د. حميد اربيعي
ترجع تجربة المغرب مع الانتخابات بكل أنواعها ومستوياتها، تشريعية ومهنية وجماعية وجهوية، وبالتالي التمتع بحق المشاركة السياسية، إلى السنوات الأولى للاستقلال (1956)، انطلقت مع سن أول دستور للمملكة صدر في 14 ديسمبر 1962. ولم يتوقف هذا المسار لحد الساعة، بل عرف على امتداد عقود من الزمن نقلات نوعية وطفرات كبيرة وانتكاسات نسبية، توج بمصادقة الشعب المغربي على دستور متقدم، من الجيل الجديد، في استفتاء أجري يوم فاتح يوليو 2011 إيذانا بفتح آفاق جديدة وواعدة للتجربة الديمقراطية وللنموذج التنموي المغربي.
وأهم ما يسترعي الانتباه في هذه التجربة الطويلة مراهنة بلادنا منذ وقت مبكر على حظر ونبذ نظام الحزب الوحيد، لقطع الطريق على كل تنظيم يسعى جاهدا لاحتكار السلطة وتركيزها في يده دون منافس. بخلاف ذلك، تم تكريس مبدأ التعددية الحزبية الذي ظل نظامنا السياسي وفيا له في جميع الدساتير التي عرفها حيث تميزت الممارسة العملية بوجود وتعايش أحزاب وتنظيمات سياسية تعتنق أفكارا مختلفة وتؤمن بمبادئ وتوجهات متباينة لكنها في نفس الوقت تلتئم حول بعض القواسم المشتركة وتجتمع على ثوابت جامعة تتمثل في الدين الإسلامي السمح، والوحدة الوطنية متعددة الروافد، والملكية الدستورية، والاختيار الديمقراطي الذي لا رجعة فيه، كما أصلها الفصل 2 من الوثيقة المعيارية الأسمى.
هذا التوجه هو الذي يفسر لنا إلى أبعد الحدود موقف المشرع الدستوري الصريح الرافض جملة وتفصيلا لتأسيس الأحزاب السياسية على أساس ديني أو لغوي أو عرقي أو جهوي، وبصفة عامة، على أي أساس من التمييز أو المخالفة لحقوق الإنسان. فالحزب السياسي وسيلة وليس غاية في حد ذاته. من هذه الزاوية، يمنع على أي تنظيم سياسي أن يمس بمبادئ الدين الإسلامي أو بالنظام الملكي أو المبادئ الدستورية أو الأسس الديمقراطية أو الوحدة الوطنية أو الترابية للمملكة. فلا يتصور أن يوظف الحزب السياسي الميكانيزمات الديمقراطية، ومن ضمنها الانتخابات، لإجهاض النظام الديمقراطي أو إفراغه من محتواه. في المقابل، ضمن الدستور في فصله 9 للأحزاب السياسية ومعها المنظمات النقابية بأن لا تحل ولا توقف من لدن السلطات العمومية إلا بمقتضى مقرر قضائي، ترسيخا لدولة الحق والقانون والمؤسسات.
وسعيا منه لتوطيد هذه القناعة الراسخة التي لا محيد عنها، أكد المشرع الدستوري حديثا على محورية دور الأحزاب السياسية وهو ما تجلى بشكل واضح في المقتضيات الدستورية التي تناولت هذه الهيئات. فالفصل 7 من الدستور الجديد أكد على أهمية الحزب ووظيفته في النظام الدستوري والمشهد السياسي على النحو التالي: “تعمل الأحزاب السياسية على تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي، وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية، وفي تدبير الشأن العام، وتساهم في التعبير عن إرادة الناخبين، والمشاركة في ممارسة السلطة، على أساس التعددية والتناوب، بالوسائل الديمقراطية، وفي نطاق المؤسسات الدستورية”.
وغير خاف أن تحقيق أي حزب لهذه الأهداف وتنزيله لهذه الوظائف ولعبه لهذه الأدوار الدستورية لا يتأتى ولا يمكن بلوغه إلا بسلك الطريق الديمقراطي وهو المشاركة في الاستحقاقات التشريعية والجماعية والجهوية على اعتبار أن “الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة هي أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي” كما ورد في الفصل 11 من دستور المملكة.
فما هي إذن الأسس القانونية التي تؤصل لحق المشاركة السياسية؟ وما هي الضمانات التي تحمي وتنهض بهذا الحق الأساسي؟
أولا: تأصيل حق المشاركة في الانتخابات
بفضل المقاربة التشاركية التي اعتمدت في صياغتها، جاءت الوثيقة الدستورية بمضامين غير مسبوقة ومقتضيات متطورة تضاهي دساتير الديمقراطيات العريقة في العالم لتؤسس لعهد دستوري جديد. ويمثل القانون الأساسي للمملكة تطويرا للتجربة الدستورية السابقة، وفي بعض الأحيان قطيعة مع سلبيات الماضي وذلك بالنظر إلى أهمية التعديلات التي جاء بها والمستجدات التي أقرها وكلها تروم بناء دولة عصرية وديمقراطية يحتل فيها المواطن مركز الصدارة وينعم فيها بحقوقه غير القابلة للتصرف. وإذا كان من الصعب أن نحصي جميع الجزئيات ونرصد كافة التفاصيل التي احتوى عليها الدستور، فإنه مع ذلك يمكن أن نشير إلى المبادئ الكبرى التي تؤطر حق المشاركة في الانتخابات وتشكل ثورة حقيقية في النظام الدستوري المغربي.
1. الترسيخ الدستوري لحق المشاركة في الانتخابات
على غرار الدساتير الأجنبية، حدد دستور المملكة نوع نظام الحكم الذي يتبناه؛ فهو نظام ملكية دستورية ديمقراطية برلمانية واجتماعية، مرتكزاتها الأساسية: فصل مرن للسلطات، يسمح بتوازنها وتعاونها، وترسيخ للديمقراطية المواطنة والتشاركية، واعتماد لمبادئ الحكامة الجيدة وربط للمسؤولية بالمحاسبة (الفصل الأول). وتأكيدا لهذه القواعد الدستورية، وتنزيلا لمقتضياتها، منح الدستور السيادة للأمة تمارسها مباشرة بواسطة الاستفتاء، وبطريق غير مباشر عبر ممثليها الذين تختارهم في المؤسسات والهيئات المنتخبة بالاقتراع الحر والنزيه والمنتظم (الفصل 2). لقد حرص الدستور أشد الحرص على التأكيد على أهمية الانتخابات كآلية ديمقراطية لإفراز النخب الكفأة والقادرة على التعاطي مع الشأن العام بمهنية وفعالية إن على المستوى الوطني أو الصعيدين الجهوي والمحلي.
وتعهد الدستور، نظرا للمكانة الرفيعة التي أصبح يكتسيها المواطن في العهد الدستوري الجديد، بأن تتعبأ السلطات العمومية وتتجند وتعمل دون كلل على توفير الظروف التي تمكن من تعميم الطابع الفعلي لحرية المواطنات والمواطنين، والمساواة بينهم، ومن مشاركتهم في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية (الفصل 6). وعلاقة بموضوع الانتخابات، وضمانا لشفافية الاقتراع، تلتزم هذه السلطات بالحياد التام إزاء المترشحين، وبعدم التمييز بينهم. فهي تقف على نفس المسافة في مواجهة المترشحين المتنافسين. وأسند الدستور للمشرع اختصاص تحديد القواعد التي تضمن الاستفادة، على نحو منصف، من وسائل الإعلام العمومية، والممارسة الكاملة للحريات والحقوق الأساسية، المرتبطة بالحملات الانتخابية، وبعمليات التصويت. ويقع عبء السهر على تطبيق هذه القواعد على السلطات المختصة بتنظيم الانتخابات.
لقد اعترف دستور المملكة، الذي يشكل بحق ميثاقا حقيقيا للحريات والحقوق الأساسية، للمواطنين والمواطنات بعدد من الحقوق ذات الصبغة السياسية وتتمثل في الحق في التصويت، وفي الترشح للانتخابات، وقيد ذلك ببلوغ سن الرشد القانونية، والتمتع بالحقوق المدنية والسياسية، كما جعل التصويت حقا شخصيا وواجبا وطنيا (الفصل 30). وإذا كانت هذه المقتضيات ثابتة في الدساتير السابقة ومحترمة عموما في الممارسة العملية، فإن أهم مستجد أدرجه المشرع الدستوري في النص الجديد هو تنصيصه على أن القانون يتولى سن مقتضيات من شأنها تشجيع تكافؤ الفرص بين النساء والرجال في ولوج الوظائف الانتخابية. هذه الإضافة النوعية وغير المسبوقة تجد تفسيرها المنطقي في التهميش الذي عانت منه المرأة لعدة عقود في الميدان السياسي والإقصاء من مراكز اتخاذ القرار. لذلك حان الوقت لتصحيح هذا الوضع الشاذ وتمكين المرأة من حقوقها كاملة غير منقوصة.
ولأول مرة في التاريخ الدستوري للمملكة، التفتت الوثيقة المعيارية الأسمى إلى وضعية مغاربة العالم وخصتهم بمقتضيات نوعية معيدة لهم الاعتبار في انتظار تفعيل مطلب تمثيليتهم في المؤسسة التشريعية. وارتباطا بموضوع المشاركة السياسية، فقد نص الفصل 17 من الدستور على جملة من المبادئ التي تحكم هذا الحق السياسي الدستوري الأساسي على الشكل التالي: “يتمتع المغاربة المقيمون في الخارج بحقوق المواطنة كاملة، بما فيها حق التصويت والترشيح في الانتخابات. ويمكنهم تقديم ترشيحاتهم للانتخابات على مستوى اللوائح والدوائر الانتخابية، المحلية والجهوية والوطنية. ويحدد القانون المعايير الخاصة بالأهلية للانتخاب وحالات التنافي. كما يحدد شروط وكيفيات الممارسة الفعلية لحق التصويت وحق الترشيح، انطلاقا من بلدان الإقامة”.
وعلى مستوى آخر، وفي سياق انفتاح المغرب على التجارب الأجنبية العريقة، أقر الدستور بإمكانية الأجانب المقيمين بالمملكة بصفة قانونية المشاركة في الانتخابات المحلية، بمقتضى القانون أو تطبيقا لاتفاقيات دولية أو ممارسات المعاملة بالمثل.
2. الالتزامات الدولية للمغرب
في خضم الحديث عن الحق في المشاركة في الانتخابات، لا يمكن أن نتجاهل الالتزامات التي قطعها المغرب على نفسه على الصعيد الدولي من خلال اتفاقيات حقوق الإنسان التي صادق عليها وتعهد باحترامها وتطبيقها طواعية وبحسن نية. ويجدر التنويه أن بلادنا بادرت إلى الانخراط في المنظومة الأممية الخاصة بحقوق الإنسان غداة الحصول على الاستقلال. ومنذ ذلك الوقت، توالى مسلسل الانضمام إلى الصكوك الدولية وأكدت المملكة في ديباجة الدستور بصفة رسمية لا رجعة فيها تشبثها بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا. وتعزيزا للحصيلة الإيجابية التي تم ترصيدها في مجال حقوق الإنسان، وتحصينا للمكتسبات التي راكمتها خلال عقود متتالية، فإنها تؤكد مجددا التزامها المطلق بـ “حماية منظومتي حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والنهوض بهما، والإسهام في تطويرهما؛ مع مراعاة الطابع الكوني لتلك الحقوق، وعدم قابليتها للتجزيء”.
من دون شك، يتحقق احترام حقوق الإنسان والنهوض بها عبر الانخراط في الصكوك الدولية التي أقرت بمكانة الفرد وكرامته، والعمل على تنفيذها وصونها في الواقع. من هذا المنظور، يصنف المغرب في خانة الدول التي صادقت على أمهات الاتفاقيات الدولية مع ما تقتضيه من التزامات وتبعات. ولتفعيل الطابع الإلزامي لهذه النصوص الدولية، صرح الدستور رسميا في ديباجته دائما أن الدولة تلتزم بـ “جعل الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور، وقوانين المملكة، وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو، فور نشرها، على التشريعات الوطنية، والعمل على ملاءمة هذه التشريعات، مع ما تتطلبه تلك المصادقة”. يستفاد من ذلك أنه في حالة التعارض بين نص تشريعي وآخر اتفاقي، فإن الأرجحية تعطى للمصدر الدولي. وبغية وضع حد للجدل القانوني الدائر حول القيمة القانونية التي تسبغ على ديباجة الدستور، اعتبر المغرب أن هذا التصدير يشكل جزء لا يتجزأ من الدستور. ولا تخفى الآثار القانونية التي تتولد عن هذا الاعتراف الدستوري حيث يمكن للمتقاضين الاحتجاج بالديباجة أمام مختلف محاكم المملكة دفاعا عن حقوقهم وحماية لحرياتهم.
دوليا، وفي باب الحقوق السياسية، نصت المادة 21 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المؤرخ في 10 ديسمبر 1948 على أن لكل فرد الحق في الاشتراك في إدارة الشؤون العامة لبلاده إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون اختيارا حرا. وأضافت أن إرادة الشعب هي مصدر سلطة الحكومة، ويعبر عن هذه الإرادة بانتخابات نزيهة دورية تجري على أساس الاقتراع السري وعلى قدم المساواة بين الجميع أو حسب أي إجراء مماثل يضمن حرية التصويت. وبصيغ مماثلة، أعاد العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي اعتمد من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16 ديسمبر 1966، والمصادق عليه من طرف المغرب والذي دخل حيز النفاذ منذ ما يزيد عن أربعة عقود (نشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 21/05/1980)، التأكيد في ماته 25 على هذه المقتضيات حيث ضمنت لكل مواطن، دون أي تمييز في أن ينتخب وينتخب، في انتخابات نزيهة تجرى دوريا بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري، تضمن التعبير الحر عن إرادة الناخبين.
وقبل ذلك، صادق المغرب على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري التي اعتمدت بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2106 ألف (د-20) بتاريخ 21 ديسمبر 1965 ورأت طريقها إلى النشر في الجريدة الرسمية في 4 فبراير 1970 لتصبح جزء من التشريع الوطني. وباختصار شديد، قامت الاتفاقية بتحديد التزامات الدول الأطراف والمتمثلة في شجب التمييز العنصري وانتهاج كل الوسائل المناسبة ودون تأخير للقضاء على التمييز العنصري بكافة أشكاله وتعزيز التفاهم بين جميع الأجناس. وعددت المادة 5 من الاتفاقية لائحة طويلة من الحقوق التي يجب على الدول الأعضاء الوفاء بها إعمالا لمضمون الاتفاقية، من حقوق مدنية وسياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية. وبخصوص الحقوق السياسية، أكدت المعاهدة على ضمان حق الاشتراك في الانتخابات – اقتراعا وترشيحا – على أساس الاقتراع العام المتساوي، والإسهام في الحكم وفي إدارة الشؤون العامة على جميع المستويات، وتولي الوظائف العامة على قدم المساواة.
وصادق المغرب على معاهدة أخرى لا تقل أهمية عن سابقتها، ويتعلق الأمر باتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة المعتمدة من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة في 18 ديسمبر1979، والمعروفة اختصارا باتفاقية السيداو (CEDAW)، اقتناعا منه، على غرار باقي مكونات المنتظم الدولي، أن التمييز يشكل انتهاكا صارخا لمبدأي المساواة في الحقوق واحترام كرامة الإنسان كما يعد عقبة أمام مشاركة المرأة على قدم المساواة مع الرجل في كل مناحي الحياة سواء كانت سياسية أم اقتصادية أم اجتماعية أم ثقافية أم غيرها. وتأسيسا على ذلك، يرى أن التنمية التامة والكاملة لأي بلد تتطلب مشاركة المرأة مشاركة فعالة وحقيقية. وكغيرها من الأوفاق الدولية، اشتملت اتفاقية السيداو على لائحة من الحقوق والحريات المعترف بها للمرأة تروم تحقيق المساواة بين الجنسين في التمتع بها، كما هو الأمر عليه في الحياة السياسية والعامة حيث نصت صراحة أن الدول الأطراف تتخذ جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في الحياة السياسية والعامة للبلد، وبوجه خاص تكفل للمرأة، على قدم المساواة مع الرجل، الحق في: (أ) التصويت في جميع الانتخابات والاستفتاءات العامة، والأهلية للانتخاب لجميع الهيئات التي ينتخب أعضاؤها بالاقتراع العام (المادة 7). ولم تبد الحكومة المغربية أي تحفظ بخصوص هذه المادة الشيء الذي يلزمها بالوفاء بها نصا وممارسة.
وعلاقة بموضوع المرأة دائما، تجدر الإشارة إلى أن المغرب انضم إلى اتفاقية الحقوق السياسية التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب قرارها رقم 640 (VII) المؤرخ في 20 ديسمبر 1952 والتي دخلت حيز التطبيق يوم 7 يوليو 1954 وفقا لمقتضيات الفصل VI، ونشرت في 15 فبراير 1978. لقد جاءت هذه الاتفاقية لتنص على تطبيق مبدأ المساواة في الحقوق بين الرجال والنساء الوارد في وثيقة هيأة الأمم المتحدة. فالدول الأطراف تعترف “بأن لكل شخص حق المشاركة في إدارة الشؤون العامة لبلده، سواء بصورة مباشرة أو بواسطة ممثلين يختارون في حرية، والحق في أن تتاح له على قدم المساواة مع سواه فرصة تقلد المناصب العامة في بلده”، كما يحدوها الأمل في جعل الرجال والنساء يتساوون في التمتع بالحقوق السياسية وفي ممارستها، طبقا لأحكام ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وترجمة لهذه الرغبة، فإنه يكون للنساء حق التصويت في جميع الانتخابات، بشروط تساوي بينهن وبين الرجال، دون أي تمييز (المادة الأولى). كما يمكن لهن أن ينتخبن لجميع الهيئات المنتخبة بالاقتراع العام، المنشأة بمقتضى التشريع الوطني (المادة 2).
استمرارا على هذا النهج، بادر المغرب إلى المصادقة في نفس الوقت على اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة المعتمدة من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك في 13 ديسمبر 2006 والبروتوكول الاختياري الملحق بها وذلك بتاريخ 8 أبريل 2009، وقام بنشرهما في الجريدة الرسمية سنة 2011. فهذه الشريحة المجتمعية لا زالت تواجه في سائر أنحاء العالم إكراهات تعترض مشاركتها كأعضاء في المجتمع على قدم المساواة مع الآخرين. لذلك ارتأى المنتظم الدولي سن اتفاقية دولية شاملة ومتكاملة لحماية وتعزيز حقوق هذه الفئة الاجتماعية التي تعيش ظروفا قاسية ووضعية هشة، والنهوض بمشاركتها في المجالات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية على أساس تكافؤ الفرص. ولم يفت الاتفاقية التوقف عند مبدأ المشاركة في الحياة السياسية والعامة للأشخاص ذوي الإعاقة وتذليل الصعوبات التي تحول دون تمتعهم الحقيقي والفعلي بها. لقد جعلت هذه المعاهدة على عاتق الدول الأطراف، ومنها المغرب، التزاما واضحا يتمثل في أن تكفل للأشخاص ذوي الإعاقة إمكانية المشاركة بصورة فعالة وكاملة في الحياة السياسية والعامة على قدم المساواة مع الآخرين، إما مباشرة وإما عن طريق ممثلين يختارونهم بحرية، بما في ذلك كفالة الحق والفرصة لهم كي يصوتوا وينتخبوا.
وبالنظر لخصوصية وضعية هذه الفئة، فقد أحاطت هذا الحق بجملة من التدابير التحفيزية والتمييزية، منهاكفالة أن تكون إجراءات التصويت ومرافقه ومواده مناسبة وميسرة وسهلة الفهم والاستعمال، كما تجب حماية حق الأشخاص ذوي الإعاقة في التصويت عن طريق الاقتراع السري في الانتخابات والاستفتاءات العامة دون ترهيب، وفي الترشح للانتخابات وتسهيل استخدام التكنولوجيا المعينة والجديدة حيثما اقتضى الأمر ذلك. إضافة إلى ذلك، تعمل الدولة الطرف على كفالة حرية تعبير الأشخاص ذوي الإعاقة عن إرادتهم كناخبين، والسماح لهم، عند الاقتضاء، تحقيقا لهذه الغاية، باختيار شخص يساعدهم على التصويت (المادة 29).
وفي موضوع الهجرة، يعد المغرب من أوائل الدول التي وقعت على الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم بتاريخ 15 أغسطس 1991، وصادق عليها في 21 يونيو 1993، كما قام بنشرها في الجريدة الرسمية سنة 2011، علما أن الدول المتقدمة اقتصاديا لم تقم بعد بالانضمام إلى هذه الاتفاقية بالنظر إلى حجم الالتزامات التي نصت عليها على عاتق الدول الأطراف. ورغم أن الأجانب لا يتمتعون مبدئيا بالحقوق السياسية في دولة الاستقبال لانتفاء رابطة الجنسية، إلا أن هذه المعاهدة نصت مع ذلك في المادة 42 على جواز أن يتمتع العمال المهاجرون بالحقوق السياسية في دولة العمل إذا منحتهم تلك الدولة هذه الحقوق في ممارستها لسيادتها، وهو ما سار عليه الدستور المغربي كما سبق بيانه. على العكس من ذلك، يحق للعمال المهاجرين وأفراد أسرهم، أن يشاركوا في الشؤون العامة في دولة منشئهم، وأن يدلوا بأصواتهم وأن ينتخبوا في الانتخابات التي تجرى في تلك الدولة، وفقا لتشريعها. من جهتها، تقوم الدول المعنية، حسب الاقتضاء ووفقا لتشريعها، بتيسير ممارسة هذه الحقوق.
يتضح مما سبق تفصيله، الدينامية المتميزة التي عبر عنها المغرب في مجال الاعتراف بحق المشاركة في الانتخابات لمواطنيه وكذا للأجانب المقيمين فوق ترابه الوطني. ولا يقتصر الأمر على مجرد الاعتراف، بل يتحمل المغرب بمصادقته على المعاهدات الدولية، بالتزامات وواجبات بموجب القانون الدولي بأن يحترم حقوق الإنسان ويحميها ويفي بها. وبناء عليه، وكغيره من الدول الأطراف في اتفاقيات حقوق الإنسان، التزم بتقديم تقارير دورية إلى لجان المعاهدات تتضمن أهم الإجراءات المتخذة والسياسات المتبعة لتفعيل مضمون الأوفاق الدولية ذات الصلة، توجت بعد المناقشات المستفيضة مع خبراء لجان حقوق الإنسان بمجموعة كبيرة من الملاحظات واقتراح حزمة من التوصيات لضمان التمتع الحقيقي والفعال بالحقوق والحريات المكفولة بمقتضى الصكوك الدولية.
3. المنظومة الانتخابية
مبدئيا، يتولى الدستور وضع القواعد الأساسية التي تحكم وتؤطر مجال الانتخابات دون إسهاب تاركا للقوانين التنظيمية والعادية مهمة التفصيل والتدقيق. وفي هذا السياق، اعتمدت بلادنا ترسانة قانونية ضخمة تشمل القوانين بنوعيها التنظيمي والعادي والمراسيم والقرارات، وخضعت مرارا لمراجعات وتعديلات وتحسينات جوهرية مستوحاة من الاجتهادات القضائية ومن التجارب المستخلصة من الممارسة وذلك لتتماشى مع الظرفية التاريخية. ولا يتسع المقام لتناول كل التشريعات التي تناولت موضوع الانتخابات لكثرتها وتشتتها، ونكتفي بإيراد بعض الأمثلة خاصة الحديثة منها للتدليل على أهمية حق المشاركة في الانتخابات كأحد الحقوق السياسية المعترف بها للمواطنين والمواطنات. وتعد مدونة الانتخابات (القانون رقم 9.97 بتاريخ 02/04/1997) الصادرة غداة المراجعة الدستورية لسنة 1996 بمثابة الشريعة العامة في مجال الانتخابات. فالهدف من وراء اعتماد هذا التشريع هو وضع منظومة قانونية موحدة وعصرية وسهلة الولوج تتضمن التشريع الانتخابي الجاري به العمل. وعلى مستوى التعبير عن إرادة الناخبين، أدرجت المدونة المبادئ المتعارف عليها عالميا في هذا الميدان والمرتبطة بحرية التصويت وسريته وطابعه العام. وتروم هذه المبادئ أساسا ضمان سلامة النتائج التي تفرزها صناديق الاقتراع وذلك بتمكين كل ناخب من التصويت بحرية لصالح اللائحة أو المرشح من اختياره بعيدا عن كل تأثير أو تهديد أو إكراه.
وارتباطا بوضعية المغاربة المقيمين خارج الوطن، وتحفيزا لهم على المشاركة المكثفة في الانتخابات التشريعية، وتيسيرا لهم في القيام بواجبهم الوطني،واستثناء من مبدأ شخصية الانتخاب، فقد نصت المادة 72 من القانون التنظيمي رقم 27.11 الخاص بمجلس النواب الصادر في 14 أكتوبر 2011 في فقرتها الأولى على أنه “يجوز للناخبات والناخبين المقيدين في اللوائح الانتخابية العامة المقيمين خارج تراب المملكة أن يصوتوا في الاقتراع عن طريق الوكالة”. وتولت المادة 72 من ذات التشريع تفصيل المسطرة الواجب اتباعها والخطوات التي ينبغي التقيد بها حتى يعتد بالوكالة وتنتج كل آثارها القانونية. هكذا، يتعين على كل ناخب يعنيه الأمر أن يملأ مطبوعا خاصا يوضع رهن إشارته بمقر السفارة أو القنصلية التابع لها مكان إقامته ويوقع عليه، ويصادق على إمضائه، في عين المكان، بعد تضمينه البيانات المتعلقة باسميه الشخصي والعائلي ورقم بطاقته الوطنية للتعريف أو جواز سفره والجماعة أو المقاطعة المقيد في لائحتها الانتخابية بالتراب الوطني والعنوان المدلى به للتقييد في اللائحة الانتخابية المذكورة وكذا الاسم الشخصي والعائلي للشخص الممنوحة له الوكالة ورقم بطاقته الوطنية للتعريف وعنوانه الشخصي. بعد ذلك، يتولى المعني بالأمر بنفسه توجيه أو تسليم الوكالة إلى الشخص الذي تم توكيله. وحتى لا يتوسع في الاستثناء، فلا يجوز لشخص أن يكون وكيلا لأكثر من ناخب واحد مقيم خارج تراب المملكة.
وأثار موضوع الوكالة بعض الإشكال من ذلك ما قضت به محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط في قرار لها بتاريخ 23 أكتوبر 2015 بقولها بأن تخويل المغاربة المقيمين بالخارج حق التصويت بالوكالة في جميع الاستحقاقات والانتخابات الجماعية غير مرتبط بإنجازها بالمصالح القنصلية للمملكة بالخارج فقط وفق المادة 12 من القانون رقم 59.11 المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية، بل ليس هناك ما يمنع من إنجازها والتوقيع عليها، أي الوكالة، من قبل السلطات المغربية المختصة.
وتتم عملية التصويت كما نصت عليها المادة 77 على الشكل التالي: أولا، إذا تعلق الأمر بناخب تابع لمكتب التصويت وموكل من لدن ناخب مقيم خارج تراب المملكة، قام الناخب الوكيل بالتصويت باسمه أولا، وفق الكيفيات المبينة في القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب، قبل التصويت، وفق نفس الكيفيات، نيابة عن الناخب الذي منحه الوكالة وذلك بعد الإدلاء بوثيقة الوكالة وبطاقته الوطنية للتعريف، ويشار إلى هذه الحالة ببيان خاص في محضر مكتب التصويت. ثانيا، إذا كان الوكيل لا يتوفر على صفة ناخب بمكتب التصويت التابع له الناخب الذي منحه الوكالة أدلى ببطاقته الوطنية للتعريف وبوثيقة الوكالة، ثم باشر عملية التصويت لفائدة الموكل وفق الكيفيات المبينة أعلاه، ويشار إلى هذه الحالة ببيان خاص في محضر مكتب التصويت.
وسن المشرع أيضا مقتضيات خاصة تهم فئة الأشخاص ذوي الإعاقة لتمكينهم من ممارسة حقهم في المشاركة في الانتخابات في ظروف ملائمة حيث جاء في المادة 77 المشار إليها أعلاه أنه “يمكن لكل ناخب به إعاقة ظاهرة تمنعه من وضع علامة تصويته على ورقة التصويت أو إدخال هذه الورقة في صندوق الاقتراع، أن يستعين بناخب من اختياره، يكون متوفرا على البطاقة الوطنية للتعريف. ويشار إلى هذه الحالة في محضر العمليات الانتخابية. غير أنه لا يمكن لأي شخص أن يقدم المساعدة لأكثر من ناخب معاق واحد”. مرة أخرى، ذهبت محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط في اجتهادها بتاريخ 30 أكتوبر 2015 إلى أن استعانة الشخص المعاق بناخب آخر عند التصويت يبقى متوقفا على وجود إعاقة ظاهرة يخضع تقديرها لمكتب التصويت، وتكون مانعا يحول دون وضع صاحبها علامة تصويته على ورقة التصويت أو إدخال هذه الورقة في صندوق الاقتراع وأن يكون المساعد من اختيار الناخب المعاق.
هذه بصفة مجملة المقتضيات القانونية المكرسة لحق المشاركة في الانتخابات، فما هي الضمانات الكفيلة بوضع هذا الحق موضع التنفيذ؟
ثانيا: تعزيز ضمانات حق المشاركة في الانتخابات
سبق معنا أن المغرب اعترف ورسخ منذ زمن بعيد بمقتضى الدستور واستنادا إلى الاتفاقيات الدولية المصادق عليها ومن خلال سن منظومة قانونية متكاملة للانتخابات، الحق في المشاركة في الانتخابات وطنيا وجهويا ومحليا. ولم يقتصر الأمر على هذا البعد، بل استأثر باهتمامه جانب الضمانات للتمتع الحقيقي والفعلي بهذا الحق السياسي. وبالرجوع إلى الترسانة القانونية الوطنية، يتبين بوضوح رغبة المشرع في تنظيم انتخابات حرة ونزيهة وشفافة لأنها أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي. ويمكن بسهولة التمييز بين نوعين من الضمانات التي تتكامل فيما بينها حماية لشفافية الاقتراع: ضمانات عامة تواكب المسلسل الانتخابي في جميع أطواره، وأخرى ذات طبيعة قضائية.
1. الضمانات ذات الصبغة العامة
ندرج ضمن هذه الفئة من الضمانات آلية الملاحظة المستقلة والمحايدة للانتخابات، وفقا للمعايير الدولية والتي تفسح الطريق أمام الملاحظين الدوليين والوطنيين لحضور وتتبع عمليات التصويت المنظمة في سائر أنحاء المملكة. ونظرا لأهمية هذه الضمانة فقد ارتقى بها المشرع إلى مستوى المقتضيات الدستورية، محيلا على القانون رقم 30.11 الصادر بتاريخ 29 سبتمبر 2011 مهمة تفصيل شروط وشكليات اعتماد ملاحظي الانتخابات وتبيان حقوقهم وواجباتهم. فالملاحظة المستقلة والمحايدة للانتخابات هي كل عملية تهدف إلى التتبع الميداني لسير العمليات الانتخابية وتجميع معطياتها بموضوعية وتجرد وحياد، وتقييم ظروف تنظيمها وإجرائها ومدى احترامها للقواعد الدستورية والنصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالانتخابات والمعايير الدولية، من خلال إعداد تقارير بشأنها تتضمن ملاحظات الجهات المعدة لهذه التقارير، وعند الاقتضاء، توصياتها التي ترفعها للسلطات المعنية. من دون شك، يوجد حق المشاركة في الانتخابات في قلب هذه الآلية الدستورية حيث يمكن رصد كل التجاوزات والخروقات التي تطال هذا الحق مع بلورة التوصيات والمقترحات القمينة بمعالجة الخلل وتقويم النقص والاعوجاج.
من جهة أخرى، أدرج المشرع في القانون التنظيمي رقم 27.11 المؤرخ في 14 أكتوبر 2011 والمتعلق بمجلس النواب مقتضيات تروم الحفاظ على سلامة العمليات الانتخابية في جميع مراحلها مع التنصيص في كل مرة على بعض الشكليات الآمرة تعزيزا لمبدأ النزاهة، ابتداء من مرحلة القيد في اللوائح الانتخابية كشرط للتمتع بحق التصويت. وفعلا، فإن ممارسة حق التصويت من طرف كل مواطن رهينة بالتقييد في اللوائح الانتخابية اعتبارا لكون أهمية هذه الأخيرة تكمن في الإشهاد بأن الناخب تتوفر فيه الشروط الموضوعية المطلوبة لاكتساب حق التصويت. وضمن القانون للناخب حق منازعة الإدارة في قراراتها بشأن القيد ونقل القيد والتشطيب من اللوائح الانتخابية.
وحظيت العملية الانتخابية، نظرا للخروقات الكثيرة والمتكررة التي تشوبها، باهتمام المشرع وأفرد لها مقتضيات خصصت للضوابط التي يتعين التقيد بها من طرف المترشحين والناخبين والغير، كما قام بجرد للمخالفات المرتكبة بمناسبة الانتخابات والعقوبات المقررة لها، تصديقا للمبدأ الدستوري القاضي بأن “كل شخص خالف المقتضيات والقواعد المتعلقة بنزاهة وصدق وشفافية العمليات الانتخابية، يعاقب على ذلك بمقتضى القانون” (الفصل 11، فقرة 5).
ومن الأمثلة التطبيقية على المخالفات المقترفة بمناسبة الانتخابات التشريعية والتي تمس بصفة مباشرة الحق في التصويت ما نصت عليه المادة 45 من القانون التنظيمي رقم 27.11 من معاقبة، بالحبس من ستة أشهر وبغرامة من 1.200 إلى 5.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، كل شخص فقد حق التصويت لسبب من الأسباب ومع ذلك صوت إما بحكم قيده في لوائح انتخابية وضعت قبل فقده حق التصويت أو قيد فيها بعد ذلك دون طلب منه. وتطال العقوبة المتمثلة في الحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة من 10.000 إلى 50.000 درهم كذلك كل من صوت بموجب قيد غير قانوني في اللائحة الانتخابية، أو بانتحاله اسم وصفة ناخب مسجل أو استعمل حقه في الانتخاب أكثر من مرة واحدة (المادة 46)، وكل شخص مقيد في لوائح انتخابية متعددة صوت أكثر من مرة واحدة (المادة 47).
وسطر المشرع كذلك عقوبات مناسبة لردع كل سلوك يمس ويعتدي على إرادة الناخبين في اختيار مرشحيهم. فقد تدخل بمقتضيات زجرية لمعاقبة كل شخص أقدم، باستعمال أخبار زائفة أو إشاعات كاذبة أو غير ذلك من طرق التدليس، على تحويل أصوات الناخبين أو دفع ناخبا أو أكثر إلى الإمساك عن التصويت، أو استأجر أو سخر أشخاصا على وجه يهدد به الناخبين أو يخل بالنظام العام، أو أقدم بواسطة تجمعات أو صياح أو مظاهرات تهديدية على إحداث اضطراب في سير عمليات التصويت أو مس بممارسة حق الانتخاب أو حرية التصويت. في نفس السياق، يعاقب بالحبس والغرامة كل من اقتحم أو حاول اقتحام قاعة التصويت بعنف لمنع الناخبين من اختيار لائحة ترشيح أو مترشح.
وتشدد المشرع إلى أبعد الحدود عندما يتعلق الأمر بسلوكات مشينة وممارسات تفسد الاستحقاقاتالانتخابية وتفرغها من مضمونها وتكرس فقدان الثقة فيها من طرف الناخبين، كالحصول أو محاولة الحصول على صوت ناخب أو أصوات عدة ناخبين بفضل هدايا أو تبرعات نقدية أو عينية أو وعد بها أو بوظائف عامة أو خاصة أو منافع أخرى قصد التأثير على تصويتهم سواء كان ذلك بطريقة مباشرة أو بواسطة الغير أو استعمال نفس الوسائل لحمل أو محاولة حمل ناخب أو عدة ناخبين على الإمساك عن التصويت. وتطال العقوبات الأشخاص الذين قبلوا أو التمسوا الهدايا أو التبرعات أو الوعود وكذا الأشخاص الذين توسطوا في تقديمها أو شاركوا في ذلك.
وفي نفس السياق، تصدى المشرع بعقوبات زجرية قاسية لكل شخص قام، خلال الحملة الانتخابية، بتقديم هدايا أو تبرعات أو وعود بها أو بهبات إدارية إما لجماعة ترابية وإما لمجموعة من المواطنين، أيا كانت، بقصد التأثير في تصويت الناخبين أو بعض منهم.
لا شك إذن أن إدراج أحكام صارمة تزجر المخالفات المرتكبة بمناسبة الانتخابات في جميع أطوارها من شأنه أن يحد من السلوكات المعوجة ويحمي ويصون حق المشاركة عن طريق التصويت للتعبير عن الإرادة الحرة للناخبين.
ومن مظاهر حماية المشرع لنزاهة الانتخابات خلال عملية الاقتراع، ومنه حق الناخبين في احترام إرادتهم المعبر عنها بواسطة التصويت وما أسفرت عنه نتائج الاقتراع، ما نص عليه من تخويل وكيل كل لائحة أو كل مترشح الحق في التوفر في كل مكتب تصويت على ممثل ناخب مؤهل، ليراقب بصفة مستمرة عمليات التصويت وفرز الأصوات وإحصاءها، التي يقوم بها مكتب التصويت. وفي مرحلة فرز الأصوات وإعلان النتائج من لدن مكاتب التصويت، وللاطمئنان على سلامة هذه العملية الدقيقة، يسمح للمترشحين بتعيين فاحصين تسلم أسماؤهم إلى رئيس مكتب التصويت قبل اختتام الاقتراع بساعة على الأقل. أما بخصوص قواعد وضع المحاضر، فإنه يتم إعداد نسخ من المحضر باستخدام أي وسيلة متوفرة في عدد يعادل عدد لوائح الترشيح أو عدد المترشحين لتسلم فورا إلى ممثل كل لائحة أو كل مترشح. من جهة أخرى، يخول لممثلي اللوائح أو المترشحين حضور أشغال لجنة الإحصاء التابعة للعمالة أو الإقليم أو عمالة المقاطعات، كما يمكن أن يمثل كل لائحة ترشيح أو كل مترشح مندوب يحضر أشغال لجنة الإحصاء الجهوية.
لقد اتخذ المشرع في القانون التنظيمي رقم 27.11 كما تم تغييره وتتميمه لا سيما بالقانون التنظيمي رقم 04.21 الصادر في 21 أبريل 2021حزمة من الضمانات والاحتياطات القبلية حيث أشرك سلطة القضاء في الإشراف على الانتخابات، كإسناد رئاسة لجنة الإحصاء التابعة للعمالة أو الإقليم أو عمالة المقاطعات إلى رئيس المحكمة الابتدائية أو قاض ينوب عنه. نفس الشيء فعله بالنسبة للجنة الإحصاء الجهوية التي يرأسها رئيس المحكمة الابتدائية التابع لنفوذها مركز الجهة أو قاض ينوب عنه بصفة رئيس.
وارتباطا بوضعية الأشخاص ذوي الإعاقة، يجدر التنويه بإقدام المشرع على إحداث آلية وطنية لدى المجلس الوطني لحقوق الإنسان تروم حماية حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة إعمالا لمصادقة المغرب على الاتفاقية ذات الصلة. فبمقتضى القانون رقم 76.15 بإعادة تنظيم المجلس الوطني لحقوق الإنسان المؤرخ في 22 فبراير 2018، أسندت لهذه الآلية اختصاصات متنوعة تتمثل في تلقي الشكايات المقدمة مباشرة من قبل الأشخاص في وضعية إعاقة ضحايا الانتهاك أو من لدن من ينوب عنهم، أو من قبل الغير، عند انتهاك حق من حقوقهم (وضمنه الحق السياسي)؛ والقيام بجميع التحريات المتعلقة بالشكايات المتوصل بها ودراستها ومعالجتها والبت فيها؛ وتنظيم جلسات استماع ودعوة الأطراف المعنية بموضوع الانتهاك أو الشكاية وكذا الشهود والخبراء وكل شخص ترى فائدة في الاستماع إليه. استنادا إلى هذه المقتضيات الجديدة، ليس هناك ما يمنع كل شخص معني أن يحيل تظلمه على هذه الآلية كلما تعلق الأمر مثلا بالصعوبات التي تعترض الأشخاص ذوي الإعاقة في التمتع الفعلي بحقوقهم السياسية كحق التصويت في الانتخابات أو الترشيح لها.
علاوة على ذلك، يجوز لهذه الآلية التصدي تلقائيا لحالات خرق أو انتهاك حق من حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة التي تبلغ إلى علمها، شرط إخبار الشخص المعني وعدم اعتراضه على تدخل الآلية الوطنية المذكورة. وتتولى هذه الأخيرة تعزيز الحقوق المنصوص عليها في اتفاقية الأشخاص ذوي الإعاقة وبروتوكولها الاختياري ورصد تنفيذها. ومن واجب أعضاء هذه الآلية، بمناسبة تنظيم الاستحقاقات التشريعية والجماعية والجهوية بشكل متزامن في الأسابيع القليلة المقبلة، تتبع ممارسة الأشخاص ذوي الإعاقة لحقوقهم ذات الصبغة السياسية ورصد كل الصعوبات التي تحول دون استفادتهم من حقوقهم الدستورية ومعالجة ذلك بإصدار توصيات ومقترحات للجهات المعنية.
2. الضمانات القضائية
رغم كل الاحتياطات التي اتخذها المشرع لضمان شفافية ومصداقية الانتخابات، فقد يعتري المسار الانتخابي بعض الشوائب التي تمسه في نزاهته. لذلك يبقى اللجوء إلى القضاء الملاذ الأخير لكل متضرر، سواء تعلق الأمر بوضع الطعون المرتبطة باللوائح الانتخابية العامة، أو تلك التي تهم الترشيحات أو تتعلق بالعمليات الانتخابية. ويلعب القضاء الدستوري دورا مهما في فض المنازعات الانتخابية، حيث يحكم ببطلان الانتخابات جزئيا أو مطلقا في حالة إذا لم يجر الانتخاب طبقا للإجراءات المقررة في القانون، أو إذا لم يكن الاقتراع حرا أو شابته مناورات تدليسية، أو إذا كان المنتخب أو المنتخبون من الأشخاص الذين لا يجوز لهم الترشح للانتخابات بمقتضى القانون أو بموجب حكم قضائي.
ويهمنا هنا التوقف عند بعض الحالات التي تشوب حق المشاركة في الانتخابات فتسفر صناديق الاقتراع على نتائج غير صادقة وغير معبرة عن إرادة الناخبين الحقيقية. ويطغى على هذه الحالات التوظيف غير المشروع للمال الشيء الذي تصدى له القضاء بنوعية الدستوري والزجري بالمرصاد وبعقوبات ردعية.
فمن الصور الحديثة للاستعمال غير المشروع للمال في الانتخابات، تسليم المترشح مبالغ مالية من أجل توزيعها على الناخبين قصد التصويت لفائدته. ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل يتعداه إلى سلوكات مقيتة ومخالفة للقانون. ومن الطعون التي عرضت على نظر القضاء الدستوري نورد النموذج التالي: لضمان حصول المترشح داخل كل مكتب تصويت تابع لدائرة نفوذ كل واحد من الوسطاء على عدد الأصوات المتفق عليه، توصل المعني بالأمر من كل عضو بشيك موقع من طرفه بمبلغ مالي دون تحديد اسم المستفيد منه، ومقابل ذلك سلم والد المطعون في انتخابه لأربعة من هؤلاء الأعضاء ولأربعة أعضاء آخرين في نفس المجلس الجماعي إقرارا واعترافا بدين مؤرخ في 13 نوفمبر 2011، يشهد فيه على نفسه أنه مدين بمبلغ مالي لكل واحد من هؤلاء الأعضاء، وبأنه ملتزم بأداء مبلغ هذا الدين دفعة واحدة قبل متم شهر نوفمبر 2011. بعد القيام بالتحريات اللازمة، واعتمادا على تقرير الخبرة الخطية المنجزة من طرف مختبر الأبحاث والتحليلات التقنية والعلمية للدرك الملكي، توصل المجلس الدستوري إلى وجود قرائن قوية تدل دلالة واضحة وتؤشر على قيام المترشح “بمناورة تدليسية أثناء الحملة الانتخابية ترمي إلى استمالة الناخبين للتصويت لفائدته، مما يبعث على الشك في توفر حرية الاختيار للناخبين، وعلى عدم الاطمئنان على صدق نتيجة الاقتراع الذي أعلن على إثره انتخاب السيد …، مما يتعين معه التصريح بإلغاء انتخابه عضوا بمجلس النواب” (قرار رقم 905.12 بتاريخ 15/11/2012).
وتجدر الإشارة إلى أن المجلس الدستوري لا يتسامح بتاتا مع التوظيف غير المشروع للمال في الاستحقاقات الانتخابية ويضرب بقوة كل من سولت له نفسه شراء ذمم الناخبين وإفساد عملية الاقتراع: “إن التناقض في التصريحات التي أدلى بها السيد (أ) حول الطريقة التي تسلم بها الشيك موضوع النزاع والغاية منه، وتراجع السيد (ب) أمام المحكمة الابتدائية عن تصريحاته التي أدلى بها أمام الضابطة القضائية وأمام قاضي التحقيق، وهو تراجع يثير الشك في دوافعه الحقيقية، يدل في مجموعه على قيام السيد (أ) بممارسات ترمي إلى التأثير على إرادة الناخبين، مما يبعث على عدم الاطمئنان إلى النتيجة التي حصل عليها في العملية الانتخابية التي آلت إلى فوزه، الأمر الذي يتعين معه إلغاء انتخابه عضوا بمجلس النواب، عملا بمقتضيات المادة 89 من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب” (قرار رقم 907.12 بتاريخ 03/12/2012؛ قرار رقم 909.12 بتاريخ 05/11/2012).
وحماية للحق السياسي المرتبط بالتصويت، بت المجلس الدستوري حديثا نسبيا في طعن انتخابي أثير بخصوصه دفع بعدم قانونية مسطرة التقاط المكالمات الهاتفية، فكان جوابه على الشكل التالي (قرار رقم 999.16 بتاريخ 11/05/2016): “حيث إن عملية التقاط المكالمات الهاتفية للمطعون في انتخابه صدر الإذن بإجرائها بمقتضى الأمر عدد 236 ن/2301/2015 الصادر بتاريخ 29 سبتمبر 2015 عن قاضي التحقيق بالغرفة الأولى لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، تبعا للملتمس المقدم من طرف النيابة العامة بهذه المحكمة بناء على ما بلغ إلى علم الوكيل العام للملك بها من أن بعض المرشحين لانتخابات أعضاء مجلس المستشارين المزمع إجراؤها يوم ثاني أكتوبر2015 كانوا يقومون بتوزيع أموال وتقديم هدايا وتبرعات للحصول على أصوات الناخبين، وبتقديم رشاوى وهبات بمبالغ تفوق مائة ألف درهم لموظفين قصد التدخل لفائدتهم في العملية الانتخابية؛ وحيث إن الأمر القضائي المذكور، الذي صدر في إطار مقتضيات المادة 108 من قانون المسطرة الجنائية، وقع تنفيذه على يد المصلحة الولائية للشرطة القضائية بولاية أمن الدار البيضاء التي أنجزت في شأنه المحضر عدد 661/ س/م و ش ق الذي ضمنت فيه المكالمات الملتقطة كما تم تسجيلها في قرص مدمج، وذلك وفق مقتضيات المادتين 111 و112 من قانون المسطرة الجنائية؛ وحيث إنه، لئن كانت السلطات المختصة ملزمة، في إطار مكافحة الممارسات المخلة بنزاهة الانتخابات، بالتقيد بما يفرضه القانون من ضوابط ومقتضيات، فإنه يتبين من مراقبة المجلس الدستوري للمسطرة، التي اتبعت في التقاط المكالمات الهاتفية المسجلة في المحضر المذكور، أن إعمالها جرى تنفيذا للأمر الصادر عن قاضي التحقيق في نطاق مقتضيات الفقرة الثانية من المادة 108 من قانون المسطرة الجنائية التي لا تحصر أنواع الجرائم التي يمكن لقاضي التحقيق أن يأمر بالتقاط المكالمات الهاتفية بشأنها، ولا مجال بالتالي للاستدلال في النازلة بالفقرة الثالثة من المادة المذكورة التي تحصر بالفعل الجرائم التي يجوز التقاط المكالمات الهاتفية بشأنها بمقتضى أمر يصدره الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بناء على طلب من الوكيل العام لديها؛ وحيث إنه، تبعا لذلك، يكون الدفع المثار بشأن بطلان إجراءات مسطرة التقاط المكالمات الهاتفية في النازلة غير مرتكز على أساس قانوني صحيح”.
في نهاية المطاف، تبين للمجلس الدستوري بما لا يدع مجالا للشك من مجموع العناصر الواردة في تصريحات المطعون في انتخابه من خلال المكالمتين الهاتفيتين المذكورتين أن عملية انتخابه شابتها مناورات تدليسية أدت إلى المساس بصدق وسلامة الاقتراع، الأمر الذي يتعين معه إلغاء انتخابه.
لا يقتصر الأمر على القضاء الدستوري في التصدي للاستعمال غير المشروع للمال، فقد كان للقضاء الزجري نصيب في مكافحة هذه السلوكات المعوجة وضرب بيد من حديد كل من يتلاعب بإرادة الناخبين ويفرغ حقهم في المشاركة في الانتخابات من جدواه. وكان هذا القضاء سباقا إلى اعتماد الآليات القانونية الحديثة كتلك التي وردت في القانون رقم 03.03 الصادر في 28 ماي 2003 المتعلق بمكافحة الإرهاب والتي أدخلت تغييرات جوهرية على مضمون المادة 108 من قانون المسطرة الجنائية وذلك بتقرير جملة من الاستثناءات الواردة على مبدأ منع التقاط المكالمات الهاتفية أو الاتصالات المنجزة بوسائل الاتصال عن بعد وتسجيلها أو أخذ نسخ منها أو حجزها.
وعرضت على القضاء الزجري بعض الدعاوى في الموضوع نذكر منها قرار الغرفة الجنائية بالمجلس الأعلى الصادر في 11 يوليو 2007 جاء فيه: “وحيث إنه استنادا إلى ما ذكر أعلاه، ثبت للمحكمة بأن المتهم ح. ت. قام خلال الحملة الانتخابية بتقديم هدايا وتبرعات لفائدة م. ع. ووعد بها لمجموعة من المواطنين (ب. ا. ومن معه) بقصد حملهم على التصويت لفائدة أخيه م. ت. وبأنه ساعد هذا الأخير في الحصول على أصوات عدة ناخبين بفضل هبات وتبرعات نقدية بقصد التأثير على تصويتهم وذلك بطريقة مباشرة وبواسطة الغير (بواسطة ر.) وكذلك شارك أخاه في القيام خلال الحملة الانتخابية بتقديم تبرعات نقدية والوعد بها بقصد التأثير في تصويت هيئة من الناخبين أو بعض منهم، مما يتعين معه إلغاء الحكم الابتدائي فيما قضى به من براءته في هذا الشق وبعد التصدي التصريح بإدانته من أجل كل ذلك”.
وحديثا جدا، بتت الغرفة الجنائية بمحكمة النقض في نازلة (قرار بتاريخ 20/11/2019) تتعلق بجنحة محاولة الحصول على أصوات ناخبين. ودفع طالب النقض بخرق مقتضيات المادة 108 من قانون المسطرة الجنائية وبعدم احترام ضمانات المحاكمة العادلة، غير أن المحكمة العليا كان لها رأي آخر سجلته بوضوح في الحيثية التالية: “حيث إنه لما كان لمحكمة الموضوع كامل الصلاحية للأخذ بما تطمئن إليه من كافة وسائل الإثبات المعروضة عليها والمناقشة أمامها، ومنها تصريحات الأطراف وباقي الأدلة المحيطة بوقائع القضية، وطرح ما لم تطمئن إليه منها، فإن المحكمة المطعون في قرارها لما استخلصت دليل اقتناعها بإدانة الطاعن بما هو منسوب إليه، مما استنتجته من قرائن تمثلت أساسا في مضمون المكالمات الهاتفية التي كانت موضوع استماع والتقاط مشروع وقانوني وفي مقتضيات المادة 108 من قانون المسطرة الجنائية، وخاصة منها تلك التي ربطت الطاعن بكل من المسمى (ت. م.) والمسمى (ب.) وعلى (ق.) والتي ورد تفصيلها في تنصيصات القرار واستخلصت من مجمل الحوارات الملتقطة التي كانت في إطار زمني يسبق انتخابات أعضاء مجلس المستشارين بوقت يسير ومن صفات الأشخاص المتحدث بشأنهم وموضوع المكالمات أنها كانت تدور حول الاتفاق مع ناخبين ومحاولة استمالتهم لفائدة الطاعن الذي كان بالفعل أحد المرشحين في الدائرة الانتخابية، واقتنعت من خلال مجمل القرائن أعلاه بقيام العناصر القانونية لجنحة محاولة الحصول على أصوات ناخبين بفضل هدايا أو تبرعات أو الوعد بها وتقديم تبرعات بقصد التأثير على هيئة من الناخبين أو بعض منهم، المتابع من أجلها الطاعن، فهي لم تخرق مقتضيات المادة 62 المحتج بها بالوسيلة، المحكمة بذلك تكون قد استعملت سلطتها في تقدير ما عرض عليها من وقائع وأدلة، وعللت قرارها تعليلا كافيا من غير أن تخرق أي مقتضى قانوني”.
على سبيل الختم، حاولنا من خلال هذه الدراسة تناول سريعا بعض المقتضيات القانونية الضامنة لحق المشاركة في الانتخابات مبتدئين بالقانون الأسمى للدولة، مرورا بمعاهدات حقوق الإنسان التي يعد المغرب طرفا فيها، وانتهاء بأحكام التشريع الداخلي. وتبين لنا بالملموس انخراط المملكة في صف الدول التي رسخت الحقوق السياسية للمواطنين والمواطنات منذ زمن بعيد وما واكب ذلك من ممارسة عملية امتدت لعقود طويلة. ورغم ذلك، لا يتوانى المشرع في تحسين وتحيين والارتقاء بالمنظومة القانونية، مع الأخذ في الحسبان دائما وأبدا كل الضمانات على اختلاف أنواعها التي من شأنها تحقيق انتخابات حرة ونزيهة ومعبرة عن إرادة الأمة الحقيقية.
أستاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق بوجدة