محمد الشمسي
ظهر وزير العدل في شريط مسجل بالصوت والصورة يدافع باستماتة على ما اختلقه من بدعة إخضاع مهنة المحاماة للسلاليم والدرجات، حيث أورد في “وساخه القانوني” المنظم للمهنة، فصلا يرتب المحامين ويصنفهم إلى محام من رتبة متمرن ومحام من رتبة رسمي ومحام من رتبة نقيب، ودافع وهبي على “تخربيقته” بحجة أنه يريد رد الاعتبار الى النقباء حتى يجري التعرف عليهم خارج دوائر ممارستهم المهنية.
تمر مهنة المحاماة بمنعطف حاسم، تقف هذه المهنة على الحافة، تتأرجح بين إصلاحها الإصلاح المطلوب لكنه بعيد، وبين المضي في ترقيعها بإخفاء شقوقها ونزيفها حد التشويه.
تختلف مهنة المحاماة عن كل المهن بأعرافها غير المدونة مثل دستور مملكة بريطانيا، تلك الأعراف تتناقلها الأجيال مثل سنن كونية، في مقدمتها تعريف المحامي القادم من محكمة أخرى عن نفسه لزملائه وقيام هؤلاء بمد يد العون له فرضا وليس اختيارا، لذلك يذوب مبرر وهبي وتظهر عبثيته، سيما وأن قوة المحاماة تستمدها من تواصل المنتسبين إليها مع بعضهم البعض بمستوى راق ورفيع فيه اعتبار وتقدير وكياسة ولياقة ولباقة، ومن شأن إقرار بدعة وهبي قطع حبل الاتصال بين المحامين وترك نياشينهم تتحدث عنهم، رغم أن “وساخ وهبي” لم يشر إلى وجوب تقديم المحامي الأقل أقدمية لزميله القيدوم تحية معينة قد تشبه تحية مصارعي الكيكبوكسين أو الأيكيدو، فما جدوى تعليق النياشين ما لم يترب على ذلك تقديم “البوجور”؟
كانت ثمة اخبار تقول ان وهبي ستعصف به رياح تعديل حكومي، وقالت جريدة فرنسية صاحبة الخبر إن السبب هو ثبوت ضعف الأداء للوزير وعدد من زملائه، لم يتحقق خبر الجريدة على مستوى التعديل الى حدود شخبطة هذا المقال، لكن ضعف أداء الرجل حقيقة ثابتة، فمنذ وصوله الى مقصورة وزارة العدل وهو في دوامة من الاضطراب، يخونه لسانه “اللي مافيه عظم”، خاصة وهو يعلن حربه على المهنة التي جعلت منه كائنا اجتماعيا وهو بدون المحاماة لم يكن شيئا مذكورا، فحاول “يشري الصداع” بين المحامين وإدارة الضرائب في “تحسريفة غير مسبوقة” ، ثم سرعان ما ساهم في رسالة منع المحامين من دخول المحاكم في فضيحة فرض جواز اللقاح، ثم “كمل خيرو” بمسودة سوداء لمشروع قانون أسود يبعثر ويخرب المحاماة ويزيد واقعها سوادا.
كنا نتوقع أن يجعل وهبي الدولة شريكا لقطاع المحاماة لخصوصية مهنة مرتبطة بحقوق الإنسان وشروط المحاكمة العادلة، وصلة هذا بوجه الدولة وسمعتها دوليا، كأن تخرج مراكز التكوين للوجود، وكأن تساهم الدولة في دعم المحامين بدعوة الأبناك إلى تقديم قروض تفضيلية لهم، وتتكلف بتكوينهم داخل وخارج المغرب، وتجد لهم ميزة ضريبية تتماشى مع طبيعة مهنة لا تجعل الربح عنوانا ومقصدا، وتبحث لهم عن صيغة لتقاعد يضمن كرامتهم ويصون أدوارهم ويحافظ على استقلالهم، لكن شيئا من هذا لم نلمسه في شخابيط وهبي، إغراق المهنة الغارقة بأفواج الناجحين في مباراة ستعتمد على سؤال” أنت وزهرك” و”عزل وتخير”و” سويرتي مولانا”، ورمي تلك الجحافل نحو المجهول.
يبدو وهبي مثل دونكيشوت ديلامانشا الذي يريد أن يحارب طواحين الهواء الوهمية.
مسكين حال وهبي لم ير من جروح وأوجاع المحاماة غير تصنيف أهلها ما بين “بروميان كلاص” و “دوزيام كلاص” حتى لا نقول “دوزيام حلوف” وبين شارجان وشارجان شاف وهكذا، ومسكينة هي المحاماة لعلها مثل أم خذلها ابنها البكر، لكن للمحاماة أبناء بررة في كل أرجاء المغرب، لن يتركوا “مسخوط المهنة” يجرها نحو المسلخة.