24 ساعة ـ متابعة
في مقال وثق فيه الباحث الفلسطيني محمود النفار زيارة استثنائية للفيلسوف المغربي طه عبد الرحمان “طوفان الأقصى”. نشره موقع مركز الحضارة للدراسات والبحوث، يبرز المفكرالمغربي وجهة نظره في عملية “طوفان الأقصى” أن “استئناف جديد للحضارة، وانبعاث جديد للأمة، وميلاد جديد للإنسان. من خلال قيم جديدة يكتشف فيها المرء ذاته فيغوص إلى أعماقها، ليتصل ظاهره بباطنه، وعاجله بآجله. ومفاهيم جديدة يتلمس فيها حريته في ظل شيوع قيم التعبيد للإرادة الإسرائيلية، وشروط جديدة يستعيد فيها فطرته في واقع شاعت فيه قيم الضلال”.
المقاومة الفلسطينية تكتب اليوم تاريخ الأمة
ويردف طه عبد الرحمان أن : “تكتب المقاومة الفلسطينية اليوم تاريخ الأمة، وتقود الإنسانية نحو النور بما ينفتح بصنيعها من عقول. وما يقع وسيقع جراء فعلها المبهر من مراجعات ذاتية: فردية وجماعية، وهي بحق استئناف راشد للعطاء المتواصل. وتوريث إبداعي للطاقة المتجددة في مسارات التاريخ الإسلامي والإنساني”، وهذه المراجعات “وإن كانت قليلة العديد إلا أنها عظيمة الأمانة، وشريفة الإرادة. لأنها تعيد تأسيس القيم على الصفات الإلهية. وتعيد تأسيس الإسلام على الصبغة المقدسية، وتعيد تأسيس الروح على القرب الإلهي”.
و أبرز المفكرأن “المقاومة هي الفعل الذي يسهم في بناء الحضارة الإسلامية وتشييد الحضارات الإنسانية”. و”الطريقة التي يمكن لأمتنا اليوم أن تساهم فيها في البناء الحضاري والتجديد الإنساني هي الجهاد. وليس أي سبيل آخر، وحتى يرى هذا الإسهام النور لا بد أن تتحمل مسؤوليته فئة من الأمة”.
لا معنى للوجود بدون مقاومة
واسترسل عبد الرحمان أن “المقاومة (…) ليست فعلا جزئيا، بل هي فعل كلي”، وواصل: “نظرت إلى المقاومة من ناحية كيانية، وأعني أنه لا معنى للوجود بدون مقاومة ولا مغزى من الحياة بلا جهاد؛ لأن الوجود والحياة إنما يكتسب من فعل المقاومة نفسه (…) والفعل المقاوم يستفز ويستجمع كل القدرات الإنسانية السمع والبصر والعقل وجميع حواس الإنسان، فلا يتفرد عضو محدد ولا إدراك معين بالمقاومة. والجهاد ليس عملا تقف أو تستبد به مَلكة من الملكات، بل هو استعداد يتوسل بجميع الملكات، وبها يتشكل الإنسان على الحقيقة”.
وبالتالي يضبف طه “المقاومة والجهاد بهذا المعنى هي إكسير الحياة الذي وهبه الله للمقاومين، وبدونها لا يكون ثَم إلا الموت والفناء (…). كما أنها الخصيصة التي يمتاز فيه المقاومون الذين فارقوا مسوغات العجز ودواعي القعود. وبواعث السلبية عن سائر المخلوقين من غيرهم ممن رضوا بالخيانة واعتادوا الخذلان. فكانوا أشبه بالأموات منهم بالأحياء”.
ومنذ نكسة 1967، وقد كان طه طالبا في الجامعة، ذكر أن هذه الحرب قد أحدثت في نفسه “زلزالا شديدا”. فاستولى عليه سؤال “ما العقل الذي استطاع أن يهزم العرب جميعا؟. وكيف لأمة كثيرة العدد راسخة التاريخ أن تهزم؟ و (…) متى يكون لنا عقل يهزم العقل الصهيوني؟”.
المقاتل الفلسطيني يبدع هذا الطوفان
وأكدالمتحدث قائلا: “لقد حملت هذه الأسئلة والتي هي أسئلة الزمان وأسئلة الأمة كهُمُوم شخصية ورهانات معرفية. ووجهت دراستي نحو المنطق والفكر كي أتبين الآليات العقلية التي تحقق بها الانتصار الصهيوني. وأوجه الخلل والقصور التي وقعت بسببها الهزيمة العربية. ولم يزل صدى هذه الأسئلة يتضخم في نفسي مع مرور الأيام حتى رأيت المقاتل الفلسطيني يبدع هذا الطوفان، فرأيت بأم عيني كيف انهزم العقل الصهيوني. فشعرت لأول مرة بشفاء الصدر، وحصلت على إجابات تلك الأسئلة التي رابطت على ثغري المعرفي من أجل العثور عليها”.
ودافع طه عن أن “أعظم مظهر للعقل العربي والإسلامي في العصر الحديث هو ما تجسد في طوفان الأقصى.، حيث تجلت لهذا المقاوم إمكانيات العقل الإسلامي فاكتشف سعته وقوته، وتجلت أمامه إمكانيات العقل الصهيوني فاكتشف محدوديته وهشاشته. فتحمل المسؤولية العملية تجاه هذه الحقائق، فتحققت معه هذه المنجزات الفارقة، وهذا هو معنى الاصطفاء من الله تعالى”.