إعداد-عماد مجدوبي
قبل الاستعمار الفرنسي شهد المغرب فترة حكم السلطانين المولى الحسن الأول والمولى عبد العزيز والتي امتدت من سنة 1860 الى 1912 . تلك فترة حرفت أحداث تمرد من القبائل دفعت السلطان للتحرك المتواصل عبر محلاته,وهي التسمية التي اطلقت حينها على الجيش السلطاني.
تلك الفترة دون فصولا منها الطبيب الفرنسي لويس أرنو Louis Arnaud استنادا الى رواية شفوية للحاج سالم العبدي أحد قادة الجيش البخاري السلطاني (توفي 8 أبريل 1938 بالرباط)، وأصدر كتابا حولها سماه: زمن «لمحلات» أو المغرب ما بين 1860 و1912 .(Au temps des «mehallas»- ou Le Maroc de 1860 à 1912). وسنقتبس اهم لحظاتها طيلة شهر رمضان الكريم .
الحلقة العشرون / محلة السلطان تعود الى الجنوب
في طريق عودة محلة السلطان مولاي الحسن من سوس، ولد مولاي عبد العزيز ابن للا رقية وهي شركسية مفضلة السلطان، وكانت تلك مناسبة لإقامة حفلات وأفراح بمراكش حيث كان الكل مسرورا ومبتهجا.
وهكذا عمت الأفراح, وانتشرت الحفلات، وعندما انتهت الأمور كلها كما يجب، أخذت الأفواج العسكرية عطلة كاملة، وبحلول فضل الشتاء تواصلت عملية ترميم صفوف الوحدات العسكرية، وبحلول فصل الربيع في 20 ماي 1883 غادر السلطان والمخزن مدينة مراكش.
مرت المحلة بالطريق التي تعجب مولاي الحسن الآن، عبر تادلة حيث جاء آلاف الفرسان الزيانيين للسلام علي السلطان، لكن كان على المحلة، وهي تعبر بلاد «السماعلة» أن تخوض معارك ضد هؤلاء الأمازيغ المحتمين بقصباتهم، فحسمت المدفعية الموقف، لكن سقط في الساحة أكثر من 500 جثة بالمقابل، وقد كان هؤلاء الأمازيغ الذين يحمون نساءهم وأطفالهم وقطعانهم يستغلون حلول الليل للخروج من القصبة في اتجاه الجبال. وتم القيام بعد ذلك بغارة لبلاد زعير، وبعد شهر وصلت إلى مكناس أي أكتوبر 1883، وهناك قضى السلطان ومحلته فصل الشتاء كاملا.
وفي فصل الربيع، انطلقت نحو فاس عبر بني مطير، وانتهزت فرصة المرور بهذه الطريق لمحاربتهم كما جرت العادة بذلك، وقد كان السلطان يرغب هذه المرة في محاصرتهم بمحلته كسمكة في شبكة، لأنه ما إن تظهر وحدات جيش المخزن فوق أراضيهم إلا ويتفرقون بسرعة كفراخ الحجل.
لقد كان مولاي الحسن يريد القضاء عليهم تدريجيا، خاصة أنه لم تكن هناك فعلا حفلات هذه السنة تجعلهم يقدمون إلى المخزن ليأسر منهم 100 إلى 200 أسير.
وكان السلطان قد عين عليهم هذه المرة قيادا أقوياء لإخضاعهم والحد من تمرداتهم المتواصلة. فعين ولد مامة علي أبو عثمان، وشابون أيت غزالة، وولد تاراغت على أيت نامان. وكان السلطان عازما على سجن هؤلاء حين مجيئهم الضروري لتقديم الهدايا.
أقام السلطان قرابة السنة بمدينة فاس، ثم رجع إلى مراكش في غضون سنة 1885، وقرر إرسال حملة ثانية إلى منطقة سوس لأن العرب المعقليين قد تمردوا، ثم إن الإنجليز شيدوا بنايات تجارية على ساحل طرفاية وأركسيس، مما قد يزاحم نشاط ميناء «أساكا». وقد كان هؤلاء الإنجليز سواء ماكينزي بطرفاية أو كورطيس بأركسيس، يتعاملون مع شيوخ المنطقة، بمباركة وموافقة شريف زاوية تازروالت سيدي محمد أوهاشم.
نجحت هذه المحلة أكثر من الأولى، حيث يعرف بعض الأمناء والممونين المنطقة بشكل جيد، ولاحظوا أنه يمكن أن تصل المؤن بسهولة أكثر وأضمن، وكانت جميع مخازن سوس مملوءة بالحبوب، ثم إن تزنيت ذات الأبواب الستة محروسة أكثر فأكثر من قبل سبعة طوابير من المشاة.
وهكذا غادرت المحلة مراكش في اتجاه مدينة تزنيت (1886)، وانطلاقا منها نظمت فرقتان للقيام بغارات ضد آيت باعمران، الأولى سوف تمر عبر الخط الساحلي لحراسة الخيام والنساء والموكب، والثانية من الداخل بقيادة مولاي الحسن ليلتقيا مع في أركسيس.
كما قامت تجريدة من الجنود على الجمال، بقيادة سي علال المسفيوي والقائد مبارك بن الشليح بهدم كل بنايات ومحطات الأوروبيين التجارية، ولم يكن هناك أي رد فعل من الأجانب الذين فروا في اتجاه بواخرهم التي كانت راسية بالبحر، ثم نزلت المحلة بعد ذلك بواد نون حيث فعلت الشيء نفسه بالنسبة للمراكز السابقة لطرفاية، فلم تجد أمامها أي أوروبي، ولم تكن هناك أي مواجهات أو ضحايا قتلى. وقد كان لميناء «أساكا» أهمية خاصة، حيث تمركز به المخزن لتمر المبادلات التجارية في أحسن الأحوال دون وساطة الإسبان المجاورين.
أما بالنسبة للإنجليز الذين تم طردهم, فقد وضعوا في الميناء لتعويض خسائرهم التي لحقت بهم أثناء الهجوم، كما أخضعت أيضا تلك القبائل المتمردة بعد تراجع شريف تازروالت واجلاء المخزن للإنجليز وتدمير منشآتهم وقوة الميناء الجديد بمنطقة «أساكا».
كل هذه الأحداث جعلت المخزن يتقدم نحو واد نون ليدخل كلميم في استقبال بهيج، ثم رجع بعد ذلك إلى تزنيت، وليزور مسجد ماسة، ثم بلاد شتوكة الخاضعة لسيطرة قبائل هوارة نواحي تارودانت ثم وادي سوس، ثم ليحارب إداوتنان خاصة، ليدخل في الأخير إلى منطقة نفوذ قبيلة متوكة.
لقد كان مولاي الحسن يفكر في سجن قائد المنطقة الحاج مسعود الذي بدأت أهميته تتنامى بشكل بارز، وبوصولنا إلى دار القايد المتوكي فوجئنا باستقبال منقطع النظير. لقد كان مقامنا في هذه القصبة كله أفراح وحفلات لا تنسى، وعندما جاءت القبيلة بالهدية في اليوم الموالي، لاحظنا، ضمن أشياء أخرى، صفا من الرجال مرتدين ثيابا بيضاء ومصطفين على قرب 800 متر يحملون على ظهورهم أكياسا ثقيلة من «الدوروات» (عملة تلك الفترة)، بالإضافة إلى تقديم 10 أو 15 بغلة جيدة وقوية وصلبة مثل الجدران، و25 إلى 30 فرسا جميلا وقويا، وهي مزينة كلها بالذهب والفضة، حتى إن كل واحد منها يساوي مئات «الدوروات»، بالإضافة إلى الأثواب والزرابي… ثم تقدمت عائلة المتوكي بعد ذلك بهدية خاصة، وهي عبارة عن خيولا أكثر رشاقة، وأكياسا مليئة بالقطع الذهبية.
يتبع..
مراجع معتمدة :
• Louis Arnaud،.(Au temps des «mehallas»- de 1860 à 1912). ou Le Maroc
* محمد بن عمر / ترجمة «زمن المحلات أو الجيش السلطاني ما بين 1860 و1912» لمؤلفه «لويس أرنو» (الطبعة الأولى – 2002، الناشر: أفريقيا الشرق – الدارالبيضاء / بيروت)
*^الناصري: الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، دار الكتاب، الدار البيضاء، 1997، الجزء 9، ص 207
* مجلة دعوة الحق. عدد 116 و96.
“* مؤلف جماعي “المغرب زمن السلطان المولى الحسن الأول (1873-1894 ، إشراف عبد القادر سبيل وإبراهيم أزوغ. منشورات كلية اللغات والفنون والعلوم الإنسانية التابعة لجامعة الحسن الأول بسطات
• جان مارى شيفير: “المغرب في عهد السلطان الحسن الأول 1989م