شدد الملك محمد السادس في رسالة وجهها اليوم الأربعاء إلى المشاركين في أشغال الملتقى البرلماني الثالث للجهات، المنعقد بمجلس المستشارين في الرباط، على ضرورة التسريع بتنزيل الجهوية المتقدمة، وقال في رسالته، إن “المغاربة لا يريدون مؤسسات جهوية حبرا على ورق، وإنما يتطلعون لجهات فاعلة، تتجاوب مع انشغالاتهم الملحة، وتساهم في تحسين معيشهم اليومي”.
وأضاف الملك في رسالته للمشاركين في المنتدى، أنه “حريص على إنجاح الورش الإصلاحي الهيكلي للجهوية المتقدمة، الذي نضعه في صلب توجهاتنا الاستراتيجية، من أجل ترسيخ مسار التحديث المؤسسي لبلادنا، وتوطيد بناء مغرب التضامن، والكرامة، والعدالة الاجتماعية والمجالية، والنهوض بالتنمية المندمجة والمستدامة لفائدة كافة المواطنين”.
وثمن الملك “الاستمرار في التفكير المنتظم والاقتراح المتواصل الذي اختاره مجلس المستشارين، بمعية شركائه المؤسساتيين، من مجلس اقتصادي واجتماعي وبيئي، ومجلس وطني لحقوق الإنسان، وجمعيات جهات وجماعات المغرب، الذين بادروا إلى تنظيم النسخة الثالثة من الملتقى البرلماني للجهات”.
وعبر محمد السادس عن “تطلعه لأن تشكل هذه الدورة فرصة سانحة لتعميق النقاش البناء، واقتراح الحلول الخلاقة، والعملية المناسبة، من أجل اضطلاع الجهوية المتقدمة بدور محوري، كرافعة قوية لإنتاج الثروة المادية واللامادية، وتوفير فرص الشغل، لاسيما للشباب، وإدماج مختلف الفئات الاجتماعية، وضمان المشاركة المواطنة الواسعة والمسؤولة، والمساهمة في النهوض بالتنوع الثقافي لبلادنا، في إطار مقومات هويتنا الوطنية الموحدة”.
وتابعت الرسالة الملكية: “لا يخفى عليكم بأن النهوض الأمثل بهذا الورش الحاسم، لا يتوقف فقط على حجم الصلاحيات المخولة للجماعات الترابية، خاصة الجهات، بل يرتبط أساسا بكيفية ممارستها، وقدرة كافة الفاعلين، لاسيما المنتخبين، على التحلي بروح المسؤولية العالية، وترجيح العمل الجماعي البناء، والهادف إلى جعل خدمة المواطن أولوية الأولويات وتجاوز كل الاعتبارات الضيقة”.
وذكر الملك في رسالته “التدابير والأوراش التي بادر إلى إطلاقها في الآونة الأخيرة، لاسيما منها المتعلقة باللاتركيز الإداري، وإصلاح منظومة الدعم والحماية الاجتماعية، ومنظومة التكوين المهني، وإعادة النظر في الإطار القانوني والتنظيمي للمراكز الجهوية للاستثمار، تندرج ضمن منظورنا الشامل، الهادف لتوفير أسباب النجاح لمسار التنمية الجهوية، والرفع من وتيرة تفعيله، وتأهيل جميع الجهات لممارسة اختصاصاتها على أحسن وجه”.
وأكد الملك على “ضرورة الحرص على التناسق والتكامل بين المهام الموكولة لكل الفاعلين العموميين الترابيين، وخاصة منهم الجماعات الترابية، علما بأن القوانين المنظمة لهذه الجماعات حددت للجهات مهام النهوض بالتنمية المندمجة والدائمة، كما رسمت لمجالس العمالات والأقاليم مهام النهوض بالتنمية الاجتماعية، خاصة في المجال القروي كما في المجالات الحضرية، وسطرت للجماعات مهام تقديم خدمات القرب للساكنة”.
ودعا الجالس على العرش للمساهمة في التفكير في وضع إطار منهجي، محدد من حيث الجدولة الزمنية، لمراحل ممارسة الجهات لاختصاصاتها، بشكل يراعي متطلبات التكامل بين الاختصاصات الذاتية والمشتركة والمنقولة، آخذا بعين الاعتبار أيضا القدرات المالية والتدبيرية الخاصة بكل جهة، مع استحضار الحلول المؤسساتية الحديثة، التي أثبتت نجاعتها.
وسجل الملك في هذا الصدد أن “مختلف جهات المملكة قد قطعت أشواطا متفاوتة في وضع برامج التنمية الجهوية، فإن ضمان ترجمة هذه البرامج إلى منجزات فعلية متكاملة مع السياسات القطاعية على المستوى الترابي، يقتضي من الجهات عدم الاقتصار على قنوات التمويل المعتادة فقط، وإنما يتطلب إمعان التفكير في كيفية تعبئة التمويلات الضرورية لهذه البرامج وتنويعها عبر مختلف الشراكات بما فيها التعاون اللامركزي”.
كما دعا في نفس الإطار، الجهات إلى استثمار فرصة التقييمات المرحلية المقبلة لبرامج التنمية الجهوية، من أجل تقوية هندسة تمويل المشاريع المبرمجة في إطار هذه المخططات، ضمانا لواقعيتها ولنجاعتها.
وارتباطا بموضوع التمويلات، قال الملك محمد السادس: “لا داعي للتذكير هنا بمحدودية الإمكانيات المالية للدولة ككل. ومن تم، فإن الجماعات الترابية مطالبة بوضع برامج تنموية وبرامج عمل تراعي هذه الإكراهات، وخاصة من خلال السهر على تدبير مواردها المالية بكل نجاعة وفعالية، وتسخيرها للاستثمار الموفر للتشغيل المنتج ولصالح الحاجيات الحقيقية والملحة للساكنة”.