نجيب الأضادي
يحظى موضوع حقوق الإنسان في المغرب بأهمية بالغة تشغل اهتمام الرأي العام الوطني والدولي ،وقد عرفت الأوضاع الحقوقية في بلادنا نوعا من التأرجح بين النجاحات والإنتكاسات حقق من خلالها المغرب على مستوى النجاحات مكاسب سياسية كبيرة، منذ أن دشن مسار الإنصاف والمصالحة لطي ملف ما سمي بسنوات “الجمر والرصاص “، وإعلان تعديل دستوري في 2011، اتبعته عدة إجراءات وإصلاحات مست الحقوق والحريات وفصل السلط واستقلالية القضاء، وتوفير شروط المحاكمة العادلة، وإصلاح القانون الجنائي، ومدونة الصحافة والاعلام والمصادقة على عدة اتفاقيات دولية ملزمة، تخص مجال الحريات العامة والحقوق، إلا أن كل هذه الإصلاحات لا زالت تشوبها بعض النواقص على المستوى الإجرائي بحيث تفتقد لأجرأة التطبيق الفعلي على المستوى المؤسساتي .
هذه التراكمات والإنجازات الحقوقية وحتى بعض التراجعات “النكوصية” فيما يشبه “الردة الحقوقية” لا تعطي الحق لمؤسسة برلمانية أوروبية، لتتدخل بشكل سافر في السيادة القضائية لدولة ذات مؤسسات، مما يستدعي منا كباحثين ومهتمين،ضرورة التعليق على انحرافات هذه المؤسسة البرلمانية، التي لم تكن موفقة بالمرة في مناقشة ملف حقوق الإنسان بالمغرب ،في تعارض تام عما بدر منها سابقا من تنويهات بخصوص هذا الملف ،حيث تأكد لنا هذه المرة أن مؤسسة البرلمان الأوروبي مؤسسة متحكم فيها.
وفي هذا الخصوص ،انعقدت يوم الخميس 19يناير 2023 ببرروكسيل جلسة للبرلمان الأوروبي للتصويت على قرار يدين الوضع الحقوقي في المغرب وخاصة ملف الصحافيين المعتقلين، وكانت نتيجة التصويت هي 356 صوتا مقابل 32 صوتوا بالرفض و42 امتنعوا عن التصويت ورغم أن هذه النتيجة تبدو منذ الوهلة الأولى صادمة لنا كمتتبعين ومحللين، لكن بعد فحص أسبابها وحيثياتها وملابساتها نفهم جيدا ماهية هذه النتيحة وكنهها السياسي وكيف تم التحكم فيها عن بعد بمجموعة من المناورات العدائية التي أصبحت مفضوحة ومكشوفة أمام المجتمع الدولي، رغم أنني كباحث أكاديمي أقر أن المغرب ليس جنة حقوق الإنسان لكن يحاول أن يبني ديمقراطيته ودولته المؤسساتية ولديه تراكمات كبيرة في هذا المجال صفق لها البرلمان الأوروبي نفسه في أفق أن يصبح بلدا رائدا رغم وجود العديد من الإكراهات والمعوقات لا يتسع المقال للتطرق إليها .
نص القرار الأوروبي الذي عرض على التصويت كان يؤكد على «ضرورة احترام السلطات المغربية حرية التعبير وحرية الإعلام» ثم «ضمان محاكمات عادلة للصحافيين المعتقلين بعيدا عن تلفيق تهم جنسية».
وقد ركز البيان البرلماني على ثلاث حالات يعرف من قام بصياغته أنها تستأثر باهتمام كبير من طرف الرأي العام الوطني والدولي وهي توفيق بوعشرين المدير السابق لجريدة «أخبار اليوم» الذي تم الحكم عليه بـ 15 سنة، ثم عمر الراضي وهو صحافي استقصائي تم الحكم عليه بست سنوات بالتجسس والاغتصاب، وسليمان الريسوني الذي كان رئيس تحرير لجريدة «أخبار اليوم» وتم الحكم عليه بخمس سنوات بتهمة محاولة الاغتصاب. وركزت التوصية على باقي المعتقلين ومنهم معتقلو حراك الريف وعلى رأسهم ناصر الزفزافي.
تصويت البرلمان الأوروبي رافقه في المغرب ردود فعل منددة من جهات رسمية وأخرى غير رسمية، مع أنه في نظري كنت أفضل أن يبقى الرد منحصرا في وكالة المغرب العربي للانباء والتلفزيون العمومي الرسمي لأن الدبلوماسية المغربية بقيادة الملك محمد السادس أصبحت ناضجة. و أعتقد أنه لا داعي لتحريك البرلمان المغربي الذي عليه أن يركز على الشأن الداخلي والتنموي والتشريعي الذي بواسطته قد يخدم قضايا حقوق الإنسان .
أما بخصوص المجلس الأعلى للسلطة القضائية فإننا دولة ذات سيادة والبرلمان الأوروبي هو عبارة عن “قطيع غنم ” تتحكم فيه فرنسا كيف تشاء خاصة منذ خروج بريطانيا وضعف ألمانيا، وصعود اليمين المتطرف في إيطاليا ، وفي جمبع الأحوال تبقى مؤسسة ذات صبغة استشارية لا تؤثر في صنع القرار الأوروبي وليس لها أي أثر قانوني مادي ملزم ، التي تصنع القرار السياسي والدبلوماسي والأمني والاقتصادي هي المفوضية العليا للإتحاد الأوروبي، وأعتقد أن الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل كان في المغرب قبل أيام وناصر بوريطة قام بالواجب معه في هدوء تام و قد عبرت المفوضية الأوروبية عن رغبتها في ترسيخ الشراكة المغربية الأوروبية .
إذن هناك أشياء أخرى ولوبيات أخرى هي من تدفع بالبرلمان الأوروبي لاتخاذ مثل هذه المواقف “الفولكلورية” في هذا التوقيت بالذات ، وهنا أكاد أجزم أن السياسة التي ينهجها برلمان الاتحاد الأوروبي المتحكم فيه من طرف فرنسا، هي سياسة الغاز والمصالح ،فلو كانت هناك مصداقية لهذا البرلمان حول اشكالية حقوق الإنسان؛ لأدانت في هذا التصويت المفبرك الجزائر والتي يقبع في سجن الحراش 47 صحفيا وما يقارب 3000 ناشط سياسي وحقوقي بالاضافة الى الآلاف من معتقلي الرأي منذ اندلاع الحراك، والذي كان سيؤدي الى انهيار النظام العسكري بالجزائر ،لولا توقف الحراك بحجة كوفيد 19 والمهزلة الإنتخابية المحبوكة لتبون.
لو كان البرلمان الأوروبي يهتم بالديمقراطية لأدان الرئيس التونسي قيس سعيد ،الذي قام بانقلاب سياسي وعمل على تحجيم الحريات العامة، بما فيها حرية الصحافة ثم تصنيف البوليساريو منظمة إرهابية لما تقوم به من زعزعة للاستقرار الإقليمي والسلم في منطقتي شمال إفريقيا والساحل والصحراء.
ثم إدانة الرئيس السوري بشار الأسد لما اقترفه بحق الشعب السوري وأخرون. والأجدر أن يخصص جلسات للحرب الأوكرانية الروسية التي تعتبر “سبة” في حق أوروبا وحلف الناتو .
وكان الأجدر بالبرلمان الأوروبي أن يعقد جلسة ليصوت على قرار ضد فرنسا بخصوص تقصيرها في الوفاء بالتزاماتها الحقوقية ،وعلى وجه الخصوص انتهاك “الحق في الحياة”. حيث لا يزال 38 طفلاً من فرنسا في المخيمات في سوريا سيما بعد إدانتها من طرف لجنة حقوق الطفل بالأمم المتحدة وما ترتكبه فرنسا بحق فرنسا نفسها التي قمعت حراك منظمة السترات الصفراء وما ترتكبه كن جرائم الاستغلال ونهب ثروات الشعوب الإفريقية والمغاربية، هذا هو الواقع الذي كان يجب على النواب الأوروبيبن مناقشته .
لذلك أرى من وجهة نظري الخاصة أنه لادعي لإعطاء أي اهتمام رسمي لتصويت البرلمان الأوروبي ،فردود الفعل الرسمية في اعتقادي قد لا تخدم المصالح المغربية على المستوى المتوسط والبعيد ودبلوماسية المغرب عودتنا أنها لا ترد على دبلوماسية الأبواق خصوصا. وأننا نعلم أن فرنسا هي من تستعمل المؤسسات الأوروبية لضرب مصالح المغرب، أو الضغط عليه لأسباب أكثر خطورة والتي يجب اخذها بعين الاعتبار في هذه الحرب بالوكالة التي تخوضها فرنسا في أزمتها مع المغرب.
إن تصويت البرلمان الأوروبي لايستهدف الحقوق بالمغرب فحسب بل يستهدف المؤسسات ويعمل على تشويه سمعة المغرب لما حققه من تقدم في ملف الصحراء المغربية سيما تحالفه مع قوى عظمى كالولايات المتحدة الأمريكية وعودة العلاقات الدبلوملسبة مع إسرائيل ونهجه خيار رابح رابح مع روسيا والصين والهند واتجاهه اقتصاديا نحو دول الجنوب وهو ما لا تريده فرنسا وتابعاتها لأنها تعرف أن المغرب لم يعد متحكم فيه والسياسية الرشيدة التي ينهجها أصبحت خارج السيطرة .