أسامة بلفقير – الرباط
رغم التحرشات المستمرة للنظام العسكري الشمولي الجزائري بالمملكة المغربية، خصوصا منذ قطعه الأحادي للعلاقات، إلا أن بصيص الأمل ظل قائما لكي تكون قمة جامعة الدول العربية المنتظر انعقادها يومي 1 و2 نونبر المقبل مناسبة لتجاوز الخلافات والتعالي عن الخصومات،
رأبا للتصدع بين الأشقاء ودفاعا عن الوحدة العربية.
كان من المأمول في القادة الجزائريين ألا يحاولوا استثمار تنظيمهم للقمة من أجل تصريف الأحقاد ومواقفهم البالية عبر الإمعان في المحاولات الفاشلة لاستفزاز المغرب،
إلا أنهم أكدوا مجددا أن ما يحرك آلتهم الدبلوماسية هو دعم الانفصال بغرض معاكسة إرادة المملكة في الدفاع عن وحدتها الترابية بكل الوسائل الممكنة
وفي كل المحافل الدولية والإقليمية، وهذا ما يفرض على المملكة المغربية الرد عليه بالحزم والصرامة اللازمين.
القمة العربية
وبقدر ما حاولت الجزائر عبر تنظيم هذه القمة العربية تصريف دعايتها الرخيصة ضد الرباط،
نجد أن كذلك هذه التصرفات المجانية لم تزد سوى تأكيدا على صلابة الموقف المغربي
وإظهارا للدعم الكبير الذي يحظى به عربيا بخصوص قضية وحدته الترابية. هذه المحاولات التي باءت بالفشل،
فسحت في المقابل المجال للمملكة خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي يسبق موعد انعقاد القمة،
من أجل التعبير عن مواقفها بكل حزم وجرأة، بل وفضح حقيقة الأجندة الدبلوماسية الجزائرية.
فخلال هذا الاجتماع الوزاري، بدا واضحا أن الجزائر لن تتصرف مؤسساتها الحكومية كدولة تسعى أن تترفع عن الخلافات باعتبارها محتضنة للقمة العربية،
إذ ارتكبت في حق الوفد المغربي المشارك في أشغال اجتماع مجلس الوزراء الخارجي التحضيري للقمة العربية خروقات بروتكولية متنافية مع الأعراف الدبلوماسية.
هذه التجاوزات المرتكبة في حق الوفد المغربي، كما ذكرت وسائل الإعلام، تفاقمت عند وصول وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي مرفوقا بعدد من أطر الوزارة،
إلى قاعة الاجتماع أو خلال الأنشطة الموازية بما فيها مأدبة العشاء، التي أقامها وزير الخارجية الجزائري، على شرف المشاركين،
والتي أمعنت الجهة الجزائرية المنظمة، في تهميش رئيس الوفد المغربي، متجاهلة تطبيق العرف الدبلوماسي أو الترتيب الأبجدي.
عدم النضج الجزائري
الاستفزاز الثاني، والذي بين أيضا عدم النضج الجزائري، تجلى في إقدام قناة الجزائر الدولية AL24 News على نشر خريطة للعالم العربي على موقعها الالكتروني
تخالف الخريطة التي درجت جامعة الدول العربية على اعتمادها مما أثار تحفظ الوفد المغربي،
خصوصا أنها استغلت ادعاءها أنها شريك إعلامي في تغطية أعمال القمة العربية الحادية والثلاثين التي تعقد بالجزائر.
وكما يقال “رب ضارة نافعة”، فإن هذه الاستفزازات الصبيانية للنظام الجزائري ارتدت على حكام قصر المرادية،
وفضحت زيف ادعاءاتهم الوحدوية وحقيقة أجندتهم في المنطقة.
فجاءت الصفعة الأولى التي سوف تتلقاها الجزائر من ناصر بوريطة، الذي صرح بشكل واضح
بأن “يمكن للقمة أن تنجح إذا تجاوزنا الخلافات الجانبية وإذا تجاوزنا الاستفزازات التي لا حاجة منها،
وإذا البلد المضيف تعامل وفق القواعد التي تحكم القمم سواء من الناحية البروتوكولية أو الأعراف”،
وذلك في رد مباشر على التجاوزات التنظيمية التي طالت الوفد الرسمي المغربي.
الصفعة الثانية كانت هي تجاوب الجامعة العربية في الحين مع المطلب المغربي بشأن قناة الجزائر الدولية،
عبر إصدار بيان رسمي تنفي فيه وجود “شركاء إعلاميين” للقمة العربية، مؤكدة عدم وجود صلة لها بأية مؤسسة إعلامية تدعي هذه الصفة.
وأكدت الأمانة العامة أن الجامعة العربية لا تعتمد خريطة رسمية مبين عليها الحدود السياسية للدول العربية بما فيها المملكة المغربية،
وأنها تتبنى خريطة للوطن العربي بدون إظهار للحدود بين الدول تعزيزا لمفهوم الوحدة العربية.
لقد فوتت الجزائر على نفسها، فرصة تقديم نفسها –وإن زورا-أنها دولة تتصرف من خلال تنظيمها للقمة العربية،
وفقا للقواعد الكونية المعمول بها وبناء على أصول التعامل الذي يجب أن يكون قائما أبدا ودائما بين الإخوة الأشقاء مهما كانت حدة الخلافات،
فاستضافة قمة عربية تفرض عليك التسامي على كل ما من شأنه أن يفشلها بأي شكل من الأشكال وتجنب كل ما من شأنه أن يعكر صفوها،
لكن يبدو أخلاق الكبار ضلت طريقها إلى حكام المرادية خلال هذه القمة.