24 ساعة ـ متابعة
لم يعد الغاز الطبيعي في موريتانيا مجرد مصدر للوقود. بل يمتلك القدرة على أن يصبح ركيزة أساسية للتحول الصناعي في البلاد، فاتحاً آفاقاً جديدة للتنمية الاقتصادية وتعزيز التنافسية.
وتجسيداً لهذه الرؤية الاستراتيجية، تم مؤخراً إجراء دراسة جدوى تقنية وتجارية لمشروع خط أنابيب غاز طويل المدى. أجرت الدراسة شركة EPCM Holdings. ىالشراكة مع الشركة الموريتانية Meen & Meen لصالح الشركة الوطنية للصناعة والمناجم (SNIM).
ويربط خط الأنابيب المقترح مجمع غاز السلحفاة الكبير أحميم (GTA). مروراً بالعاصمة نواكشوط، وصولاً إلى مدينة نواذيبو الساحلية. المركز الرئيسي لتصدير خام الحديد والنشاط الصناعي.
ويتجاوز هذا المشروع مجرد نقل الغاز ليجسد رؤية بنية تحتية متكاملة للطاقة. تهدف إلى تزويد الفاعلين الصناعيين الكبار في البلاد، مثل SNIM، الشركة الموريتانية للكهرباء (SOMELEC). وشركة Kinross Tasiast، بطاقة موثوقة وتنافسية وأكثر نظافة.
لماذا يكتسب هذا المشروع أهمية كبرى؟
الأولوية للاستقلال الطاقي: قبل الاستفادة من إمكانيات تصدير الغاز، تحتاج موريتانيا أولاً إلى تأمين احتياجاتها الوطنية. ربط موارد الغاز بالصناعات المحلية سيقلل الاعتماد على الوقود المستورد. ويخفض التكاليف، ويعزز مرونة قطاع الطاقة في البلاد.
تغذية الصناعة المحلية: تُعتبر الطاقة عنصراً حاسماً للانتقال من استخراج المواد الخام إلى تحويلها بقيمة مضافة عالية. إن توفير غاز طبيعي بأسعار معقولة يمكن أن يحرر إمكانيات موريتانيا في قطاعات حيوية مثل صناعة الحديد والصلب والتصنيع بشكل عام.
>خفض التكاليف وتعزيز التنافسية: استخدام الغاز الطبيعي في توليد الكهرباء . يساهم في خفض تكاليف الإنتاج الصناعي بشكل كبير. مما يجعل المنتجات الموريتانية أكثر تنافسية في الأسواق ويجذب المزيد من الاستثمارات.
>في الوقت الذي تسعى فيه العديد من الدول الإفريقية إلى الصعود في سلسلة قيمة الصناعات التعدينية،
ستكون الاستراتيجيات المتكاملة بين الطاقة والتعدين ضرورية. بالنسبة لموريتانيا، يمكن أن يكون هذا الممر الغازي، الذي يربط بين موارد الغاز والمراكز الصناعية، مفتاحاً لتحرير كامل إمكاناتها وتصبح قطباً صناعياً إقليمياً.
الاستلهام من تجربة مصر الناجحة
تقدم تجربة مصر مثالاً ملموساً وقوياً على كيفية مساهمة الغاز الطبيعي في دفع عجلة التحول الصناعي. فبعد تطوير حقل ظهر العملاق للغاز، تمكنت مصر من تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة في عام 2018.
ولم تتوقف عند هذا الحد، بل استثمرت البلاد بقوة في بناء محطات كهرباء كبيرة تعمل بالغاز. وطورت قطاع البتروكيماويات بشكل ملحوظ، بما في ذلك مجمع ضخم في العين السخنة.
ونتيجة لهذه الاستثمارات الاستراتيجية، ارتفعت صادرات مصر من المنتجات كثيفة الاستهلاك للطاقة. مثل الأسمنت والأسمدة بشكل ملحوظ، حيث تضاعفت بين عامي 2022 و2024 وسجلت نمواً مبهراً بنسبة 350% منذ عام 2019.
تظهر التجربة المصرية بوضوح أنه من خلال الاستثمارات الاستراتيجية في البنية التحتية للغاز. وتوجيه الموارد لتلبية الاحتياجات الصناعية المحلية أولاً، يمكن للدولة ليس فقط تلبية احتياجاتها الوطنية من الطاقة، بل أيضاً أن تصبح فاعلاً صناعياً مهماً ومنافساً في الأسواق العالمية.
يمكن لموريتانيا أن تستلهم من هذا النموذج الناجح لتخطيط وتنفيذ استراتيجيتها الخاصة لاستغلال مواردها من الغاز الطبيعي بشكل فعال، بما يعزز النمو الصناعي، ويساهم بشكل فعال في تنويع قاعدة الاقتصاد الوطني. ويفتح آفاقاً واعدة لمستقبلها التنموي المستدام. إن ربط الغاز بالصناعة المحلية يمثل خطوة حاسمة نحو تحقيق قيمة مضافة أعلى وتعزيز مكانة موريتانيا كلاعب صناعي مهم في المنطقة.