أسامة بلفقير-الرباط
لن يجادل أحد في كون العلاقات بين المغرب وإسبانيا اجتازت على مر التاريخ منعرجات دبلوماسية ذهبت في بعض الفترات إلى حد القطيعة الدبلوماسية، بل كادت تفجر مواجهة عسكرية بين الرباط ومدريد في أعقاب أحداث جزيرة ليلى سنة 2002..لكن ما وقع في السنوات الأخيرة، يعكس في واقع الأمر، فهما عميقا لمصالح البلدين والتي تعلو فوق أي محاولة للمساس بها من هذا الطرف أو ذاك، أو محاولة توريط هذه العلاقات في وحل نزاع مفتعل لم يسبب إلا أعطاب التنمية في منطقة المغرب العربي.
لسنا هنا بصدد النبش في التاريخ، لكننا نعطي المثال الحي، لمن يريد أن يتعظ، بأن مصالح الشعوب تعلو فوق كل الأزمات، وبأن السيادة الوطنية لأي دولة هي على رأس المصالح الوطنية، وهي الرسالة التي فهمتها إسبانيا جيدا، فما كان إلا أن توجهنا نحو طي صفحة الخلاف الذي تفجر في الفترة الماضية، ليتم التأسيس لشراكة موثوقة قوامها الوضوح وشفافية المواقف، والنقاش العميق من أجل الوصول إلى تعاون قوي بين البلدين.
لقد كانت الرسالة التي وجهها رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز إلى الملك محمد السادس بمثابة دفعة قوية للعلاقات بين البلدين، لاسيما بعدما فككت مدريد عقدتها في قضية الصحراء المغربية وأكدت بأن مشروع الحكم الذاتي هو “الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية النزاع، حيث أشادت بالجهود الجادة وذات المصداقية التي يقوم بها بها المغرب في إطار الأمم المتحدة من أجل تسوية ترضي الأطراف.
هذه الرسالة الواضحة تؤكد أن الدولة الإسبانية صاغت موقفها والكلمات التي تعبر عنه بانتقائية واعية ودقيقة للمصطلحات والمفردات، وأنها تروم بإصرار ومسؤولية إعادة بناء العلاقات المغربية الإسبانية على فهم جديد للجوار، الذي لا يمكن أن يكون إلا جوارا استراتيجيا، مؤسسا على المصالح المشتركة، وفي مقدمتها تلك التي لها صلة حميمة بعتبات السيادة، والمجالات الحيوية للمنافع والمصالح المتبادلة والمشتركة.
لذلك يمكن اعتبار هذا الموقف الإسباني انتصارا ليس فقط للسيادة الوطنية، بل انتصارا للعلاقات القوية بين البلدين، والتي يبقى فيها الإنسان صلب الاهتمام. فهي رسالة على تحول استراتيجي في سجل العلاقات المغربية الإسبانية، التي ظلت متأرجحة بين الصعود والنزول، واستمرت موسومة بالتوتر تارة، والدفء طورا آخر، وغدا عصيا عليها لعقود أن تخرج من الدائرة الرمادية إلى فضاء الصفاء والوضوح، على الأقل منذ موت “الجنرال فرانكو” وافتعال نزاع وهمي حول الصحراء المغربية.