إعداد-عماد مجدوبي
قبل الاستعمار الفرنسي شهد المغرب فترة حكم السلطانين المولى الحسن الأول والمولى عبد العزيز والتي امتدت من سنة 1860 الى 1912 . تلك فترة حرفت أحداث تمرد من القبائل دفعت السلطان للتحرك المتواصل عبر محلاته,وهي التسمية التي اطلقت حينها على الجيش السلطاني.
تلك الفترة دون فصولا منها الطبيب الفرنسي لويس أرنو Louis Arnaud استنادا الى رواية شفوية للحاج سالم العبدي أحد قادة الجيش البخاري السلطاني (توفي 8 أبريل 1938 بالرباط)، وأصدر كتابا حولها سماه: زمن «لمحلات» أو المغرب ما بين 1860 و1912 .(Au temps des «mehallas»- ou Le Maroc de 1860 à 1912). وسنقتبس اهم لحظاتها طيلة شهر رمضان الكريم .
الحلقة التاسعة عشر/ السلطان يتوجه إلى سوس
في فصل الربيع الموالي، أي 1882، كان على السلطان أن يتدخل في سوس, فهناك أطماع أجنبية بالمنطقة, الى جانب نزوعات للتمرد على المخزن السلطاني.
كان الطقس حارا، وعانت المحلة كثيرا من الثعابين الطويلة والقصيرة بالمنطقة، خاصة بغابة «أدميم»، التي يقوم مروضو الأفاعي بقنصها ونقلها إلى ساحة جامع الفنا بمراكش. فلم يمر يوم دون أن تصاب 10 إلى 20 بغلة، ونجا العديد من العساكر من سمومها. كل هذا يقع, كما يؤكد سالم العبدي والمؤونة قليلة والحرارة مرتفعة.
وكانت الأفاعي السامة أكثر خطورة من الرصاص، مما جعل أوضاع المحلة غير مستقرة. ورغبة منه في معرفة موقع تشييد ميناءا للمخزن، فإن السلطان غادر تارودانت يوم 2 يوليوز من السنة نفسها عابرا وادي سوس عبر هوارة وشتوكة، ليصل إلى منطقة «ماسة» أغبالو على وادي ماسة, وانطلاقا منها إلى «أكلو»، حيث كان على البواخر إنزال الحبوب الضرورية للمحلة، لكن أحوال الطقس المضطربة لم تكن تسمح بانزال ما يكفي لتهييء ولو خبزة واحدة. وكان ممكنا أن ترسو هذه السفن بماسة أو أكادير، وشرعت القوافل في تزويد المحلة منها بالحبوب، لكن أعدادا كثيرة من الجنود فرت من أجل الحصول على «الخبز».
وفي ظل تلك الظروف، أصبح السلطان يفكر بجدية في العودة، وقد كان السلطان يتفاوض مع شريف تازروالت محمد أوهاشم، الذي كان له نفوذ على كل سوس الأدنى، من أجل الحصول على موقع مناسب لتشييد ميناء بالمنطقة، وكان السلطان بذلك يفكر في تحويل الأنشطة الاقتصادية إلى هذه المنطقة، وذلك حتى لا يرغم على اللجوء إلى خدمات الميناء الذي شيده الإسبان بسيدي إفني، أو أيضا الجهة التي يتمركز فيها الإنجليز دون ترخيص بذلك خاصة بطرفاية و«كاب جوبيي»، حيث استقرت مؤسسة «ماكوزي»، ووقع الاختيار على مصب وادي «أسكا»، ثم بعث السلطان من «أكلو» وحدتين من الجنود عبر بلاد أيت باعمران، الأولى لإشعار الإنجليز بضرورة مغادرة إدارتهم، والثاني بقيادة مولاي الأمين من أجل تأسيس الميناء الجديد.
وعندما عادت الوحدتان معا، استعجل السلطان العودة بعد أن نفدت المؤونة, واشتدت درجات الحرارة، حتى إنه لم تكن تتحرك المحلة إلا ليلا. ووصلت مراكش في 10 غشت 1882 عبر أكادير وبلاد «حاحا» والجميع منهكون جدا. وكان السلطان قد ترك في عين المكان طابور البخاريين بقيادة العربي بنحمو معسكرا في قصبة أيت باعمران، والتي شيدت في موقع غير بعيد من البحر على الطريق الرابطة بين «أكلو» وسيدي إفني. كما أعطى الأوامر لبناء قصبة «تيزينت» على بعد 20 كيلومترا من الساحل، وهناك توجد عيون الماء والأراضي الخصبة.
وفي طريق العودة، ولد مولاي عبد العزيز، وكانت تلك مناسبة لإقامة حفلات وأفراح بمراكش حيث كان الكل مسرورا ومبتهجا، ورغم كل ذلك فإن هذه الحملة لم تفي بما كان ينتظر منها السلطان مولاي الحسن.
وكان شريف تازروالت محمد أوهاشم حفيد سيدي حماد أوموسى صاحب زاوية في الجبل قرب تزنيت، ولم يعلن الطاعة بعد هو وعدد كبير من أتباعه، وكذا القبائل المجاورة التي يرأسها، حيث كانوا يبحثون عن التمرد ضد الإدارات العسكرية التي أسسها وركزها مولاي الحسن. وكان تأثير شيخ الزاوية أقوى من تأثير السلطان، ناهيك أن غلاء وصعوبة وصول المؤونة إلى المحلة لم يمكن المخزن من الإقامة في هذه الجنة دون تكبد خسائر أكبر.
ولم تمكث المحلة طويلا بمنطقة سوس، لكن تقدم الأشغال بقصبة تزنيت أظهرت للجميع أن عين مولاي الحسن ساهرة على سلامة هذه الجهات كلها. ورغم تلك المشاكل، فإن المحلة دائمة الاحتفال في هذه الحملة ونعتبرها انتصارا، خاصة أنها شهدت ميلاد مولاي عبد العزيز ابن للا رقية وهي شركسية مفضلة السلطان.
يتبع..
مراجع معتمدة :
• Louis Arnaud،.(Au temps des «mehallas»- de 1860 à 1912). ou Le Maroc
* محمد بن عمر / ترجمة «زمن المحلات أو الجيش السلطاني ما بين 1860 و1912» لمؤلفه «لويس أرنو» (الطبعة الأولى – 2002، الناشر: أفريقيا الشرق – الدارالبيضاء / بيروت)
*^الناصري: الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، دار الكتاب، الدار البيضاء، 1997، الجزء 9، ص 207
* مجلة دعوة الحق. عدد 116 و96.
“* مؤلف جماعي “المغرب زمن السلطان المولى الحسن الأول (1873-1894 ، إشراف عبد القادر سبيل وإبراهيم أزوغ. منشورات كلية اللغات والفنون والعلوم الإنسانية التابعة لجامعة الحسن الأول بسطات
• جان مارى شيفير: “المغرب في عهد السلطان الحسن الأول 1989م