وفاء اليعقوبي – الرباط
لم يعد العمل الدبلوماسي الناجع يقتصر على الانشغال خارجيا بالقضايا الموسومة بالتقليدية في العلاقات الدولية (قضايا الهجرة، الشراكات الاقتصادية، التوقيع على اتفاقيات التعاون…)، وإنما يرتكز أيضا على عنصر أساسي ومحوري في عالم يتغير على مستوى بناء التحالفات والصراعات، ألا وهو الأمن.
قد يشير البعض إلى أن هذه الفكرة ليست بالجديدة، وأنها تجد تـأصيلها العلمي في النظريات القانونية التي ربطت بشكل وثيق بين الأمن والدبلوماسية منذ توقيع معاهدة “وستڤاليا” سنة 1659، والتي تعد أول اتفاقية دبلوماسية في العصرِ الحديث أرست نظاما جديدا في أوروبا الوسطى والغربية مبنيا على مبدأ سيادة الدول.
هذا صحيح، لكن مع إضافة جوهرية وهي أن تطور التهديدات التي عرفها العالم في زمن العولمة، وثق ورسخ وطور هذا الدور للجانب الأمني في العلاقات الدبلوماسية.
بمعنى أن التفاعل بين المجالين ما بعد العشرية الأولى من الألفية الثالثة، تأثر بالانتقال من مفهوم “الأمن القومي”، الذي يتم تعريفه بقدرة الدولة على توفير الحماية لمواطنيها، نحو “الأمن العالمي” باعتباره جوابا على التحولات التي صنعتها العولمة، تحولات فرضت التنسيق والتعاون الأمني بين الدول بشكل كبير جدا، وأصبح هذا التعاون محددا أساسيا في موقع الدول في الخريطة العالمية من جهة وفي العلاقات الثنائية بين البلدان من جهة ثانية.
ومن الواضح جدا أن القيادة الأمنية المغربية، تحت القيادة الرشيدة والفعلية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، قد استوعبت مبكرا وبشكل جيد هذه التطورات، التي طرأت على مفهوم الأمن في النظام الدولي الجديد. فالمتتبع للعمل الاستخباراتي والأمني للمملكة المغربية على الصعيد الدولي، سواء تعلق الأمر بمكافحة الإرهاب العالمي أو قضايا الاتجار في البشر أو الجريمة المنظمة والعابرة للقارات، يرصد فهما دقيقا “للعيون التي لا تنام” لدور هذه القوة الناعمة للدولة في الدبلوماسية وفي خريطة العلاقات الدولية المتشعبة.
فنتيجة للمعلومات الأمنية القيمة التي تقدمها الاستخبارات المغربية باستمرار لنظيرتها في عدد من الدول -الغربية خصوصا-، اكتسب رجال عبد اللطيف حموشي سمعة دولية وإشادة عالمية بكفاءتهم الأمنية، كفاءة أصبح يتزايد الطلب عليها من طرف البلدان، وهو ما يجعلها عنصرا أساسيا من عناصر قوة الدولة المغربية في علاقاتها الخارجية وعاملا مهما في تحقيق النجاحات الدبلوماسية والانتصارات التي تحوزها باستمرار في ملف وحدة بلادنا الترابية، فالخبرة والكفاءة الأمنية للدول، لها ثمن كبير جدا في الساحة الدولية.
ومهما حاول البعض تبخيس هذه الإنجازات، التي تأتي نتيجة تظافر مجهودات نساء ورجال الأمن تحت قيادتهم الأمنية والاستخباراتية، إلا أن واقع الحال يفند ادعاءاتهم ويكشف تضليلهم ويفضح نواياهم الخبيثة.
ويمكننا أن نقدم في هذا الإطار ثمار هذه مؤشرات للنجاحات، التي تحققها المديرية العامة للأمن الوطني بفروعها الأمنية، وأيضا الاستخباراتية التي تتجلى في المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، من خلال النماذج التالية:
أولا: إجراء المدير العام للأمن الوطني ولمراقبة التراب الوطني عبد اللطيف حموشي لزيارة عمل إلى الولايات المتحدة الأمريكية خلال يومي 13 و14 يونيو الجاري، وذلك على رأس وفد أمني ضم مدراء وأطر من المصالح المركزية للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني.
زيارة عمل التقى فيها الوفد الأمني المغربي بكبار مسؤولي الأمن والاستخبارات في بلاد العم سام. وإن تناول الطرفان قضايا التعاون الأمني خلال لقاءات الزيارة، فإنها في الآن نفسه، تجسد متانة التعاون الثنائي الذي يجمع بين الرباط وواشنطن على جميع المستويات، وتكشف مكانة الأجهزة الأمنية والاستخباراتية الوطنية المتميزة لدى شريك استراتيجي للمملكة المغربية.
هذا الانخراط الراسخ لمصالح المديرية العامة للأمن الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني في المساعي الدولية الرامية لتحييد المخاطر والتهديدات المحدقة بالأمن الإقليمي والدولي، يشكل من دون شك أحد مصادر قوة المملكة المغربية في الدفاع عن مصالحها العليا خصوصا ما يتعلق بقضية وحدتها الترابية.
ثانيا: استقبال عبد اللطيف حموشي يوم 10 يونيو الماضي، لديتير رومان، المدير العام للشرطة الاتحادية بدولة ألمانيا، على هامش زيارة عمل أجراها المسؤول الألماني على رأس وفد أمني مهم للمغرب، بهدف تطوير آليات التعاون الثنائي في المجال الأمني وتعزيز الشراكة الأمنية بما يخدم المصالح المشتركة للمملكة المغربية وجمهورية ألمانيا الاتحادية، فضلا عن تقاسم التجارب والخبرات في مجال مكافحة الإرهاب ومختلف صور الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية.
ومن الواضح أن التعاون بين البلدين يأتي في إطار سياق فتح صفحة جديدة في العلاقات المغربية الألمانية، وبالتالي ترسيخا وتأكيدا للدور الأمني فيها، من أجل المضي قدما في الدفاع عن المصالح الجيواستراتيجية الوطنية.
ثالثا: توقيع عبد اللطيف حموشي، المدير العام للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني، يوم الثلاثاء 10 ماي 2022 بمدينة الرباط “خطاب نوايا” مع مفوض شرطة الأراضي المنخفضة، يحدد مجالات وأشكال التعاون الثنائي في مختلف المجالات الأمنية ذات الاهتمام المشترك، وهو الذي سيكون له من دون شك أثر بالغ على العلاقات المغربية الهولندية في المستقبل المنظور.
رابعا: تعد زيارة عبد اللطيف حموشي، لملعب “لوسيل” الذي سيحتضن المباراة النهائية لكأس العالم قطر 2022، الأولى من نوعها لمسؤول أجنبي لهذه المعلمة الرياضية خلال نهاية الشهر المنصرم. حموشي قام كذلك بزيارة مركز القيادة لمواجهة الهجمات الإلكترونية، وعقد جلسة عمل مع كبار المسؤولين القطريين، تقرر على إثرها أن يبعث المغرب فريقا من الخبراء في مواجهة الهجمات السيبرانية لتعزيز فعالية المركز، كما تفقد المدير العام لمراقبة التراب الوطني والأمن الوطني بهذه المناسبة، غرفة العمليات المكلفة بالتدبير الأمني لكأس العام قطر 2022، حيث شكل موضوع تأمين المباريات والاستفادة من الخبرة الأمنية المغربية في هذا المجال، محور مباحثات أجراها مسؤول الأمن المغربي، مع اللواء الركن سعد بن جاسم الخليفي، مدير الأمن العام في دولة قطر. كل هذه المعطيات لا تبرز فقط مكانة الجهاز الأمني والاستخباراتي المغربي وإنما الموقع المتميز للمملكة المغربية لدى الدولة التي تحتضن المونديال القادم.
هذه الأمثلة القليلة من عمل أمني دبلوماسي، والتي قمنا بحصرها خلال شهري ماي ويونيو 2022، تؤكد انخراط المملكة المغربية بجهازها الأمني في التحديات الأمنية التي فرضها وضع دولي بات أكثر تعقيدا، وتهدد صراعاته الملايين من البشر.
فالإرهاب العالمي على سبيل المثال، قدم بعدا جديدا لانعدام الأمن في بعض الدول وأصبح يشكل تهديدا في باقي البلدان، لهذا كان المجهود المضني للاستخبارات المغربية في محاربته داخليا وتقديم الخبرة والمعلومة لمحاربته عالميا، عملا مقدرا من طرف المنظومة الدولية والأممية، فليس صدفة أن تحتضن الرباط مقر مكتب برنامج الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب والتدريب في إفريقيا، الذي افتتح يوم الخميس 24 يونيو 2021.
التهديدات المتشابكة والسريعة التحول أصبحت تفرض أكثر من أي وقت مضى على الدول، بلورة تعاون أمني فيما بينها، من أجل تحقيق الأمن والسلم العالميين والوطنيين، تعاون يفرض بناء أجهزة أمنية واستخباراتية قوية ومتطورة تكنولوجيا وبشريا وهو ما نجحت فيه بلادنا وبشهادة الخصوم قبل الأعداء، ومنحها فرصة استثمار قوتها الأمنية دوليا في الدفاع عن مصالحها الوطنية.