24ساعة-أسماء خيندوف
تعتبر التجارة البحرية حجر الزاوية للاقتصاد العالمي، حيث تمثل حوالي 80% من التبادلات الدولية من حيث الحجم، وحوالي 70% من حيث القيمة. و في عام 2023، تم نقل أكثر من 12 مليار طن من البضائع عبر البحر، وهو رقم يعكس التزايد المستمر لهذه التجارة بفضل تعميق التدفقات التجارية بين القارات. ومع ما يمتلكه المغرب من موقع جغرافي استراتيجي وطول سواحل يصل إلى 3500 كيلومتر، فإنه يعد أحد اللاعبين الرئيسيين في هذه التجارة البحرية العالمية.
موقع استراتيجي وبنية تحتية بحرية متطورة
يتمتع المغرب بواجهة بحرية ومحيطية، يملك شبكة موانئ تعتبر الأهم في المنطقة، حيث يعالج 96% من التبادلات التجارية عبر هذه الموانئ. و من أجل تعزيز مكانته كدولة بحرية استراتيجية، وضعت الحكومة المغربية خطة تحديث طموحة للموانئ حتى عام 2030. و تتضمن هذه الاستراتيجية بناء موانئ جديدة وتحديث الحالية لزيادة قدرتها على استيعاب السفن العملاقة المتطورة التي أصبحت سمة بارزة في التجارة البحرية العالمية.
التحولات في قطاع التجارة البحرية: من السفن العملاقة إلى موانئ المستقبل
أدى التوسع السريع في حجم التجارة البحرية، مدعوما بالتطورات التكنولوجية، إلى ظهور ما يسمى بـ “السفن العملاقة” (ULCV)، التي تتجاوز في حجمها الـ 400 متر في الطول ويمكنها حمل حتى 24,000 حاوية. هذه السفن، التي تعادل في كل رحلة نقل 12,000 شاحنة أو 240 قطارة، فرضت على الموانئ تحديات كبيرة تتعلق بالأعماق والقدرة على استقبال هذه السفن.
و تعد موانئ المغرب، مثل ميناء طنجة المتوسط، من الموانئ التي نجحت في التكيف مع هذه التحولات، حيث تصدرت قائمة أكبر 20 ميناء حاويات في العالم في عام 2023، مع حركة مرور بلغت 8.61 مليون حاوية. هذا النجاح يعود جزئياً إلى الموقع الاستراتيجي للميناء عند تقاطع الطرق البحرية بين أوروبا وأفريقيا والأمريكيتين، مما يعزز من دوره المحوري في التجارة العالمية.
التحديات التقنية.. من الموانئ الصغيرة إلى الطموحات الكبرى
رغم الإنجازات التي حققتها موانئ المغرب، لا تزال بعض الموانئ، مثل ميناء الدار البيضاء، تواجه تحديات كبيرة في استيعاب السفن الحديثة ذات الأحجام الكبيرة. فبينما تمت توسعة ميناء الدار البيضاء ليتحمل سفن فئة “باناماكس”، لا تزال هذه السفن عاجزة عن التعامل مع السفن الأكبر حجماً، ما يعوق قدرة الميناء على المنافسة في التجارة العالمية. في هذا السياق، يتطلب الأمر مواصلة جهود التحديث والتوسع، بما في ذلك مشروع “وِسَال” الذي يهدف إلى نقل بعض الأنشطة المينائية إلى أجزاء أخرى من المدينة لتخفيف الضغط على الميناء.
الموانئ المستقبلية: ميناء الجرف الأصفر ومشروع نادر غرب البحر المتوسط
إلى جانب تحديث الموانئ الحالية، أطلق المغرب مشاريع جديدة لتعزيز مكانته في التجارة البحرية. في هذا السياق، يعد ميناء “نادر غرب البحر المتوسط” (NWM) أحد أبرز المشاريع المستقبلية، حيث سيوفر عمقاً طبيعياً يصل إلى 20 مترًا، وهو ما سيتيح استقبال السفن العملاقة التي تنقل الغاز الطبيعي المسال والفحم. كما يربط هذا المشروع، بشكل استراتيجي بالموانئ الأخرى مثل طنجة المتوسط والجرف الأصفر، سيكون نقطة محورية في تعزيز قدرة المغرب على استيعاب التدفقات البحرية العالمية.
دور ميناء الداخلة في تعزيز الربط مع إفريقيا
و من جهة أخرى، يمثل مشروع ميناء الداخلة فرصة كبيرة لتعزيز الربط البحري بين المغرب وأفريقيا جنوب الصحراء. يتميز هذا الميناء بموقعه الاستراتيجي على الساحل الأطلسي، حيث سيلعب دورًا مهمًا في تسهيل حركة التجارة بين أفريقيا وأوروبا والأمريكيتين. مع قدرة استيعابية تصل إلى 16 مترًا في العمق، سيعمل الميناء على دعم الاقتصاد الوطني ويسهم في تسريع التبادل التجاري بين المغرب وأفريقيا.
التحديات والفرص المستقبلية
بالتوازي مع هذه المشاريع الضخمة، يواجه المغرب تحديات كبيرة، مثل التوترات الجيوسياسية والتغيرات المناخية التي تؤثر على التجارة البحرية، خاصة بعد الأحداث غير المتوقعة مثل إغلاق قناة السويس. لكن هذه التحديات توفر للمغرب فرصة فريدة لتعزيز موقعه كممر استراتيجي بديلاً للموانئ العالمية الكبرى، مثل موانئ جنوب إفريقيا وشرق إفريقيا.
الاستثمار في البنية التحتية والمستقبل البحري
تواصل المملكة المغربية سعيها لتعزيز مكانتها على الساحة الدولية من خلال تحديث موانئها وبناء شبكة بحرية قوية ومترابطة. و مع مشاريع طموحة مثل ميناء الداخلة وميناء نادر غرب البحر المتوسط، يسعى المغرب إلى توسيع دوره في التجارة البحرية العالمية وتأمين مكانته كداعم رئيسي في سلاسل الإمداد اللوجستية الدولية. كما يهدف هذا التوجه نحو تطوير البنية التحتية البحرية يتطلب استثمارات ضخمة ويشكل ركيزة أساسية لتحقيق الرؤية المستقبلية للمملكة حتى عام 2050.