وجل أن يؤخرها بعض الشيء، وإذا كان مولانا السلطان يرغب في أن يصبح مولاي عبد العزيز سلطانا مكانه، فهذا أمر سهل، فكل شيء جاهز.
يتبع..
مراجع معتمدة :
• Louis Arnaud،.(Au temps des «mehallas»- de 1860 à 1912). ou Le Maroc
* محمد بن عمر / ترجمة «زمن المحلات أو الجيش السلطاني ما بين 1860 و1912» لمؤلفه «لويس أرنو» (الطبعة الأولى – 2002، الناشر: أفريقيا الشرق – الدارالبيضاء / بيروت)
*^الناصري: الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، دار الكتاب، الدار البيضاء، 1997، الجزء 9، ص 207
* مجلة دعوة الحق. عدد 116 و96.
“* مؤلف جماعي “المغرب زمن السلطان المولى الحسن الأول (1873-1894 ، إشراف عبد القادر سبيل وإبراهيم أزوغ. منشورات كلية اللغات والفنون والعلوم الإنسانية التابعة لجامعة الحسن الأول بسطات
• جان مارى شيفير: “المغرب في عهد السلطان الحسن الأول 1989م