محمد الشمسي
تارة يعجز القلم عن الكتابة وتارة يتمرد عليها ظنا منه أن كل القواميس لن تفي أهل البدلات السوداء حقهم.
انتصر المحامون على وهبي، ليس لقوتهم فحسب، ولا لاتحادهم فحسب، ولا لإصرارهم فحسب، بل لعدالة قضيتهم وصواب مطلبهم، ثم لحكمة من فاوض من الطرفين، عن الحكومة وعن المحامين…
كانت هناك تنازلات وتوافقات وتراجعات لكن في المجمل خرج الكل رابحا والوحيد الذي خاب واندحر وبهت هو المدعو وهبي.
شكرا لجميع المحامين في ربوع المملكة بنقبائهم وجمعياتهم العمومية، شكرا لهم لوفائهم المهني في ساعة شدة ومحنة، شكرا لهيئة المحامين بالدارالبيضاء التي كان البعض يشكك في ريادتها وطليعتها قبل أن تثبت له أيام “حرب الضريبة” أنها فعلا هيئة دار كبيرة،
وأنها فعلا دار وبيضاء ناصعة نقية فسيحة ممتدة، شكرا لنقيبها موافق الطاهر الذي اعتكف في الرباط يفاوض بالنهار ويدير المعركة النضالية بالليل، شكرا له وهو يخرج على الزميلات والزملاء المعتصمين قبالة البرلمان بوجهه البشوش ليبشرهم” المهمة أنجزت”.
ضرب المحامون وهبي على قفاه ورأسه وخديه، مثلما مزقوا رسالته المشؤومة التي أغلق بها المحاكم وعسكرها في قضية “الجواز مقابل العدالة”، وزير العدل الذي بات عبءا على الحكومة، لا يجلب لها سوى الصداع تلو الصداع كطفل مدلل ومنحرف، لذلك كان تعيينه وزيرا خطأ جسيما ، وللعدل بالذات خطأ استراتيجيا،
وزير العدل الذي شمت في مهنته ولعب دور “الرقاص” في زمن المحتل الفرنسي، أوشى بزملائه وشاية كاذبة حين أوهم رئيس الحكومة أنه عثر له على كنز لا يفنى، وهو جيوب المحامين، ثم إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ، فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ، ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ، ثُمَّ نَظَرَ، ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ، ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ…
هزم المحامون وزير العدل لأنه طغى وتعاظم ولوح باستعمال سلاح السلطة الشامل، وطلب اللجوء في حقيبته الوزارية، وهو يضع في جيبه صكوك قطع أرزاق زملائه.
جرى تخفيض الضريبة من 1200 درهم عن كل ملف إلى 300 درهم دون مراجعة، مع إرجاء البت في الضريبة على القيمة المضافة إلى حين، وبعض من التفاصيل الطفيفة…
لا يهلل المحامي لخفض ضريبته أو لتمتيعه بامتيازات ضريبية، فالمحامي هو سيد المنادين بمساواة الجميع أمام القانون، المحامي يهلل لحلول صوت الرصانة والتبصر والتشاور محل الرعونة والطيش والاستفراد بالقرار، المحامي يؤدي الضريبة ولا يستفيد من أي خدمة عمومية من خدمات الدولة،
وهو يقوم بدوره الوطني بشجاعة وشرف ومتعة ولا يبالي، المحامي ربح اليوم شوطا في معركته وستعود ثمار الشوط على المستهلك الذي هو الموكل والذي هو المواطن، ، فقد كان يكفي المحامي أن يثقل كاهل موكليه بضريبة الحكومة وانتهى الفيلم، لكن المحامي رافع ودافع عن هذا المواطن طيلة أسبوع كامل وبالمجان، صدح وثار وتوتر وتطاير ريقه ونشف واعتصم واحتج، ليضمن للمواطن حقه الدستوري في ولوج عدالة عادلة ومنصفة ومتاحة.
طوى المحامون صفحة لكن النزال لازال قائما، فثمة أشواك ومسامير أخرى نثرها وهبي في طريق زملائه، هناك معركة مسودة سوداء ستطلي المحاماة بالسواد، ومعركة قوانين سترهن مستقبل الأمة، كل ذلك اختار وهبي أن يشخبطه على مزاجه كما كان يفعل المراهقون في دفاتر الذكريات.