بخطى دبلوماسية ذكية، بصم الملك محمد السادس أمير المؤمنين- رئيس لجنة القدس- على دوره الاستراتيجية في الدفاع عن “الأقصى”. فمن خلال النداء الذي وقع عليه عاهل البلاد إلى جانب بابا الفاتيكان، وجه الملك محمد السادس رسالة واضحة على أن قضية القدس تحتل موقع استراتيجيا لدى الرباط.
قد يعتقد البعض أن نداء الملك والبابا لا يعدو أن يكون إلا وثيقة لن يكترث لها كيان لطالما ضرب عرض الحائط بالشرعية الدولية، وهو الذي نفذ سلسلة مجازر كبيرة، بل ويعمل على تهويد القدس وتغيير معالمها وهويتها منذ سنوات. غير أن الغوص في تفاصيل أبعاد هذا النداء يؤكد أنه يشكل ضربة قوية لإسرائيل.
هذا النداء يحمل صرخة العالم الإسلامي والمسيحي من أجل الحفاظ على القدس قبلة لكل الديانات والحضارات، وفي ذلك موقف ذكي للملك محمد السادس. فتوقيع البابا على هذا النداء ليس بالأمر الهين، إذا علما أن الحبر الأعظم وقع باسم مسيحيي العالم على وثيقة تاريخية فوق أرض المغرب.
ولابد أن نؤكد أيضا أن تاريخ القدس ومدينة القدس ومكانة القدس توجد في قلوب معتنقي الديانات السماوية، إذ تشكل في حقيقة الأمر نموذجا للتعايش يستوجب الوقوف أمام الكيان الإسرائيلي لمنعه من عمليات التهويد، بل إن التوقيع على هذا النداء إنما يعكس تنبيها لمسؤولية قيادات الديانات السماوية حول مخاطر ما يتم القيام به، حتى لا تصبح القدس ومعالمها التاريخية “أثرا بعد عين”.
إن الدور الذي تقوم به المملكة المغربية بوقوفها إلى جانب القدس والمقدسيين في المعركة الفاصلة دفاعا عن هوية القدس الشريف كأراض لجميع الديانات، حقيقة ثابتة من الحقائق السياسية والشعبية الملموسة، ولذلك لم يكن من قبيل الصدف أن يجمع قادة الدول الإسلامية على إسناد رئاسة لجنة القدس إلى العاهل المغربي. كما أنه ليس عبثا أن يبذل المغرب بقيادة ملكه كل هذا البذل السخي من أجل القدس، فهذه القضية ضمن أولويات السياسة الخارجية للمغرب.