24 ساعة – متابعة
يلاحظ المتتبعون لمسار العلاقات بين المغرب والصين السرعة الملفتة لوتيرة تطور تعاونهما خلال السنوات الأخيرة في مختلف المجالات، وذلك ارتكازا على العلاقات الدبلوماسية المتينة التي تجمعهما وكذا الارادة السياسية القوية التي تحدوهما للمضي قدما نحو آفاق واعدة للتعاون.
وبلا شك، فإن تفشي فيروس كورونا عبر العالم أرخى بظلاله على التعاون الاقتصادي والتجاري والتبادلات السياحية والثقافية بين البلدين، غير أن الأسس الصلبة للشراكة الاستراتيجية التي تجمعهما، عقب الزيارة التاريخية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس إلى الصين في ماي 2016، والانخراط الفاعل للمملكة في مبادرة “الحزام والطريق”، وتزايد الاستثمارات الصينية بالمغرب، كلها عوامل من شأنها تذليل الصعوبات الطارئة واستعادة دينامية التعاون الثنائي.
وفي الواقع، فقد كشفت أزمة وباء كوفيد -19، عن حجم التضامن بين بكين والرباط عبر تبادل مختلف أشكال الدعم وتقاسم الخبرات، حيث كان المغرب سباقا إلى التعبير عن تضامنه مع الصين إبان فترة مكافحتها للفيروس، إذ بادرت مؤسسات مغربية إلى إرسال مواد طبية لدعم جهود البلد في احتواء الجائحة، وبالمثل حرصت الصين على دعم المغرب وتسهيل اقتناء حاجياته الطبية من شركاتها، فضلا عن عقد مجموعة من اللقاءات عبر الفيديو بين الخبراء الطبيين لكلا البلدين لتبادل الخبرات والتجارب في مكافحة الوباء.
كما حرصت السلطات الصينية على التعاون الكامل مع المملكة لتسهيل وإنجاح عملية إجلاء مواطنين مغاربة من مدينة ووهان، بؤرة تفشي الفيروس التي كانت تخضع لحجر صحي وإغلاق كامل، عبر تنظيم رحلة طيران خاصة أمنتها الخطوط الملكية المغربية مطلع فبراير الماضي، حيث كان المغرب من بين أوائل البلدان التي حرصت على إجلاء مواطنيها الذين كانوا عالقين في ووهان.
وفي خضم الجهود لمكافحة الوباء تتقاطع رؤى المغرب والصين بشأن دعم الدول الإفريقية في مواجهة تداعيات تفشي الفيروس، وهو ما ترجمته المملكة عبر تقديم مساعدات طبية للعديد من البلدان الإفريقية الشقيقة من أجل مواكبتها في جهودها لمكافحة الجائحة، وهي المبادرة التي حظيت بترحيب دولي وإقليمي واسع النطاق. ونفس الأمر قامت به الصين اتجاه بلدان إفريقيا بدعمها بالمواد الطبية وإرسال خبراء طبيين، وهو ما يجسد بشكل ملموس قيم التضامن والتعاون التي يدعو إليها البلدان وخاصة اتجاه إفريقيا.
ويرى المتتبعون أن زيارة جلالة الملك إلى الصين في ماي 2016، والتي تم خلالها التوقيع على اتفاقية “شراكة استراتيجية شاملة” بين البلدين، إضافة إلى سلسلة من اتفاقات التعاون في مجموعة من المجالات المهمة، وكذا توقيع مذكرة تفاهم سنة 2017 بشأن انضمام المغرب إلى مبادرة “الحزام والطريق”، أعطت زخما كبيرا للتعاون المغربي الصيني وحققت نتائج ملموسة في علاقات التعاون بين البلدين، أدت إلى تبوء المملكة المرتبة الثانية من حيث جذب الاستثمارات الصينية بإفريقيا بأزيد من 80 مشروعا مهما في مختلف أرجاء البلاد.
ومن بين أبرز مشاريع التعاون الاقتصادي بين البلدين، المشروع الضخم لإنجاز وتطوير مدينة “محمد السادس طنجة تيك”، التي تم توقيع اتفاقية بشأنها في أبريل 2019 ببكين، على هامش منتدى “الحزام والطريق” للتعاون الدولي، وذلك بين مؤسسة تهيئة طنجة تيك (سات)، والمقاولة الصينية “تشاينا كومنكيشن كونستركشن كومباني ليمتيد انترناشنل” (سي سي سي سي) وفرعها “تشاينا رود أند بريدج كوربورايشن” (سي ار بي سي).
كما تعززت الاستثمارت الصينية في المغرب، بقيام المجموعة الصينية “سيتيك ديكاستال” المختصة في إنتاج قطع غيار السيارات من الألومنيوم، بافتتاح أول مصنع لها بالقنيطرة في يونيو 2019، باستثمار مالي بقيمة 350 مليون أورو، وذلك تتويجا لاتفاقية الاستثمار الموقعة بين البلدين لإنشاء وحدة لإنتاج إطارات العجلات من الألومنيوم بالمنطقة الصناعية المندمجة “أتلانتيك فري زون” بالقنيطرة، بطاقة إنتاجية سنوية تبلغ 6 ملايين وحدة.
وفي هذا الصدد، أبرزت وانغ جينيان، الأستاذة الباحثة بمعهد دراسات غرب آسيا وإفريقيا التابع لأكاديمية العلوم الاجتماعية الصينية، أنه منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في 1958 تتطور العلاقات الصينية المغربية بشكل مستدام وإيجابي، إلا أنها شهدت دينامية سريعة خلال السنوات الأخيرة، من حيث كثافة تبادل الزيارات عالية المستوى، ونمو المبادلات التجارية والتعاون الاقتصادي، وتعزيز التبادلات في مجالات الثقافة والسياحة والتعليم والصحة والإعلام، مضيفة أن التعاون بين البلدين أثمر نتائج إيجابية وملموسة في عدة مجالات وأضحى يشكل نموذجا للتعاون الثنائي.
وقالت الباحثة الصينية، إن المغرب، الذي يحظى بموقع استراتيجي متميز ويتمتع بالاستقرار، يعتبر بلدا مهما على الساحتين الإفريقية والعربية، كما يضطلع بأدوار كبرى في جامعة الدول العربية والاتحاد الافريقي، مضيفة أن تطور العلاقات الصينية المغربية سيسهم في دعم علاقات الصين مع إفريقيا والعالم العربي.
كما أشارت إلى الدور الهام الذي تضطلع به المملكة في منتدى التعاون الصيني العربي، فضلا عن الأهمية التي توليها لها الصين في تفعيل مبادرة “الحزام والطريق”، مبرزة أن افتتاح الخط الجوي المباشر بين الدار البيضاء وبكين في يناير الماضي سيسهم بشكل كبير في زيادة التبادلات السياحية وتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين.
وفي مرحلة ما بعد الوباء، يراهن رجال الأعمال والفاعلون في المجال السياحي بكلا البلدين على هذا الخط الجوي المباشر لتجاوز التداعيات الاقتصادية السلبية للوباء وإعطاء زخم جديد في مسار تعزيز التعاون بين بلدين يشكلان قطبين رائدين في قارتيهما آسيا وإفريقيا.
والمؤكد أن المزايا الايجابية لهذا الخط الجوي المباشر لن تقتصر فقط على خدمة التعاون بين المغرب والصين وإنما ستشمل أيضا بلدان القارة الافريقية المتضررة من تداعيات الوباء، والتي ستجد في هذا الخط سبيلا للوصول الى العملاق الآسيوي بالنظر للريادة القارية لشركة الخطوط الملكية المغربية عبر شبكة خطوطها المباشرة لمعظم بلدان القارة الافريقية.