أحمد بنصالح
لقد شهدت العلاقات المغربية الإسبانية منذ بداية الاهتمام بها بالأوساط الأكاديمية و الجامعية المغربية و الاسبانية العديد من الاصدارات العلمية و الاسهامات الفكرية المختلفة و المتنوعة٬ إلا أن تتبع و رصد ديناميكية هاته العلاقات الثنائية و اخضاعها للبحث و التنقيب اقتصر على قلة قليلة من النخبة البحثية المتخصصة بالعلاقات الدولية٬ بالنظر إلى اهتمامها٬ خلافا للأبحاث و الدراسات الكلاسيكية المتداولة٬ بالجوانب الغير المعروفة كفاية عند جمهور المهتمين و المتتبعين و الباحثين في العلاقات البينية المغربية الاسبانية٬ نظرا لخاصياتها المتعددة و خصوصياتها المتفردة٬ و منها أساسا تناقضاتها و مفارقاتها.
التتبع و الرصد القائم على البحث و التنقيب يصدر عن الأستاذ و الباحث بجامعة محمد الخامس عبد العالي بروكي بعنوان : “المغرب وإسبانيا، البحر والرمال و ما بينهما”٬ حيث يندرج الاصدار الجديد عن منشورات “الزمن” سلسلة “شرفات” ضمن فئة الاصدارات المتوسطة الحجم و يقع في 214 صفحة. أما محتويات هذا الاصدار المُنقح فاشتملت على مقدمة مقتضبة و توزعت فصوله على أقسام معنونة و مبوبة و انتهت بالنهاية بخاتمة موجزة على شاكلة المقدمة المقتضبة، تضمنت في ثناياها مختلف خلاصات البحث و التنقيب، و طارحة بذلك رؤية تقديرية لصاحب الاصدار للحقبة الزمنية موضوع البحث.
الاصدار موضوع الحديث يُعتبر٬ بحسب تعبير الأستاذ الباحث في العلاقات الدولية٬ بمثابة أول دراسة تتطرق بالدرس و التحليل للعلاقات الثنائية الاسبانية المغربية٬ منذ القرن الثامن عشر و إلى غاية العقد الأول من الألفية الثالثة، جاعلة كمحور أساسي كرونولوجي لها اتفاقيات الصيد بين المغرب و إسبانيا. بالجهة المقابلة٬ المساهمة العلمية لم تقتصر في تناولها للعلاقات الإسبانية المغربية لموضوع اتفاقيات الصيد فحسب، و إنما فقط انطلقت منها لتقوم بتحليل أبعادها السياسية في كل مرحلة من المراحل التي تختلف فيها طبيعة العلاقات بين البلدين و موازين القوى و السياقات الدولية التي تؤثر في كليهما.
المُؤَلَفُ موضوع الحديث اعتمد الاقتصاد محدِّدًا محوريا و مؤسسا بالغ الأهمية بالعلاقات البينية بين المغرب و اسبانيا٬ تحديدا اتفاقيات الصيد٬ و بالضبط أدوارها و مساهماتها في بناء علاقات دولية بين المغرب و اسبانيا٬ حيث قام صاحب المساهمة البحثية٬ انطلاقًا من دراسة بحثية و مقاربة تحليلية و قراءة استقرائية٬ بتفكيك هذا المُحَدد و إبراز تجلياته و ارتباطاته و علاقاته بمحدد السياسة بمعادلة العلاقات الثنائية بين المغرب و اسبانيا٬ بهدف فهم طبيعة و تركيبة علاقاتهما البينية و إدراك حيثياتها٬ و ذلك وفقا لمقاربة تحليلية تفصيلية ارتأت الاعتماد على رصد و تتبع و تعقب مسار علاقات المغرب باسبانيا.
الدراسة تناولت كذلك العلاقة بين اتفاقيات الصيد و قضية الصحراء من خلال رصد المراحل التي سبقت التوغل الاسباني إلى الشواطئ الأطلسية المغربية٬ مثلما تناولت أيضا كيفية مقاومة المغرب لهذه الأطماع بشتى الوسائل و الإمكانيات٬ انطلاقا من استقلال المغرب و عمله على استرجاع الصحراء و ما كان لهذه العملية من تدافعات و تجاذبات مع اسبانيا٬ ثم انتهاء بانضمام إسبانيا إلى المجموعة الأوروبية التي ستأخذ معها العلاقات المغربية الاسبانية بعدا ثلاثيا تتداخل فيه مجموعة من القضايا و القطاعات وسيأخذ فيها التعاون الثنائي المغربي الأوروبي و المغربي الاسباني و الاسباني الأوروبي أبعاد متعددة و مختلفة.
الكتاب يعد في حد ذاته تأريخا و توثيقا لحقبة مهمة من تاريخ العلاقات الاسبانية المغربية، بتتبعه و رصده لمسار و تطورات هاته العلاقات الثنائية٬ و تسليطه الضوء على تشعباتها و تداخلاتها، طيلة عقدين من التفاعلات البينية. مثلما يعد مرآة للنظر من خلالها لطبيعة و ديناميكية العلاقات البينية بين اسبانيا و المغرب. فضلا عن كونه أيضا٬ بحسب تعبير المُؤلف، إقناع للجمهور بأن العلاقات المغربية الاسبانية ٬ مهما تعددت الكتابات حولها و تباينت القراءات بشأنها و مهما تنوعت محاور دراستها و زوايا تناولها، ستبقى علاقات متميزة و حالة خاصة و استثنائية في العلاقة بين الدول التي تربطها علاقات الجوار.
أما مقاربة الكاتب المعتمدة بإصداره فليست إلا إلماما شاملا و تفصيليا بكليات و جزئيات موضوع مساهمته البحثية. أما الاصدار في حد ذاته فيعد بالتأكيد مصدرا مهما للمعلومات و مرجعا علميا للبحث و مساهمة قيمة ستغني مما لا شك فيه مكتبة العلاقات الدولية٬ لما يوفره من معطيات و ينقله من صور و يصفه من أحداث. أمل الاطلاع على هذا الاصدار الجديد فسيمكِّن قراءه لا محالة من فهم تاريخ هاته العلاقة و معرفة فصولها الغير المعروفة. مثلما تعد المساهمة خلفية مساعدة على فهم جزء غير يسير من الأحداث التاريخية، لفترة ليست بأية فترة٬ و إنما فترة مُؤسسة لحاضر العلاقات المغربية الإسبانية.
إن هذا الاصدار الجديد يعد بالنهاية مساهمة علمية أسست لثقافة استقصائية في البحوث و الدراسات المغربية-الإسبانية في زمن أصبحت فيه معرفة العلاقات المغربية الاسبانية بالغة الأهمية و التعرف على خباياها و حيثياتها ضرورة لمعرفة توجهاتها المستقبلية نظرا لتحولاتها المستمرة و تطوراتها السريعة. أما صاحب الاصدار الأستاد و الباحث عبد العالي بروكي فإنه يعد واحدا من أهم الأسماء البحثية المتخصصة في العلاقات المغربية الإسبانية. صدرت له عدة كتب و اصدارات علمية و اسهامات بحثية منشورة بالعديد من الدوريات المتخصصة، مثلما أشرف على عدة ترجمات و عدة أبحاث و دراسات جامعية.