خطوة عملاقة أقدم عليها الملك محمد السادس بتحجيم جشع الأبناك و تقاعسها عن دعم الاقتصاد الوطني، واللافت في الامر هو أن العديد من السياسيين و الحزبيين ( حكومة و معارضة) لم تعطي الحدث حجمه و لا قدره الذي يجب ان يأخذه، و الحال أن الحدث تاريخي بكل ما تحمله الكلمة من معنى و أن من شأن الخطة ان تكون مفتاح لمغرب آخر مغرب المبادرة و الاستثمار و المقاولة و الاقتصاد التنافسي.
دائما ما شكلت اشكالية التمويل العائق الأكبر و الوحش الأخير في مغامرة احداث مقاولة او صناعة مشروع، او حتى تطوير نشاطات مدرة للدخل، فلا يمكن ان تطالب مستثمر او مقاول شاب لازال يتلمس بداية الطريق بضمانات مستحيلة نظير قرض استثماري، و بفائدة لا تقل عن 10 او 9% كأقل نسبة موجود في سوق الأبناك، بمسؤولية مدنية و جنائية عن القرض و المشروع، كل هذا وسط مخاطر شبه منعدمة للأبناك او بالأدق وسط أرباح كبيرة و مضمونة للأبناك بنسبة مائة بالمائة، و دعونا نفصل شيء ما في التفاصيل الدقيقة و المعيقات الأبرز في تطور المقاولة المتوسطة و الصغيرة:
إن اي مقاولة صغيرة أو متوسطة ترغب في تطوير نشاطها المقاولاتي او تنويع انشطتها مطالبة بوضع تصور للمشروع و للاستثمار بأرقام مدققة و خطة واضحة المعالم، و ان تكون المقاولة ذات مسيرة بنكية خالية من اي حوادث تذكر، و ان تقدم نظير من السجل التجاري خالي من اي قيد او قرض سابق، و ان تقدم نسخ للمعاملات التجارية ( bilan comptable) ) يكون رقم معاملاتك فيه متطور و واقعي، و ان تقدم سيرة ذاتية عن مسير الشركة، ثم تأتي بضمانات للقرض ( منزل او اراضي او عقارات) كرهن للقرض، (و هنا دعونا نتوقف قليلا حول أمّ المهازل و سط غياب الحكومة و مثال على جشع و مكر الأبناك، الحكومة قبل سنتين احدث صندوق سمته الصندوق المركزي للضمان C.C.G وهو صندوق لضمان المقاولات و الشباب المستثمر يقوم مقام الرهن، بنسبة 0.5 % بدون احتساب الرسوم، اضافة لنسبة فائدة القرض طبعا، و طبعا هذا الصندوق استحدث تحت شعار ضمان القروض لفائدة الشباب المقاول الذي لا يمتلك رهون، المهزلة ان الأبناك تطالب برهن hypothèque بالإضافة لضمان الدولة عبر الصندوق، أي ان الحكومة أضافة للقرض نسبة صفر فاصل خمسة للنسبة، و بالتالي و عوض علاج مشكلة الرهن اصبحنا امام اشكالية اخرى و تكلفة اخرى، طبعا لا احد يحاسب الأبناك و لا احد يراقب عملها و يتتبع سير هذا الصندوق)، ثم يأتي عذاب الادارة و انتظار توقيعات كل من المكلف بالحساب في البنك و مدير الوكالة و المدير الجهوي و المدير العام او نائبه، هذا فقد للموافقة المبدئية و تتبيث نسبة الفائدة، و لا ينتهي الامر عند هذا الحد بل تأتي المرحلة الحاسمة و انظار لجنة تقييم المخاطر التي تكون لها كلمة الفصل بحيث أي شك او نقص في رقم معاملات الشركة او اي خطر ولو بنسبة واحد بالمائة يرفض القرض جملة و تفصيلا، اما و ان كنت من المحظوظين و تم قبول ملفك، فالنسبة لا تقل عن تسعة او عشرة بالمائة و في كثير من الاحيان يكون القرض عبارة عن أشطر متقطعة حسب تقدم المشروع، و عند أي تعثر للمشروع او تخلف عن السداد يباع الرهن حتى سداد آخر فلس من أموال البنك و اذا لم تكفي يزج بمسير المقاولة في السجن تحت بند الاكراه البدني.
اعلم ان الكثيرين يضعون السؤال المحوري و المهم، إن كانت المقاولة او الشاب المتطلع لإنشاء مقاولة يمتلك أشياء عينية او منقولة للرهن من أجل الاستثمار، لماذا يغامر بالرهن، و السجن و لماذا أصلا سيقدم على المخاطرة من اجل أن تأتي الأبناك و تأخذ حصة الأسد من الارباح، و لماذا سيبادر و يغامر و يضع نفسه في مواجهة هذا الطريق الوعر و الصعب و الشاق، هنا تكمن المعضلة الأساسية.
لهذا لا لوم على الشباب الذين يكابدون امام البرلمان و في الطرقات من أجل توظيف في القطاع العام، لأنه بكل بساطة اضمن و أسهل الطرق، بدون ذكر الذين يحجون للقطاع الخاصة بشروط و ظروف خاصة، وحدهم المقاولين الشباب من يمشون على جمر المنافسة الغير مشروعة و الفساد الاداري للصفقات التي توزع على المقربين، و الشجع قطاع الأبناك، لخلق الثورة و مناصب الشغل و الاستقلال الذاتي.
أعتقد بأنها التفات مهمة و قوية لجلالة الملك من اجل تدليل بعض العقبات امام الشباب المبادر و المقاول، فلا يمكن الحديث عن أي تطور اقتصادي و المقاولة الصغيرة و المتوسطة تعاني وسط وحوش المقاولات الكبرى التي ترمي الفتات لها ( عبر المناولة و تلك قصة اخرى من عذابات المقاولة سنرجع لها فيما بعد) و وسط قطاع الطرق الذين يديرون الصفقات و وسط شجع القطاع البنكي، و الفساد الإداري.
على الحكومة و الهيئات الاقتصادية و الأبناك و خصوصا تلك التي تعنى بالمقاول و المقاولة، ان تتقدم لإعطاء الحدث ما يلزمه من شروح و تفسيرات و خلق نقاش وطني حول اشكالية التمويل، و الالتفاف حول المبادرة الملكية و جعلها خطوة تتبعها خطوات اخرى من اجل تحرير طاقات الشباب المغربي و تركيز روح المبادرة.
فاليوم وحدهم الأبناك يملؤون صفحات الجرائد و الاعلام عن ارقامهم و حصيلتهم للقروض، و يلمعون و ينمقون مقولاتهم البنكية، لامتصاص اي ضغوط اخرى او الالتفاف على المبادرة الملكية، فهم ماهرون باللعب بالأرقام و يملكون الوسائل و الاليات للتمويه و التلميع الظاهري و الحفاظ على مكتسباتهم.
عضو المجلس الوطني لحزب الاستقلال