سعيد الكحل
تابع المواطنون الحوار الذي أجرته القناة الأولى مع رئيس الحكومة سعد الدين العثماني الذي لم يفاجئهم بمستوى الحوار ولا بمحتواه الذي ظل خلْوا من أية فائدة أو بارقة أمل ، بقدر ما كرّس خيبة الأمل في قدرة وكفاءة رئيس الحكومة على حسن إدارة الشأن العام عموما وتدبير مرحلة جائحة كورونا وما بعدها على وجه الخصوص الأمر الذي أثار سخرية وغضب المواطنين على مواقع التواصل الاجتماعي من رئيس حكومة لا يعلم أين يضع قدميه ولا أين يسير ويمكن إبداء الملاحظات التالية حول الحوار شكلا ومضمونا :
1 ـ على المستوى الشكل:
أـ الحوار كان عبارة عن مونولوغ يحاور فيه رئيس الحكومة نفسه وإن كان أمام صحافية متمرّسة مما يعطي الانطباع أن رئيس الحكومة هو من أن أعدّ الأسئلة ورتبها وغربلها وحذف منها ما يمكن أن يسبب له الإزعاج أو الإحراج لهذا لم يتطرق الحوار إلى قضايا هزّت وتهزّ التماسك الحكومي وتركت ردود فعل غاضبة وسط الرأي العام الوطني (قانون تكميم الأفواه 22.20، دعم مؤسسات التعليم الخصوصي ، تفويت أراضي الدولة في ظل الحظر الصحي ..).
ب ـ الارتباك الذي رافق رئيس الحكومة من بداية الحوار إلى نهايته والذي لا يَحدث حتى لحديثي العهد مع أضواء الكاميرات فأحرى لرئيس الحكومة وأمين عام الحزب وقبل كل هذا الطبيب النفسي الذي من المفترض فيه أن يظهر خبرته في تحقيق توازنه النفسي وتحكمه في انفعالاته ليرفع من قدرة التركيز والتنسيق بين الأفكار والألفاظ (من العبارات المنفلتة : بطاقة كورونا عوض بطاقة الراميد). فالسيد رئيس الحكومة تنقصه الثقة في النفس لأنه لا يستمد أفكاره من ذاته بل ما خارجها .
ج ـ تجرّده من الكمامة يحمل رسائل خطيرة إلى عموم المواطنين منها : أن ارتداء الكمامة ليس ضروريا ،وهي نفس الفكرة التي قالها عند بداية الجائحة وكرسها في أكثر من مناسبة (في اجتماع مجلس الحكومة، داخل البرلمان حين ظهر والكمامة معلقة في أذن واحدة )؛ أن المواطنين ليسوا سواسية أمام القانون ، مما يُعد خرقا سافرا للدستور الذي ينص على المساواة بين المواطنين . وقبل كل هذا عدم احترام قانون إجبارية ارتداء الكمامة الذي وضعه رئيس الحكومة نفسه . فإذا كان ملك البلاد يرتدي الكمامة في كل الاجتماعات تكريسا لقاعدة احترام القانون ، فإن رئيس الحكومة يخرج عن القاعدة ليشيع الفوضى ويسفّه جهود الدولة .
2 ــ على مستوى المضمون :
أ ـ كان الهدف من الحوار هو الرد على نقطتين أثارتا احتجاجات واسعة لدى الرأي العام عكستها مواقع التواصل الاجتماعي وهما: قضية دعم مؤسسات التعليم الخصوصي وقضية مآل السنة الدراسية.
بخصوص دعم تلك المؤسسات الخصوصية أثبت رئيس الحكومة دعمها من حيث أراد أن ينفي. فمؤسسات التعليم الخصوصي لم تتوقف عن العمل ، بل تواصل تقديم الدروس عن بُعد لفائدة التلاميذ واستلام مصاريف الدراسة ومصاريف التنقل علما أن التلاميذ لا يغادرون منازلهم .والآباء الذين تعذر عليهم تسديد مصاريف الدراسة لظروف مرتبطة بالجائحة لن تعفيهم المدارسة من المستحقات وإن آجلا. ومن ثم فإن المدارس إياها لا تعاني من أزمة. لكن رئيس الحكومة ، ومحاباة للوبي الموالي لحزب العدالة والتنمية والذي سبق وقدم طلبا للاستفادة من صندوق مواجهة الجائحة ، قرر تخصيص دعم مالي للعاملين بمؤسسات التعليم الخصوصي مما يعفي هذه الأخيرة من دفع أجورهم ومراكمة أرباح مهمة (أجور العاملين + مصاريف الدراسة ).إن دعم هذه المؤسسات هو جريمة كبيرة في حق الوطن والشعب المغربي.
أما القضية الثانية فتتعلق بمآل السنة الدراسية التي اكتفى رئيس الحكومة بطمأنة أولياء أمور التلاميذ أن السنة لن تكون بيضاء، وهو بهذا لم يأت بجديد ،بل إن بلاغ وزارة التعليم الذي سبق وأكد ألا سنة بيضاء كان كافيا.
ب ـ الأجوبة التي قدمها رئيس الحكومة بسيطة جدا ولم تقدم جديدا ، بل زادت الوضع غموضا وبينت أن رئيس الحكومة لا يعلم شيئا ولا يملك أي تصور ، سواء حول الأوضاع الاقتصادية الحالية أو حول تصور الحكومة للخروج من حالة الطوارئ الصحية وسيناريوهات الإقلاع الاقتصادي . فحتى قضية عودة المغاربة العالقين بالخارج لم يقدم بشأنها رئيس الحكومة أي تصور أو سيناريو.وكل ما قدمه السيد العثماني من معلومات يمتلك مثلها وأكثر أي مواطن مهما كان مستواه التعليمي بسيطا ؛ ومن ثم لم يكن من داع إلى برمجة هذا الحوار الذي أساء إلى رئيس الحكومة وإلى الشعب المغربي الذي ابتلاه الله بجائحتين : جائحة كورونا وجائحة الحكومة ورئيسها. ولحسن حظ المغاربة أن جلالة الملك تولى بنفسه إدارة المعركة بنجاح ضد جائحة كورونا وتداعياتها وإلا لحصلت الكارثة لا قدر الله . أما كارثة الحكومة فهي أخطر من جائحة كرونا .
ج ـ تعمّد رئيس الحكومة التكتم على قضيتين جوهريتين شغلتا الرأي العام : مشروع قانون تكميم الأفواه وقرار تفويت الأراضي الفلاحية المملوكة للدولة إلى الخواص في ظل الحظر الحي .فالمواطنون انتظروا أن يقدم رئيس الحكومة عناصر جديدة تنوّر الرأي العام وتطمئنه أن مصير الشعب والوطن بأيادي أمينة ، لكن الخيبة كانت أدهى وأمرّ؛ ما يعني أن رئيس الحكومة “كشاهد ما شافش حاجة”. لهذا لم يبالغ السيد العثماني حينما قال في لقاء جمعه بخريحي HEC-PARIS بالبيضاء بأن تعيينه رئيسا للحكومة دليل على أن أي مواطن يمكن أن يتولى هذا المنصب. إنه الانحطاط السياسي زمن حكومة البيجيدي.
الخلاصة التي تفرض نفسها على عموم المواطنين بعد حوار السيد العثماني هي أن الشعب المغربي يجني نتائج العزوف عن المشاركة في الانتخابات .والدرس الواجب استخلاصه هو كلما استمر العزوف ستزداد وتتعمّق كارثة حكومات البيجيدي عديمة الكفاءة والدراية.
سعيد الكحل: باحث مغربي متخصص في الإسلام السياسي