حاوره: زياد عبد الرحيم
يسلط المحلل السياسي، يوسف شهاب، أستاذ الجيواستراتيجية والتنمية الدولية بجامعة السوريون ومدير الأبحاث في مجموعة “س ف 2 ر” الضوء على خلفيات وتداعيات قرار المملكة المغربية قطع علاقاتها المؤسساتية مع سفارة دولة ألمانيا الإتحادية في الرباط. ويوضح يوسف شهاب تداعيات القرار المغربي الذي وصف ب”المفاجئ”، معتبرا أن الأمر يتجاوز ماهو سياسي واقتصادي، إلى كونه يرتبط ب”المس بالأمن القومي المغربي”، مع وجود “احتمال وجود اختراقات استخباراتية ألمانية”، وهو ما عجل بالمغرب اتخاذ القرار.
فيما يلي نص الحوار :
كيف تلقيتم قرار المغرب تعليق الاتصالات مع السفارة الألمانية؟
من حيث التوقيت كان القرار مفاجئا خاصة من حيث أنه لم تكن إشارات سابقة في الإعلام المغربي أو الألماني، أو بيانات رسمية من جانب المغرب أو من جانب ألمانيا الاتحادية بهذا الشأن. كما أنه من حيث البرتكول لم تتم أية مشاورات مع السفير الألماني في الرباط، ولم يكن بعلم الرأي العام في البلدين عن وجود أزمة كبيرة من شأنها اتخاذ قرار بهذه السرعة وبهذه التفاعلية. كذلك تفاجأ وزير الخارجية الألمانية بالقرار المغربي، حيث صرح أن الخبر جاءه عن طريق وسائل الإعلام، وهذا في اعتقادي ما يفسر وجود أزمة عميقة بين المغرب وألمانيا، تتجاوز الجانب السياسي أو الإقتصادي، ويؤكد على خطورة الأزمة داخل كواليس الفضاءات الإستعلاماتية والإستخباراتية حيث أنه من المحتمل أن توجيه رسالة ناصر بوريطة إلى رئيس الحكومة ونظراء الإدارات العمومية ذات الطابع السيادي، للتوقف فورا عن العمل أو التعاون مع ما له ما له صلة بالسفارة الألمانية، أن الأمر يتعلق بقضية تمس الأمن المغربي، و أن احتمال اختراقات الأجهزة الإستخباراتية الألمانية أصبح أمرا لا شك فيه.
ماهي الخلفيات التي يمكن أن تفسر إقدام المغرب على هذه الخطوة الدبلوماسية؟
هناك أزمة صامتة بين المغرب وألمانيا خرجت للفضاء العمومي منذ إعلان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء، الشيء الذي أزعج وأغضب الخارجية الألمانية وتشديدها على أن ملف الصحراء هو حصريا بيد الأمم المتحدة كما تركه المبعوث الاممي الاخير هورست كولهر (الرئيس الألماني السابق). من جهة أخرى قامت ألمانيا بمناورات ديبلوماسية وسياسية غير أخلاقية في الملف الليبي. فبعد اعتراف المجتمع الأممي بالجهود المغربية لحل المشكل الليبي في الصخيرات 1و2 ثم في بوزنيقة، وحينما تقدم المشروع وأصبح على خطوة أو اثنتين من المصالحة التامة الوطنية الليبية، دعت ألمانيا لمؤتمر برلين وتم حضور كثير من الدول ووقع إقصاء عفوي للمغرب من هذا المؤتمر، وهذا في رأيي سلوك غير أخلاقي ويحمل في طياته عداوة للمغرب من طرف ألمانيا، بحيث تريد هذه الاخيرة وضع قدم بافريقيا عامة وليبيا على وجه الخصوص، وترى في الحضور المغربي في القارة السمراء منافسا اقتصاديا وجيوستراتيجيا كبيرا، ينبغي التعامل معه بأسلوب آخر غير الاساليب الفرنسية او الاسبانية.
فيما يتعلق بمساندة أحزاب ألمانية الألمانية للطرح الانفصالي في العديد من المحافل الدولية خاصة الحزب الاخضر على غرار حزب بوديموس الأسباني، باركت المستشارة الألمانية هذه المواقف، وعرقلت بشدة بنود الإتفاق الموقع بين المغرب والاتحاد الاروبي في ما يتعلق بالفلاحة والصيد البحري في المناطق الجنوبية المغربية. بخلاصة ألمانيا لا ترى بعين الرضى التقارب المغربي الأمريكي وآفاق التعاون الاقتصادي في الأقاليم الجنوبية. كما أنها تحترس من التقارب المغربي الإسرائيلي، وعبرت عن استيائها من أن المغرب اختار لقاح استرازينيكا على حساب اللقاح الألماني الامريكي فايز .
الخارجية الألمانية قامت باستدعاء سفيرة المغرب من أجل “نقاش عميق”..هل يؤشر ذلك على وجود أزمة دبلوماسية عميقة؟
استدعاء سفيرة المغرب في برلين من طرف الخارجية الألمانية، هو من حيث الشكل طلب من ألمانيا للمزيد من المعلومات بخصوص القرار المغربي الأحادي الجانب، ويعبر عن ارتباك الخارجية الألمانية أمام هذا القرار الذي يعلق جميع أشكال التعاون بما في ذلك التعاون الأمني ومكافحة الإرهاب، وألمانيا تدرك هذا الخطر خاصة، وأنه بفضل الاستخبارات المغربية تم إجهاض أكبرعملية ارهابية بأحد المدن الألمانية، من طرف إرهابي سوري ومواطنة مغربية تحمل الجنسية الألمانية . والمعروف أن ألمانيا دولة تتصف بالحكمة و الهدوء والعقلانية، وأنها تريد إحتواء هذا الخلاف وتذويب الجليد وإعطاء الفرصة للديبلوماسية على مستوى وزارتي خارجية البلدين، لإعادة الأجواء إلى صفائها.
ألا ترى بأن بعض التحركات الألمانية في ملفات ذات أولوية بالنسبة للمغرب، لها علاقة بالتنافس الاقتصادي المحموم بينها وبين فرنسا في منطقة شمال إفريقيا؟
التنافس بين فرنسا و ألمانيا في افريقيا بدأ يعرف تسابقا وشراسة، خاصة في علاقات الجارتين الأوربيتين، مع الجارتين المغاربيتين المغرب والجزائر. لا حظوا معي أن الرئيس الجزائري عبد المجيد قضى في ألمانيا ما يقارب 45 يوما، ليس بالضرورة من أجل العلاج، ولكن لأشياء وراء الكواليس.
ولكن لفرنسا شبكاتها ونفوذها ولوبياتها في القارة السمراء في إطار المنظومة الفرانكفونية. أما ألمانيا تعرف بمناورتها في شمال إفريقيا على شكل ضخ أموال باهضة في العمل التنموي وترسيخ العلاقات مع المجتمع المدني دون المرور بخانة الدولة السيادة، وخاصة في تجميع معلومات سياسية واقتصادية ومالية لتجميع معلومات حساسة جدا بتمويل بعض الخبراء او بعض العملاء المغاربة ودعم بعض المعارضين للمغرب. لكن ألمانيا لم تفهم وتستوعب ولم تلتقط ولم تحلل تصريحات وزير الخارجية ناصر بوريطة الأخيرة والتي تؤكد على نهاية نظرية الأستاذ والتلميذ في علاقة المغرب والإتحاد الأوربي. كما أنها لم تستوعب مغزى تصريحات بوريطة والتي تطالب الاتحاد الأوربي بالخروج من ” المنطقة المريحة”فيما يتعلق بقضية ملف الوحدة الترابية. وأخيرا وبقيام ألمانيا باختراق بعض الإدرات العمومية لتجميع بعض المعلومات الحساسة، وبعدائها للمغرب في قضية الصحراء تكون قد ارتكبت خطأ كبيرا لأنه وبكل صراحة وبكل بساطة لا يمكن أن تستغني عن المغرب سياسيا، أمنيا واقتصاديا خاصة وأنها تحتضن جالية كبيرة ووازنة في صناديق الاقتراع وفي التنمية الاقتصادية. أتمنى أن تكون هذه الأزمة سحابة عابرة، و أن يتحلى الطرفان بدبلوماسية المصالح والابتعاد عن دبلوماسية المواقف والتي قد تؤدي بألمانيا إلى خسائر جيوستراتيجية كبيرة خاصة في إفريقيا.