أكد صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، أن المغرب، وبحكم انخراطه الكامل في تنفيذ خطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، في أفق عام 2030، اتخذ من ورش النهوض بالتعليم الجيد أساساً متيناً لتحقيق أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر.
وشدد جلالة الملك في رسالة موجهة إلى المشاركين في المائدة المستديرة رفيعة المستوى حول “قدرة التربية على التحصين من العنصرية والميز: معاداة السامية نموذجاً”، والتي نظمت اليوم الأربعاء بنيويورك، على هامش أشغال الدورة الـ73 للجمعية العامة للأمم المتحدة، على أنه “لا بد للتعليم الجيد الذي ننشده، أن يعلم أبناءنا التاريخ برواياته المتعددة، من خلال استعراض اللحظات المشرقة في ماضي البشرية، لكن دون إغفال صفحاته الأكثر قتامة”.
وأوضح صاحب الجلالة أنه لا بد لهذا التعليم كذلك أن “ينمي لديهم روح الانفتاح على العالم، وعلى التنوع الإنساني والثقافي. وفضلا عن ذلك، فإننا نتطلع إلى مساهمة هذا التعليم في إعداد أجيال متشبعة بالفكر المتفتح وروح التسامح، وقادرة على تحقيق ذاتها في بلدان كالمغرب، حيث تندمج الثقافات والحضارات في الحوار بكل حرية، ويغني بعضها بعضا”.
وأضاف جلالته أن المملكة ظلت باعتبارها ملتقى للحضارات العربية الإسلامية والإفريقية واليهودية والمسيحية، وفية لتقليد راسخ، قوامه التسامح والتعايش والتفاهم المتبادل.
ولا أدل على ذلك، يبرز جلالة الملك، من أن تاريخ اليهود المغاربة، الذي صانه سلاطين المغرب وملوكه، وظل شاهدا على مصير مشترك وسيرورة تاريخية، كان وما زال يعتبر “اليهود مواطنين مغاربة يتمتعون بنفس الحقوق المتساوية والكاملة، على غرار إخوانهم المسلمين”. فقد ظل التعايش بين اليهود والمسلمين سمة من سمات حياتهم اليومية، حيث درج كل منهما على النهل من معارف الآخر، والاقتباس من معين منظومته التعليمية.
وأكد أن واقع الحال يظل شاهداً على التعايش الديني في المغرب، إذ تنتصب المساجد والبيع والكنائس جنباً إلى جنب في العديد من مدن المملكة، مشددا جلالته على أن هذه “هي الصورة التي نعمل على ترسيخها في عقول أبنائنا. وذلكم هو الإرث الذي نسعى لتسليمه أمانة لهم. وهي، إلى ذلك، رسالة السلام التي قصدنا تبليغها من خلال الارتقاء بالتربية إلى المكانة المرموقة التي تستحقها بإجماع الجميع”.
ومن جهة أخرى، ذكر صاحب الجلالة بالسياق الذي تنظم فيه هذه المائدة المستديرة رفيعة المستوى، وهو “سياق يتسم بانخراط عدة مناطق من المعمور في منطق الإقصاء، والانطواء، ورفض الآخر”.
وأضاف جلالة الملك أن هذا السياق يتسم أيضا بتنامي خطابات الكراهية وازدياد انتشارها، “مؤججة بذلك أحقاد العنصرية وكراهية الأجانب والخوف من الإسلام ومعاداة السامية وغيرها من أشكال الميز. وهي بذلك إنما تمهد الأرضية المواتية لانتشار التطرف العنيف وتفشي انعدام الأمن”.
ولمحاربة هذه المعضلات، يؤكد جلالته أن ذلك لن يتأتى “بالارتجال وأنصاف الحلول. فالمعركة التي تنتظرنا ليست عسكرية ولا مالية، بل هي تربوية وثقافية في الأساس، ولها عنوان : هو التربية”.
وأبرز جلالة الملك أن “كسب رهان التربية يشكل الحالة الوحيدة التي يمكن الاعتداد بالنجاح فيها، كإنجاز فردي وجماعي في الآن نفسه”، لأن التربية “توفر تلك القدرة اللافتة، بل والضرورية، على تجاوز شعور التوجس من الآخر، وعلى رفض الخلط بين المفاهيم، ودحض الأحكام المسبقة. وهي، فضلا عن ذلك، قاعدة للتلاحم والمساواة، وشرط أساسي للنمو والازدهار، باعتبارها علاجاً وسلاحاً ناجعين في مواجهة كل هذه الآفات”.