قررت الولايات المتحدة إعادة العمل بالأسطول البحري العسكري الثاني المختص في النصف الشمالي للمحيط الأطلسي حتى منطقة مضيق جبل طارق، وهو قرار هام للغاية يأتي بعد تكثيف التواجد في البحر الأبيض المتوسط وجنوب القارة الأمريكية، مما يدل على عودة قوية لحرب باردة من نوع آخر، كما يجعل المغرب وسط هذه الحرب.
وجاء القرار خلال الأيام الماضية بتشغيل هذا الأسطول الذي كان في الخدمة من سنة 1950 إلى 2011 وكان يحمل في البداية اسم الأسطول الثامن، وجرى حله سنة 2011 في وقت جرى فيه الاعتقاد بهدوء العلاقات بين روسيا ومنظمة شمال الحلف الأطلسي. لكن يتم إعادة العمل به مجددا لأسباب متعددة أبرزها:
في المقام الأول، إعادة انتشار روسيا عسكريا في مختلف مناطق العالم وخاصة منطقة البحر الأبيض المتوسط والتواجد المكثف جوا وبحرا في شمال المحيط الأطلسي. ورفعت روسيا من أسطولها العسكري في كالينغراد، وهي الأراضي الروسية في أوروبا بالقرب من السويد وتحد برا ببولونيا، حيث تشكل أكبر تحد عسكري للغرب لقربها من مياه شمال الأطلسي. وتشتكي دول شمال أوروبا من التواجد العسكري الروسي سواء عبر الغواصات أو الرحلات الجوية العسكرية التي تنطلق من شمال روسيا حتى مضيق جبل طارق.
وكان الأدميرال جون ريتشاردسون قائد العمليات البحرية قد صرح منذ أيام أن إعادة تشغيل يأتي جوابا على التطورات العالمية، في إشارة إلى روسيا دون تسميتها.
وفي المقام الثاني، الطريق البحري الجديد الآخذ في التبلور والذي يمر عبر شمال روسيا في مياه القطب الشمالي ونحو أوروبا الغربية وأمريكا اللاتينية، حيث من المنتظر تحوله إلى طريق رئيسية للتجارة العالمية تراهن عليه الصين وروسيا. وهذا يتطلب حضورا عسكريا مكثفا، ولهذا ترفع القوى الكبرى من حضورها العسكري، وهنا يأتي إعادة تشغيل الولايات المتحدة للأسطول الثاني.
ويأتي قرار البنتاغون ليتعارض كليا مع قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي كان قد هدد خلال قمة شمال الحلف الأطلسي الشهر الماضي بتخفيض نسبة القوات الأمريكية في أوروبا والعالم وتقليص النفقات العسكرية. ويبرز القرار كيف يتم تجاوز صلاحيات الرئيس عندما يتعلق الأمر بتحديات عسكرية ذات المدى البعيد، في حين أن فترة حكم الرئيس هي أربع سنوات فقط أو ثمان في حالة فوزه ثانية.
وهكذا، في ظرف سنوات قليلة، عمدت الولايات المتحدة إلى إعادة انتشارها العسكري عبر إعادة تشغيل الأسطول الرابع المتعلق بأمريكا اللاتينية، كما نشرت الذرع الصاروخي في جنوب اسبانيا ومناطق أخرى وأخيرا والآن الأسطول الرابع للرد على التحدي الروسي.
ونظرا لموقعه العسكري الاستراتيجي وخاصة مضيق جبل طارق، يتأثر المغرب بطريقة أو أخرى بكل التطورات العسكرية الدولية وخاصة الأطلسية والبحر الأبيض المتوسط. فبعد احتضان قاعدة روتا الذرع الصاروخي، كثفت روسيا من وجودها العسكري في مضيق جبل طارق، حيث ترسو سفن عسكرية بشكل دوري لمراقبة نشاط الأمريكيين وقاعدة روتا.
وبعدما رفعت الولايات المتحدة من وجودها في البحر الأبيض المتوسط، عادت روسيا بقوة رفقة الصين الى البحر المتوسط، وإن كان حضور أسطول البلدين محدود نسبيا مقارنة مع شرقه، بسبب الحرب السورية.
والآن، وبعد إعادة العمل بالأسطول الثاني الذي سيغطي انطلاقا من مضيق جبل طارق في نقطته الأطلسية حتى القطب الشمالي، سترفع روسيا من وجودها العسكري مجددا. وبهذا يكون المغرب في قلب الحرب الباردة كما كان إبان الستينات وحتى نهاية الثمانينات.