ترجمة يوسف المرزوقي- الرباط
فجرت صحيفة ”الغارديان” البريطانية العريقة، حقائق غير مسبوقة، عن المعارض المغربي، المهدي بنبركة، الذي قتل في باريس سنة 1965، وأشارت إلى أن الأخير، ووفق وثائق وملفات المخابرات التشيكوسلوفاكية، فإن شكوكا تحوم حول استقلاليته.
وأوضحت الجريدة، في مقال مثير ومطول، حول أحد أكثر الشخصيات جدلا في المغرب وخارجه، أن بنبركة ومن خلال أرشيف للاتحاد السوفياتي سابقا، كان جاسوسا مزدوجا.
والأكثر إثارة، وفق الصحيفة البريطانية، أن بنبركة لم تكن تجمعه فقط علاقة وطيدة بجهاز الاستخبارات التشيكوسلوفاكي (STB) المخيف، بل قد تلقى منه ”أموالا طائلة عينا ونقدا”، وفق الملفات السرية للجهاز المذكور.
وأشارت إلى أن الصورة المرسومة عن بنبركة كـ”معارض يساري شرس”، ضد المستعمر ودفاعه عن مصالح العالم الثالث، يقابلها، وفق الوثائق، صورة مناقضة: رجل يلعب العديد من الأدوار، وكان يعلم جيدا أن المعلومة لها قيمة كبيرة أيام الحرب الباردة
ووصفت ”الغارديان”، على لسان أستاذ مساعد في جامعة تشارلز في براغ، والذي تمكن من الوصول إلى الملفات، أن بنبركة ”كان انتهازيا يلعب أدوارا خطيرة للغاية”
في المقابل، شددت الصحيفة على أن تفجر هذه الحقائق الجديدة، من شأنه أن يثر جدلا واسعا، لكون بنبركة ”لا يزال بطلا في أعين الكثير من اليساريين”، كما أن أسرته تنفي بشدة أي اتهامات بتورطه في الجاسوسية أو تربطه علاقة من هذا النوع مع أي دولة.
وأوضحت أن علاقة بنبركة الذي توفي وعمره 46 سنة، بجهاز ” StB”، أثيرت لأول مرة منذ ما ينيف عن 15 سنة، حين فجرها صحفي تشيكي، إلا أنها لم تستأثر باهتمام أكبر، لأن الصحفي المذكور لم يكن بوسعه الوصول إلى جميع تفاصيل القضية، لكونه لم يكن يملك سوى 1500 وثيقة سرية للجهاز، وسط آلاف الوثائق والمستندات الأخرى التي تم الوصول إليها مؤخرا.
وتظهر الوثائق الجديدة، أن علاقة بنبركة، بدأت مع جهاز المخابرات المركزية التشيكية منذ سنة 1960، عندما التقى بأكبر جاسوس تابع للجهاز في العاصمة الفرنسية باريس، بعد مغادرته المغرب هربا. وكان يأمل الجهاز من خلال جواسيسه أن يقدم هذا الزعيم المعارض البارز ”ليس فقط معلومات عن التطورات السياسية بالمغرب، بل أيضا حول قادة عرب مثل الرئيس المصري جمال عبد الناصر”.
وتشير الوثائق إلى أن بنبركة كان أيضا شخصية رئيسية في “الحركة المناهضة للإمبريالية للدول الأفريقية والآسيوية”، والتي تضمنت اتصالاتها مالكولم إكس وتشي جيفارا والشاب نيلسون مانديلا، وكشف الأرشيف، بعد وقت قصير من أولى اجتماعاتهم، أن مكتب ”” StB”، أبلغ عن أن بن بركة كان مصدرًا لمعلومات “قيّمة للغاية” ومنحته الاسم الرمزي “شيخ”.
وذكرت ”الغارديان”، وفق الوثائق السرية دائما، أن بنبركة، تلقى شهر شتنبر من سنة 1961، 1000 فرنك فرنسي من الجهاز، مقابل تقارير ”خادعة”، وهو ما أغضب براغ حين اكتشفت الأمر.
وفق الوثائق نفسها، عُرض على بن بركة رحلة مدفوعة التكاليف بالكامل إلى غرب إفريقيا لجمع معلومات استخباراتية عن الأنشطة الأمريكية في غينيا الاستوائية. واعتبرت هذه المهمة ناجحة.
لكن، تضيف الوثائق، أن التشيكوسلوفاكيون، سرعان ما بدؤوا في الشك أن بن بركة كانت له علاقات مع ”لاعبين آخرين في الحرب الباردة”، حيث توصلوا بمعلومات في فبراير 1962 من عميل في فرنسا أن “شيخ” قد التقى نقابيًا أمريكيًا في حانة L’Éléphant Blanc في باريس وتلقى شيكًا بالدولار الأمريكي. مما ولد لديهم مخاوف من أن بن بركة كانت له صلة بوكالة المخابرات المركزية، التي كانت حريصة على دعم الإصلاح الديمقراطي في المغرب.
وقال الأستاذ الجامعي التشيكي، إن مكتب التحقيقات الفيدرالي كان سيتلقى المزيد من التقارير التي تزعم أن بن بركة كان على اتصال بالولايات المتحدة ، على الرغم من أن السياسي المغربي نفى ذلك دائمًا حين مواجهته.
بعد ذلك؛ دعا التشيكوسلوفاكيون بن بركة إلى براغ ، حيث وافق على المساعدة في التأثير على السياسة والقادة في إفريقيا مقابل 1500 جنيه إسترليني سنويًا0
تم إرسال بن بركة إلى العراق للحصول على معلومات حول انقلاب فبراير 1963، حيث تلقى مقابل ذلك 250 جنيهً إسترلينيً، وفق الوثائق. وفي الجزائر التقى مرارا أحمد بن بلة، الرئيس والصديق، وأبلغ عن الوضع في الدولة المستقلة حديثًا.
في القاهرة، طُلب منه جمع معلومات من كبار المسؤولين المصريين يمكن أن تساعد السوفييت في المفاوضات خلال زيارة نيكيتا خروشوف ، رئيس الوزراء السوفيتي. ووصلت تقارير بن بركة تلك إلى أجهزة المخابرات السوفيتية، التي اعتبرتها “ذات قيمة عالية”. وكمكافأة على خدماته، تمت دعوته وأطفاله الأربعة لقضاء عطلة إلى منتجع صحي في تشيكوسلوفاكيا.
“لم يعترف بن بركة أبدًا بأنه كان يتعاون مع أجهزة المخابرات] ، ولم يدرجه مكتب المخابرات المركزية أبدًا كعميل ، فقط باعتباره” جهة اتصال سرية “. لكنه كان يقدم معلومات، وكان يتقاضى رواتب”. يقول الأستاذ الجامعي التشيكي، وفق ”الغارديان” دائما.
يضيف ”لقد كان ذكيا جدا، لا يوجد مستند بتوقيعه، ولا توجد عينات من كتاباته. تم استجوابه شفهيا لساعات … في بعض الأحيان، كان يستخدم آلة كاتبة لكنه رفض كتابة أي شيء باليد”.
في الشهور الأخيرة من حياته، راودت السوفييت شكوكا، وفق الصحيفة البريطانية، عن تقربه الكبير من الصينيين، خصومهم على زعامة اليسار العالمي. قال المسؤولون السوفييت لـ StB إن بن بركة تلقى 10000 دولار من بكين، وضغطوا سحب أي دعم أو حماية له.
ومع ذلك، أُحضر StB بن بركة إلى براغ للتدريب لمدة أسبوع في فك الاتصالات والرموز والمراقبة والمراقبة المضادة، لكن ذلك تم فوات الأوان. فبعد أسبوع من طلب مسدس من StB ، تم اختطاف وقتل بن بركة.